"رؤية الغرب الاستعلائية أحد معوقات حوار الحضارات"

في هذا الحوار يتحدث محمد بن عيسى، الأمين العام لمنتدى أصيلة الثقافي والذي سبق له أن شغل منصب وزارة الخارجية المغربية وكذلك وزارة الثقافة، إضافة إلى عمله سفيرا للمغرب في واشنطن، إلى محمد مسعاد عن مهرجان أصيلة الثقافي وحوار الثقافات والحضارات ومعوقات الوصول إلى حوار فاعل وجاد.

محمد بن عيس، الصورة: مهرجان أصيلة
"أنا لا أرى استعدادا حقيقيا من طرف دول الشمال لاحترام ثقافة الجنوب، أقولها بهذا المعنى حتى لا أقول كلاما آخر"

​​ يتميز المغرب بصيف للمهرجانات. غير أن مهرجان أصيلة الثقافي يحمل خصوصية معينة تميزه عن غيره. فما الدلالة الخاصة التي يحملها هذا المهرجان؟

محمد بن عيسى: أعتقد أن أوجه المقارنة لا يمكن أن تتم بصفة عامة، موسم أصيلة هو مشروع ثقافي وليس مهرجانا، انطلق سنة 1978، وكان أول ملتقى من نوعه ينظم في المغرب. إنه مشروع ثقافي كان هدفه أن نلتقي نحن في الجنوب مع النخب في عالم الشمال، بدأنا بالفن التشكيلي ثم فتحنا المجال إلى العلماء و المفكرين والباحثين في إطار مؤسسة أطلقنا عليها "جامعة المعتمد بن عباد الصيفية" وقد عقدت هذه السنة دورتها الرابعة و العشرين. بمعنى آخر أصيلة ليست مهرجانا ترفيهيا بالمعنى المتعارف عليه في المهرجانات، ومن جانب آخر فالمغرب يعرف مهرجانات كثيرة وبعضها جاد في مختلف المجالات وخاصة في المجال الموسيقي، وهذا راجع أولا للظروف التي يعيشها المغرب من استقرار وبروز جيل جديد من مبدعين موسيقيين، حيث يتوازى مع ذلك مع فعاليات موسيقية من كل أنحاء العالم، يلتقون في المغرب في مهرجانات موسيقية هنا وهناك.

كيف تقيمون الدورة الأخيرة من موسم أصيلة الثقافي الدولي؟

تعيش أصيلة مواسم ثقافية تلقي على المدينة مزيدا من الجمال والأصالة...

​​ محمد بن عيسى: لكل ملتقى مواصفاته وخصوصياته، ولقد سمينا ملتقى أصيلة بالموسم تبركا بالمعنى الصوفي للكلمة. وتميز الموسم هذا العام بلقاءات مهمة منها اللقاء العربي الأفريقي الأبيرو أمريكو لاتيني الذي تدارس موضوع المجتمع المدني و الحكومات وكيفية توظيف هذه الطاقات التي بدأت تبرز في أمريكا الجنوبية واللاتينية وفي أفريقيا والعالم العربي من منظمات غير حكومية مع التمثيليات الحكومية لتمتين التعاون و الشراكة جنوب-جنوب، وكذلك لإقامة فضاء للتعاون والتفاوض مع دول الشمال.

لقد حضر هذه الندوة زخم من الشخصيات من رؤساء برلمانات والرئيس السابق لغانا وغيرهم من مفكرين وباحثين. كما بعث جلالة الملك محمد السادس برسالة للمشاركين اعتمدت كأرضية مهمة، تحمل كثيرا من الرؤى لدعم التعاون جنوب-جنوب وبخاصة من منطلق توظيف القدرات التي تتوفر عليها المجتمعات والمنظمات غير الحكومية.

كان هناك أيضا لقاء جميل ضم لأول مرة الإعلاميات العربيات داخل الوطن العربي وخارجه، وضم نحو 30 شخصية نظم لأول مرة في المغرب، واتفقت المشاركات على تنظيمه سنويا لتدارس قضايا المرأة العربية وموقعها في وسائل الإعلام في الوطن العربي وخارجه. ومن بين اللقاءات المهمة كذلك ندوة حول آثار وتداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية على المساعدات الخارجية للدول النامية وخاصة أفريقيا، وعرفت هي الأخرى حصورا وازنا لكبار المسؤولين من أفريقيا والعالم العربي.

لِمَ الرهان في موسم أصيلة الثقافي على التعاون جنوب- جنوب؟

الصورة: موسسة أصيلة الثقافية
محمد بن عيسى: "طموحي الحقيقي هو أن يستمر المشروع وأن يتطور مع تطور الزمان وأرجو أن تقوم أصيلة أخرى في مكان آخر"

​​

محمد بن عيسى: أعتقد أن هذا الموضوع لم يطرح لأول مرة في أصيلة، هو موضوع تداولته عدة ندوات سواء في نطاق الأمم المتحدة أم في نطاق المنظمات الإقليمية. لقد ولد التعاون جنوب -جنوب كنواة صغيرة عام 1978 في الأرجنتين في مؤتمر بالعاصمة بوينو سايرس. ومنذئذ بدأ الشعور يترسخ لدى دول الجنوب، أي أمريكا اللاتينية، أفريقيا، العالم العربي وكذلك أسيا بكونها تربطها الكثير من الخصوصيات، والآن بشكل أكثر، خاصة وأن الدول في الجنوب أصبحت غنية سواء بالنفط أم بالمعادن، إضافة إلى ثروتها المهمة وهي الثروة الإنسانية. ومن ثم بدأ التفكير في إيجاد وسائل وسبل التعاون والشراكة فيما بينها من توسيع للفضاءات التجارية والأسواق الحرة وهذا ما تم فعلا في المنطقة العربية المتوسطية من المغرب إلى الأردن، وكذلك في عدد من مناطق أفريقيا.

هذه التوجهات تعني توسيع أسواق التعاون بين الدول النامية وخاصة في المنطقة الواحدة كما هو الشأن في منطقة المغربي العربي، وكذلك لتكون هذه الدول قوية للتعاون أو لنقل التفاوض مع دول الشمال. إن الدول ذات الاقتصاد الضعيف لا تكون في موقع التفاوض، حينما يتعلق الأمر بمصالحها ومصالح جيرانها.

كيف ترون مساهمة موسم أصيلة الثقافي في دعم الحوار بين الحضارات والثقافات؟

محمد بن عيسى: أنا شخصيا لا أستسيغ عبارة حوار الحضارات والثقافات. لا أعتقد أن الحضارات تتحاور. الذين يتحاورن هم الأفراد من النخبة والصفوة. لقد أصبح هذا التعريف مبتذلا. ربما أصيلة كانت أول فعالية إقليمية ودولية تعمل على تواصل هذه الحضارات من خلال اللقاءات والتعارف والتفاهم والشراكة إما من خلال الفنانين التشكيلين من مختلف العالم أو من خلال اللقاءات و الندوات. وأعتقد أن الكل يشهد الآن بالدور الذي لعبته أصيلة خاصة فيما يتعلق بالعلاقات العربية الأفريقية، والآن من خلال العلاقات العربية الأفريقية الايبرو أمرريكو لاتينية ولكن أيضا مع أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية من خلال الندوات واللقاءات التي نظمت طيلة الواحد والثلاثين سنة الماضية.

نقول بكل تواضع إننا أقمنا علاقات متطورة وساهمنا في إسماع صوت الآخرين في الفضاء الثقافي الكوني. أقول هكذا لأن هناك أيضا معوقات تعترض هذا التواصل والتفاهم الحضاري.

من دون شك شكلت هجمات 11 سبتمبر/ أيلول الإرهابية معوقا أساسيا لهذا التواصل. كيف هو في نظركم مستقبل التواصل والتلاقح بين الحضارات؟

جانب من فعاليات الموسم، الصورة: مؤسسة أصيلة الثقافية
"مشروع أصيلة الثقافي كان هدفه أن نلتقي نحن في الجنوب مع النخب في عالم الشمال"

​​ محمد بن عيسى: هذا يعتمد على كثير من الأشياء، أنت لا يمكنك مثلا أن ترسخ قواعد هذا الحوار والتواصل في منطقة يعيش فيها الإنسان ظروف القمع والظلم والاحتلال كما هو الحال في منطقة المشرق العربي وكذلك في أسيا أو كما يحدث الآن في بعض دول أمريكا اللاتينية. أنا أتكلم فقط على دول الجنوب، وكما تفضلت فأحداث 11 سبتمبر لعبت دورا كبيرا في خدش ونبش الصورة المتميزة للمسلمين والإسلام نفسه وأوجدت الفرصة لتروج دعاية مغرضة رسخت في أذهان الناس صورة بشعة عن المسلمين و العرب بما في ذلك الصورة الإرهابية، هذا من جانب. أما من جانب آخر فأنا لا أرى استعدادا حقيقيا من طرف دول الشمال لاحترام ثقافة الجنوب، أقولها بهذا المعنى حتى لا أقول كلاما آخر.

وبعض دول الشمال تتعامل بفوقية تؤدي إلى رؤية مزدرئة للآخر ونلمس ذلك فيما تكتبه الصحف التي تعكس انشغالات المجتمع أيضا. هناك رغبة سياسية لكننا نعرف أن السياسة مساحيق، السياسة ليست مبادئ وليست قواعد ثابتة فهي تتغير مع الظروف ومع الأشخاص. صراحة أنا ألوم النخبة في الشمال، لأنها لا تعير الاهتمام الكافي للتطورات التي تعرفها منطقة الجنوب وأحيانا تنظر إليها من منطلق ناقم وكذلك بأسلوب الوصاية على الآخر. إننا نسمع كل يوم خطابات تتوجه إلينا حول حقوق الإنسان، الديمقراطية، المرأة والطفل كما لو أنهم خارجون من جنة ونحن من جحيم ويريدون أن نكون مثلهم دون اعتبار لمنظومتنا القيمية ولخصوصياتنا ولتاريخنا ولثوابتنا ولتقاليدنا ولطبيعة البشر في منطقتنا. لذلك إذا أردنا أن نعزز التواصل أو الحوار الحضاري يجب أن نزيل هذه المعيقات من أذهان من يعتقدون أنهم أعلى من الآخرين.

استطاع موسم أصيلة الثقافي أن يتحول إلى قبلة عالمية. إلى أين تصل طموحاتكم وأهدافكم؟

محمد بن عيسى: أنا ليس لدي طموح خاص، أنا واحد من مجموعة ممن بادروا إلى هذا المشروع الثقافي. لأن هناك جيل آخر من الشباب، جيل مما كان عمره 10 سنوات حينما انطلقنا والآن عمره 41 سنة. نحن نسعى إلى ترسيخ قواعد هذه الأرضية وأن نسعد في المستقبل بجعل أصيلة يونسكو غير حكومية بعيدة عن التوصيات والقرارات والشعارات.

طموحي الحقيقي هو أن يستمر المشروع وأن يتطور مع تطور الزمان وأرجو أن تقوم أصيلة أخرى في مكان آخر. أنا لا أعتقد أن مدينة صغيرة في أقصى الشمال الغربي للمغرب تستطيع وحدها تكييف الممارسة الثقافية بين النخب العالمية. أعتقد أن العمل يجب أن يكون محفزا لجميع الجهود وأن تلتقي حوله كل القدرات التي تؤمن بهذا التوجه و التي لا ترى في الفكر والإبداع حدودا وتؤمن بأن الحرية هي عماد الفكر الحر والإبداع الذي لا نهاية له

أجرى الحوار: محمد مسعاد
حقوق الطبع: قنطرة 2009

قنطرة

الدورة العاشرة لمهرجان شارع الموسيقيين الشباب:
مشهد موسيقي بديل في الدار البيضاء
يعدّ "بولفار الموسيقيين الشباب" في الدار البيضاء بمثابة ثورة صغيرة. أصبح هذا المهرجان الموسيقي في عامه العاشر ومنذ فترة طويلة نقطة تبلور لاتجاه ثقافي بعيد عن الثقافة السائدة في المغرب. يبدو المرء في هذا المشهد الثقافي واثقًا مما يعجب الشباب ومنتقدًا لما يزعج الحكومة. تقرير من دافيد زيبرت.

الشباب المغربي بين الروك والغناوى:
صرخة موسيقية من أجل التغيير
الموسيقيون المغاربة الشباب بعيدون عن الأدلجة السياسية وليس لديهم أية مشكلة في مزج الموسيقة الغربية الحديثة كالهارد روك والهيب الهوب مع كل أشكال الموسيقة المحلية الشعبية. تقرير كتبته ليلى الزبيدي

مهرجان "بابل ميد ميوزيك":
عرس ثقافي على شواطئ المتوسط
يعد مهرجان الموسيقى العالمية "بابل ميد ميوزيك" رمزا للتحولات السريعة التي تشهدها مدينة مارسيليا الساحلية التي كان يُنظر إليها طويلاً على أنها مدينة مهملة. هذه المدينة من المخطط لها أن تنهض من غفوتها لتغدو عاصمةً ثقافية واقتصادية لمنطقة البحر المتوسط، وذلك في إطار برنامج الدول الأوروبية المتوسطية الذي يرعاه الاتحاد الأوروبي. دافيد زيبرت يطلعنا على هذه التجربة الرائدة.