الإرث الثقافي المعماري في المغرب بين التثمين والإهمال

كيف نعيد الاعتبار للمدن العتيقة وللعمارة الإسلامية؟ الدكتور امحمد بنعبود، المؤرخ والفاعل الجمعوي المهتم بقضايا التراث المعماري، ينتقد في الحوار التالي مع عبداللطيف بوستة "التعامل مع مدننا العتيقة تعاملنا مع المدن الفرنسية اعتمادا على قوانين المدن الفرنسية، كأن تراثنا تراث غريب علينا" مشيرا إلى أن "التراث الثقافي والمعماري للمدن العتيقة ليس من بين الأولويات لا في المغرب ولا في المغرب العربي ولا في الدول الإفريقية".

By عبداللطيف بوستة

من التحديات الكبيرة المطروحة في الحواضر المغربية العريقة مثل طنجة وفاس ومراكش والدار البيضاء وغيرها قضية الحفاظ على الإرث الثقافي المعماري وإعادة تأهيله لدمجه في النسيج العمراني والاقتصادي الجديد لهذه المدن.

نلاحظ هجران العديد من العائلات العريقة للمدن العتيقة وتخليها عن منازلها هناك حيث تبقى عرضة للخراب والانهيار، أو بيعها للأجانب الذين يستثمرون في جمالياتها العمرانية العظيمة جاعلين منها فنادق ومطاعم ورياض فخمة تذكي لدى السائحين الغربيين الشوق إلى عيش تجربة الشرق الآسر الفتان، كما توحي به قصص ألف ليلة وليلة. ومن جهة أخرى نلاحظ ما تتعرض له بعض المباني العمرانية في المدن الجديدة والتي يمكن اعتبارها إرثا كولونياليا من إهمال مقصود لأسباب سياسية أو تتصل بجشع المستثمرين العقاريين.

من هنا، كان هذا الحوار مع الدكتور امحمد بنعبود، المؤرخ والفاعل الجمعوي المهتم بقضايا التراث المعماري للمدينة العتيقة بتطوان ونائب رئيس جمعية تطاوين أسمير.

من يزور مدينة تطوان يلفت نظره الحضور اللافت للشرفات في الفضاء المعماري لحي الإنسانشي . ما سر هذا الحضور؟ وماهي الأدوار الجمالية والاجتماعية التي كانت تلعبها؟

امحمد بنعبود: صحيح، إن الشرفات من بين المميزات الأساسية للفضاء المعماري لحي الإنسانشي بتطوان. إن هذا الحي بناه الإسبان في عهد الحماية الإسبانية عندما قررت سلطات الحماية الإسبانية في شمال المغرب والصحراء أن تجعل من تطوان عاصمة لهذه المنطقة. تم بناء هذا الحي ما بين 1913 و1956.

حاول الإسبان بناء عاصمة تعكس قوة إسبانيا وتطور حضارتها وتفوقها على الشعب المغربي الذي أخضعته لسيطرتها. لذلك ساهم في بناء حي الإنسانشي أبرز المهندسين الإسبان خلال النصف الأول من القرن العشرين، إن بنايات حي الإنسانشي تعكس جميع التيارات الهندسية التي كانت سائدة في إسبانيا خلال تلك الحقبة، حيث إن حوالي 20% من عمارات هذا الحي صممها وبناها أبرز المهندسين الإسبان في تلك الحقبة.

يكمن جمال هذا الحي من الناحية الهندسية المعمارية في مزجه عناصر إسبانية ومغربية وأندلسية. ويتميز هذا الحي بجمال واجهات عماراته، كما تم الاعتماد على الشرفات لجعله حيا جميلا رائعا.

كما تتميز الشرفات بتنوع مواد بنائها وكذلك بتنوع زخارفها وتعددها واختلافها عن بعضها مع اندماجها في السياق العمراني والمعماري العام انسجاما كبيرا. ينفرد هذا الحي بجمال واجهات عماراته وهي من مميزاته الرئيسية. يتعلق الأمر ببناء مدينة إسبانية على أرض مغربية بناها الإسبان لأنفسهم.

أما وظيفة حي الإنسانشي فإنه يتوفر على كل ما تتكون منه مدينة نموذجية. نجد في هذا الحي عمارات سكنية كبيرة وجميلة وشوارع تجارية كبيرة وساحات جميلة وأسواق متعددة وبنوك وقاعات للسينما ومسارح ومدارس ومستشفيات وثكنات عسكرية ومقاهي وحلويات وحانات ومطاعم وفنادق وكنائس وبعض المساجد ومكتبات ومتاحف ومحطات للحافلات. باختصار كان هذا الحي يتوفر على جميع التجهيزات والمرافق الضرورية لتلبية أهم حاجيات المجتمع في تلك الحقبة.

بماذا نفسر غياب الشرفات في العمارة المغربية داخل المدينة العتيقة؟ وهل هناك فضاءات داخل المنزل المغربي تؤدي نفس دور الشرفة؟ وما هي؟

امحمد بنعبود: إن غياب الشرفات في العمارة المغربية الإسلامية داخل المدينة العتيقة يعود سببه إلى كون مدينة تطوان العتيقة هي مدينة تخضع للنمط المغربي الإسلامي للبناء وهو نمط يختلف جذريا عن نمط حي الإنسانشي المعماري الإسباني.

تختلف منازل المدينة العتيقة عن بنايات حي الإنسانشي بكون منازل المدينة العتيقة يوجد جمالها داخل المنازل بناء على الفكرة الإسلامية التي اعتبرت الجمال باطنيا، ومن هنا بساطة واجهات المنازل داخل المدينة العتيقة. والعكس صحيح في حي الإنسانشي لأن الواجهات كلها زخرفة بينما تطغى البساطة على الداخل لأن التركيز كله على الجانب الوظيفي.

نعم، يمكن مقارنة الشرفات بالشبابيك الحديدية المحيطة بالممرات في الطابق الأول المطلة على وسط الدار. تختلف هذه الممرات عن الشرفات لكونها توجد داخل المنازل خلافا للشرفات المطلة على الشوارع في حي الإنسانشي. إن هذه الممرات مطلة على فناء المنزل التقليدي في المدينة العتيقة بدل إطلالها على الشارع. هذا الفناء مزخرف بالزليج التطواني وبعناصر أخرى تعطي الفناء جماله كالأقواس والصهاريج.

لا يخفى على أحد، وأنتم أحد المتخصصين الكبار في التاريخ الأندلسي، تأثر العمارة الأندلسية بالمعمار في حواضر المشرق العربي (خلال فترة الخلافة الأموية وفيما بعد). في دمشق وبغداد وحلب وغيرها نجد الشرفات وتسمى المشربية أو الشناشيل. هل انتقلت هذه العناصر من بين عناصر أخرى إلى العمارة المغربية في تطوان والمدن العتيقة الأخرى؟ وهل يمكن اعتبار المشربيات بمثابة صورة أولية  Prototypللبلكونة كما هو متعارف عليها اليوم في الغرب؟ 

 امحمد بنعبود: نعم، إن علاقة التأثير والتأثر بين الأندلس والمشرق العربي واردة على مستويات متعددة منها البناء والهندسة المعمارية وكذلك الفنون التقليدية.

إن تأثير الأمويين في الأندلس واضح كما أن التأثير الأندلسي في المغرب واضح بما في ذلك الجانب المعماري والعمراني. سميت مدينة تطوان العتيقة مثلا ببنت غرناطة.

إلا أن الشرفات لم تنتشر على نطاق واسع في الأندلس. وفي المغرب ضل وجودها على نطاق محدود. ربما يعود ذلك إلى الاختلاف في أحوال الطقس بين الأندلس والمشرق.

ثم إن نمط البناء المتوسطي يتميز بوسط الدار(الفناء) مطوق بالغرف كما يعتمد على دور الحلقة (فسحة كبيرة في وسط سقف المنزل) كمصدر رئيسي للإنارة والتهوية مع قلة النوافذ المطلة على الأزقة والساحات. 

إن هذا النمط منتشر في منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط، مع وجود الشرفات في عدد من أقاليم الدولة العثمانية في المشرق وكذلك في تونس والجزائر.

نجد الشرفات في بعض منازل حي الملاح بالمدينة العتيقة، خصوصا في المنازل التي تم بناؤها في حي الملاح طبقا للنمط الإسباني. في الملاح نجد منازل مغربية أندلسية ومنازل أخرى طبقا للنمط الإسباني لأنه بني منذ بداية القرن التاسع عشر إلى منتصف القرن العشرين.

إن بعض العائلات اليهودية بنت منازل حسب النمط الإسباني وزينت واجهاتها بالشرفات أو بالزليج الإسباني العصري. وانتشر نمط البناء الإسباني في بعض المدن بشمال المغرب كطنجة والعرائش مثلا.

إن المشربيات فعلا نموذج للبلكونة وكذلك انتشر في حي الإنسانشي.

داخل فضاء المدينة العتيقة في تطوان وبالضبط في الملاح ، وكذلك في المدينة القديمة لطنجة(باب تياترو وزنقة تطوان مثلا)  نعثر على نمط معماري مغاير بعض الشيء. بم يتميز هذا النمط؟ متى ظهر؟  

 امحمد بنعبود: هذا صحيح. يعود انتشار النمط الإسباني للبناء في مدينة طنجة العتيقة وفي حي الملاح بتطوان إلى اختلاف السكان واختلاط عدد منهم بالإسبان خصوصا خلال عهد الحماية.

عاش المغاربة المسلمون واليهود في طنجة بجانب المسيحيين الأوربيين في مدينة طنجة العتيقة. خلافا لمدينة تطوان العتيقة التي كان سكانها من المغاربة المسلمين، عاش اليهود في حي الملاح بالمدينة العتيقة.

اختلفت البنية الاجتماعية في مدينة طنجة جذريا عن بنية المجتمع التطواني في المدينة العتيقة. وانعكس ذلك في العمران وفي الهندسة المعمارية وفي الفنون التقليدية في المدينتين. إن الطابع الدولي يطغى في طنجة لكونها خضعت للنظام الدولي في عهد الحماية.

من خلال أسفاركم إلى بلدان عربية وإسلامية أو حتى متوسطية. هل وقفتم على خصائص معمارية مشتركة يتميز بها المنزل المغربي العتيق؟

امحمد بنعبود: إن الحضارات والثقافات التي انتشرت في منطقة حول البحر الأبيض المتوسط ازدهرت في المغرب وفي المشرق، فكان لهذه التيارات تأثير في المجتمع وكذلك في العمران والمعمار.

كان التأثير الأندلسي مثلا قويا في منطقة المغرب العربي وكذلك في المشرق العربي. بل لاحظت تأثير العمران الأندلسي ومعماره في بعض دول أمريكا الجنوبية كالمكسيك والبيرو. ألقيت محاضرات حول التاريخ الأندلسي والثقافة الأندلسية في جامعتين في البيرو، فكانت المدرجات مملوءة دوما لكثرة الاهتمام بالأندلس. اكتشفت ذلك خلال إقامتي في بعض دول أمريكا الجنوبية عندما زرت جامعاتها. بطبيعة الحال انتقل التأثير الأندلسي إلى بعض دول أمريكا الجنوبية عن طريقة الثقافة الإسبانية. نرى ذلك في تأثير العربية في اللغة الإسبانية وفي البناء الإسباني الكولونيالي وهو نفس النمط المنتشر في منطقة حول البحر الأبيض المتوسط.

لقد زرت مدينة كوسكو بالبيرو التي توجد في جبال تجاوز علوها 3000 متر، لن أنسى الباب الخشبي لكنيسة تلك المدينة فهو باب أندلسي، وتوحي شرفات البنايات التاريخية في الحي التاريخي للعاصمة ليما بالنمط الأندلسي أو المتوسطي الشائع في عدد من المدن الإسبانية كإشبيلية.

لقد نظمت زيارات لمدينة تطوان العتيقة لمجموعة من المهندسين المعماريين المتخصصين في البناء التقليدي من إسبانيا وبعض دول أمريكا الجنوبية، قام بعضهم بمقارنة مواد البناء وتقنيات البناء التقليدي في عدد من هذه الدول بما وجدوه في المنازل التي قمنا بترميمها طبقا للتقنيات التقليدية، فهي مماثلة تماما. أذكر من ذلك طرق توظيف الجير للبناء وبناء المطفيات وخزانات ماء المطر تحت الأرض أو طريقة بناء الأقواس داخل المنازل وكذلك توظيف الزليج التطواني الأصيل وهو من أصل أندلسي وجدنا مثله في قصر الحمراء بغرناطة. موضوع المقارنة غني جدا ومازال يحتاج إلى المزيد من البحث.

كيف نعيد الاعتبار للمدن العتيقة وللعمارة الإسلامية؟

امحمد بنعبود:  هذا سؤال جوهري. لأن التراث الثقافي والمعماري للمدن العتيقة ليس من بين الأولويات لا في المغرب ولا في المغرب العربي ولا في الدول الإفريقية.

نحتاج إلى شروط كثيرة ، المشكل ليس مشكلا ماليا بالأساس، إننا نحتاج إلى الوعي بقيمة تراثنا الثقافي والمعماري وإلى قوانين خاصة لحماية هذا التراث وإلى إصلاح إداري لجعل الإدارة قادرة على تدبير المدن العتيقة وترميمها ترميما احترافيا وإلى استعداد الإدارات المعنية للتعاون مع المجتمع المدني وإلى المزيد من الدراسات وإنشاء المؤسسات المناسبة للتدخل المحترف في مجال ترميم المآثر التاريخية كما نحتاج إلى التخطيط على المدى البعيد لترميم المآثر التاريخية وتوظيفها لإنعاش السياحة الداخلية والخارجية وخلق مناصب الشغل لإدماج الشباب والعاطلين في المدن العتيقة. إن الإداريين يؤيدون الحفاظ على تراث المدن العتيقة على مستوى الخطاب ولكن هذا الخطاب لا يترجم إلى أفعال في حالات كثيرة.

المشكل باختصار هو أننا في المغرب نتعامل مع مدننا العتيقة تعاملنا مع المدن الفرنسية اعتمادا على قوانين المدن الفرنسية، كأن تراثنا تراث غريب علينا.

هناك بعض المدن التي أحسنت تدبير تراثها في دول أجنبية. أذكر على سبيل المثال مدينة أنتقرة Antequera بإسبانيا. حيث تم تأسيس المركز التاريخي للتراث التابع لبلدية هذه المدينة، يعمل فيه فريق بانتظام منذ أكثر من ثلاثين سنة. لقد تم إحصاء جميع المآثر التاريخية وترميمها اعتمادا على تمويل محلي للبلدية أو تمويل إقليمي أو تمويل وطني أو تمويل الاتحاد الأوربي. وهكذا نجحوا في ترميم جميع المآثر التاريخية بما فيها مآثر يعود تاريخها إلى العصور القديمة منها مآثر تاريخية رومانية، علاوة على المآثر التاريخية الأندلسية كالقصبة. كما تم ترميم جميع الكنائس علاوة على إنشاء متاحف وكذلك تسويق هذا التراث من أجل إنعاش الحركة السياحية في المدينة.

هناك مشاكل تتخبط فيها مشاريع إعادة التأهيل على المستوى المحلي، وهناك عدد من المشاريع التي تتعثر في جميع المدن التاريخية المغربية لأن نموذج التدبير الإداري ونموذج التدخل والإنجاز يحتاج إلى مراجعة. وهناك مشاكل مطروحة في جميع المدن التاريخية يجب معالجتها بطرق غير تلك المعتمدة الآن، أذكر منها تنظيم التجارة وتنظيم السير في المدن التاريخية وترميم المنازل الآيلة للسقوط ذات العواقب الاجتماعية الخطيرة واحترام المقاييس العلمية عند ترميم المآثر التاريخية حفاظا على قيمتها التراثية، وهناك قضية دعم البنيات التحتية الهشة بهذه المدن علاوة على مواجهة بعض الأمراض الاجتماعية، كانتشار توزيع وبيع واستهلاك المخدرات وما يترتب عنه من أمراض. إن مشكل ضمان الأمن مطروح في عدد من المدن التاريخية مما يؤدي إلى تعويض الأبواب الخشبية التاريخية بأبواب حديدية علاوة على ضمان النظافة بهذه المدن.

لو طلب مني أن أقترح قرارات لإصلاح الإدارات المكلفة بتدبير المدن التاريخية لاقترحت ما يلي:

أولا، يجب تبسيط المساطر الإدارية المعقدة بالنسبة للأشخاص الذين يرغبون في ترميم المنازل القديمة التي تحول عدد كبير منها إلى خرب وتمت هجرة عدد كبير آخر منها.

ثانيا، يجب تشجيع المستثمرين في المدينة العتيقة كما يجب على المسؤولين التعرف على مشاكلهم ومساعدتهم بدل تجنبهم.

ثالثا، لا يرحب المسؤولون بمبادرة بعض الجمعيات لإنجاز مشاريع الترميم وإنجاز المشاريع السياحية والاقتصادية بتمويل مؤسسات دولية خصوصا الإسبانية منها بالنسبة لمدينة تطوان العتيقة. تتجلى الفائدة في الترحيب بمساهمة المشاريع الممولة من الخارج ليس من الناحية المالية فقط بل من الناحية التقنية أيضا.

رابعا، على المؤسسات الرسمية التي تتدخل في المدن العتيقة أن تتجنب التبذير. حيث يتم أحيانا اختيار الحلول المكلفة بدل الحلول الاقتصادية، وأحيانا يتم الاقتصاد عند اختيار مواد رخيصة ولكنها لا تلائم المشروع، كاختيار الخشب الرخيص في الترميم رغم عدم تحمله سقف الصباطات وما تحمله من أثقال.

هناك حالة ترميم وزارة الأوقاف لمنزل تاريخي بتكلفة 2.2 مليون درهم ثم إقفاله. وتم ترميم خمسة أبراج من أبراج المدينة التاريخية على أحسن ما يرام ثم إقفالها جميعا لتتعرض للتخريب من جديد. وتم بناء سبعة أسواق داخل مدينة تطوان العتيقة وخارجها ثم إقفال بعضها منذ سنوات أو عقود في بعض الحالات وهدم البعض الآخر منها أرضا دكا. هناك على الأقل 25 منزل تاريخي في ملك الدولة مقفول ومهجور يتعرض للتخريب بينما كان بإلامكان ترميم هذه المنازل الجميلة وتوظيفها.

إذا تعرضت لبعض الجوانب السلبية لوضعية التراث الثقافي والمعماري في المدينة العتيقة فذلك لتحديد المشاكل ومعالجتها. إن ما يجب اتخاذه من قرارات هدفه إصلاح الأوضاع ولكن هذا لا ينفي قيمة المشاريع التي تم إنجازها والمشاريع التي توجد في طور الإنجاز الآن.

لقد تم التدخل من أجل دعم البنية التحتية لمدينة تطوان العتيقة في إطار المشروع الملكي لسنة 2011-2014، ثم المشروع الملكي الجارية أعماله الآن. حيث تم ترميم البنية التحتية لحوالي 90 % من أزقة المدينة العتيقة وساحاتها. وتم الحفاظ على عدد من المتاحف الجميلة التي يعود تأسيسها إلى عهد الحماية الإسبانية 1912-1956 وتم إنشاء متاحف جديدة كمتحف لوقش للتراث الديني، ومتحف الحركة الوطنية، ومتحف دار العدي، كما أدرج مشروع إنشاء ترميم مطامر تطوان ودار ابن مرزوق، ضمن المشروع الملكي الجديد.

تم نشر عدد هام من الدراسات الجامعية حول مدينة تطوان العتيقة علاوة على خرائط للمدينة العتيقة وأقراص مدمجة ومواقع إلكترونية، للتعريف بتراثها الثقافي والفني والمعماري عالميا. ومن المشاريع الجارية حاليا ضمن المشروع الملكي أذكر ترميم المقبرة الإسلامية وترميم سقايات المدينة والصباطات وأقواس المدينة التي تعد بالمآت علاوة على ترميم بعض المآثر التاريخية الفريدة كالمطامر ودار ابن مرزوق ودار البمبا Bomba) (والقصبة الإسبانية في جبل درسة، وكذلك مشروع العرائش الخشبية في جل الأزقة التجارية بالمدينة العتيقة. من المفروض أن يتم إنجاز جميع مشاريع الترميم المدرجة ضمن المشروع الملكي الحالي من الان إلى نهاية 2023. إن المشروع الملكي الحالي مشروع متميز شاركت في إنجازه جميع المؤسسات الرسمية المعنية بالحفاظ على التراث الثقافي والفني والمعماري لمدينة تطوان العتيقة علاوة على إشراك المجتمع المدني في هذا المشروع كجمعية تطاوين أسمير التي تعنى بالحفاظ على التراث التطواني وكذلك  بعض جمعيات  أحياء الميدنة العتيقة .

ألاحظ أن هذا الاهتمام بالحفاظ على التراث لا يخص تطوان فقط، بل إن هذا الوعي ينتشر في عدد من المدن المغربية. مثلا لقد شاركت جمعية تطاون أسمير في تأسيس تنسيقية تضم ثمان جمعيات كبرى للحفاظ على تراث المدن العتيقة، تضم هذه التنسيقية جمعيات من تطوان وطنجة والرباط وسلا ومراكش وفاس والجديدة وأسفي. نظمت مجموعة من اللقاءات بهدف نشر الوعي بأهمية التراث في المدن التاريخية.

خلاصة القول إن ما تم تحقيقه في العقدين الأخيرين في مجال الترميم في المدن العتيقة المغربية مهم جدا. إلا أن ما يجب تحقيقه مستقبلا يطرح تساؤلات كثيرة ويضم تحديات صعبة من الممكن التغلب عليها بتظافر الجهود. أكيد أن دور المجتمع المدني والقطاع الخاص أساسي لضمان نجاح المجهودات الجبارة.

 

أجرى الحوار: عبداللطيف بوستة

حقوق النشر: قنطرة 2021