"مطب" ضحية "مطب" التابوهات الاجتماعية

مسلسل "مطب" هو أول مسلسل يتم إنتاجه في فلسطين وهو يتناول مشكلات الحياة اليومية ويمس موضوعات محرمة داخل المجتمع. تم إنتاج الحلقات العشر الأولى من المسلسل بتمويل من معهد غوته في رام الله وكان من المفترض أن يبدأ عرضه مع بداية شهر رمضان المبارك. ألفريد هاكينزبرغر يستعرض هذا الفيلم والضجة التي أثيرت حوله.

مشهد من الفيلم، الصورة: د.ب.ا
الفيلم يتعرض لموضوعات تعد تابوهات في المجتمع الفلسطيني

​​كان هدف المنتجين تقليد المسلسلات التلفزيونية الناجحة، مثل المسلسل التركي "نور" الذي استمر عرضه حتى نهاية شهر أغسطس (آب) وتناول موضوعات تعتبر من المحرمات في المجتمعات الإسلامية. كل يوم كان الملايين من المعجبين، من المغرب إلى سوريا ووصولاً إلى السعودية، يتابعون حكاية نور وعائلتها. في المدن الفلسطينية أيضاً كانت الشوارع تخلو في المساء أثناء بث هذا المسلسل التلفزيوني رغم أن أعضاء في حركة حماس كانوا قد حذروا من المسلسل لأنه يخالف "الدين والقيم والعادات والتقاليد".

اعتقد منتجو مسلسل "مطب" أن الجمهور الذي لم يرضخ للوعظ والإرشاد الديني وكان مستعداً لرؤية مضامين نقدية سيكون متلهفاً على رؤية مشروعات مشابهة. "عبر برامج التسلية ممن الممكن مناقشة موضوعات مهمة وجادة"، هكذا ترى فابيانه بيسون عضو المفوضية الأوروبية، وهي الجهة التي قامت بدعم إنتاج أول مسلسل تلفزيوني فلسطيني بالتعاون مع معهد غوته ومنظمة التعاون التقني GTZ، وبتكلفة بلغت 170 ألف يورو.

ويعتبر هذا المبلغ ضئيلاً قياساً إلى ميزانيات المسلسلات المشابهة، مثل مسلسل "شارع الزيزفون" الألماني الذي صُنع "مطب" على غراره. غير أن النقص المالي تم تعويضه بثراء أفكار العاملين فيه وتضحيتهم والجهد الكبير الذي بذلوه لإنجاز العمل.

تجميد المشروع ليس كارثة

لذلك كان الألم مريراً عندما قام التلفزيون الفلسطيني بوقف عرض الحلقات العشر لمسلسل "مطب" قبل أن يبدأ بثها على القمر الاصطناعي إلى كل أنحاء العالم من الأول حتى العاشر من سبتمبر (أيلول). أما موعد البث فهو أفضل الأوقات في رمضان، وذلك بعد الإفطار حيث يتجمع أفراد العائلة حول شاشة التلفزيون ليهضموا الطعام الدسم الذي تناولوه. وتتقاضى المحطات التلفزيونية أعلى الأجور نظير بث الإعلانات في تلك الفترة.

ابتهاج رام الله بقدوم رمضان، الصورة: أ.ب
برر التلفزيون الفلسطيني وقف عرض "مطب" مؤقتاً لرغبته في التأكد من "أنه لا يحوي مشاهد تثير استهجان هذا الطرف أو ذاك"

​​برر التلفزيون الفلسطيني وقف عرض "مطب" مؤقتاً لرغبته في التأكد من "أنه لا يحوي مشاهد تثير استهجان هذا الطرف أو ذاك."ولذلك تم تشكيل لجنة قامت بمشاهدة الحلقات العشر، وتوصلت اللجنة إلى أن هناك بعض المشاهد يجب تعديلها، ومنها مشهدان يقدم فيهما فلسطيني زهوراً لجنود إسرائيليين عند أحد الحواجز، وفي مشهد آخر يحلم فلسطيني بالقيام بعملية انتحارية. ويؤكد يحيى بركات، مدير البرامج في التلفزيون الفلسطيني على أن ما حدث "ليس رقابة".

كان هذا القرار صادماً ومخيباً للآمال إلى أقصى حد بالنسبة لجورج خليفي مخرج "مطب". ولكن الأمر ليس كارثة: فمن ناحية سيتم بث المسلسل على شاشات تلفزيون "معاً" وإن كانت هذه القناة لا يتم استقبال إرسالها إلا عبر الهوائيات. من ناحية أخرى فإن "مطب" سوف يُبث لاحقاً عبر الأقمار الاصطناعية بمجرد تنفيذ التغييرات المطلوبة.

المشي فوق الحبال

كان واضحاً منذ البداية بالنسبة لكل من شارك في إنتاج المسلسل أنهم يمشون فوق حبل رقيق، لاسيما عند تناول موضوعات شائكة لا يتم التعرض إليها في المعتاد. "إننا لا نتحدث إلا عن الاحتلال وعن نقاط التفتيش"، يقول شادن زماميري، أحد أبطال المسلسل في حديث تلفزيوني، ويواصل قائلاً: "لا نتحدث أبداً عن مشاكلنا الذاتية التي يسود حولها الصمت التام."

مبنى معهد غوته في رام الله، الصورة: معهد غوته
تم إنتاج "مطب" بدعم من معهد غوته ومنظمة التعاون التقني GTZ وبتكلفة بلغت 170 ألف يورو

​​هذه المنطقة المظلمة التي لا يقترب منها أحد هي تحديداً المنطقة التي أراد "مطب" أن يسلط عليها الأضواء. "مناقشة موضوعات ساخنة"، هكذا يطلق عليها فريد ماجيري، مدير معهد غوته في رام الله ومنتج وكاتب سيناريو المسلسل. ومن تلك الموضوعات الساخنة "اتخاذ قرار في شأن حياة الإنسان العاطفية أو العنف تجاه المرأة أو تقدمها المهني أو تقسيم العمل داخل العائلة".

في البداية أراد ماجيري أن يضمن المسلسل شخصية مِثلية، وكذلك جريمة قتل دفاعاً عن الشرف، غير أنه تخلى عن فكرته لأنها كانت ستتعدى خطوطاً حمراء كثيرة. منذ أمد طويل لم تعد فلسطين مكاناً ليبرالياً. في الغرب سيسمي المرء ذلك "رقابة ذاتية"، ولكن ما فعله مدير معهد غوته لا يختلف كثيراً عما يفعله زملاؤه من كتّاب السيناريو في ألمانيا وفرنسا أو الولايات المتحدة. كلهم يكتبون واضعين نصب أعينهم ما تعود عليه المستهلك، أي المشاهد، ويتجنبون تماماً كل ما من شأنه أن يثير استفزازاً سلبياً – وليكن ما يكون.

ثقيل كالحجر بدلاً من الخفة المسلية

غير أن هدف "مطب" لم يكن التسلية من أجل التسلية. إن المسلسل نوعاً من "حصان طروادة" المملوء بالمضامين التي ينبغي نقلها. ولكن مَن يشاهد الحلقات الأولى، يعرف أن النيات كانت حسنة أكثر من اللازم.

تدور أحداث المسلسل حول العاملين في إحدى المنظمات غير الحكومية التي تحمل اسم "مبادرة تشجيع الفن والثقافة والتنمية في فلسطين" وهو اسم يدفع الفلسطينيين الذين يتعاملون يومياً مع عدد لا يحصى من المنظمات غير الحكومية إلى الضحك من كل قلوبهم. فيما عدا ذلك فإن الحلقات للأسف تفتقد إلى الرشاقة كما أنها حافلة بالموضوعات الثقيلة كالحجر.
بدلاً من التسلية وإثارة المرح والضحك يرى المشاهد سلسلة لا تنقطع من المشكلات، وفوق كل هذا فإن الحلقات تطفح بالصور النمطية والمواعظ الأخلاقية.

يصعب على المرء التخيل أن الفلسطينيين الذين يعانون من حياة مليئة بالمشاكل الفعلية بسبب الاحتلال الإسرائيلي ستكون لديهم رغبة في مشاهدة هذا المسلسل التنويري بعد انتهاء يومهم الشاق، لاسيما في رمضان الذي تسود فيه أجواء الانسجام بين الناس. رغم كل النيات الحسنة ورغم كل الجهد المبذول فإن هذا المسلسل يفتقد ببساطة إلى المرح اللازم الذي يدفع الناس إلى الضحك على أنفسهم ثم التفكير في حالهم.

ألفريد هاكنبرغر
ترجمة: صفية مسعود
قنطرة 2008

قنطرة

المسلسل التركي "نور"
رومانسية...أحلام وردية...قنبلة اجتماعية..
من المملكة العربية السعودية حتى المغرب: المسلسل التركي "نور" أضحى حديث الساعة؛ فالملايين من الناس يتابعون حلقات هذا المسلسل ذي الأجواء الرومانسية والإنسانية التي تكاد تكون مفقودة في كثير من البيوت العربية. وعلى الرغم من هذه الشاعرية، إلاّ أن المسلسل "نور" قد أطفأ "النور" على عدد من الزيجات التي انتهت بالطلاق. ألفريد هاكينسبيرغر في استعراض لهذا المسلسل وسر مشاهدته.

الفيلم الوثائقي "جهاد من أجل الحب"
مسلمون أولاً ومثليون ثانياً
طاف بارفيز شارما في العالم الإسلامي وأوروبا وأمريكا الشمالية على مدار ست سنوات عاملاً على توثيق حياة مثليين جنسيين مسلمين وسحاقيات مسلمات وعلى توثيق نضالهم من أجل التوفيق بين ميولهم الجنسية ومعتقداتهم الدينية العميقة. ماريانا إيفنشتاين حاورت المخرج الهندي شارما في أمر هذا الفيلم.

إنزال" الكاتبات السعوديات في بيروت والمملكة:
الواقع بأسماء مستعارة!
شهدت السنوات الماضية صدور العديد من الأعمال الإبداعية بقلم كاتبات من المملكة العربية السعودية اللواتي يتناولن بجرأة كبيرة موضوعي الجنس والدين. ماهر شرف الدين يلقي نظرة نقدية على هذه الظاهرة.