"الدين ليس الحل كما أنه ليس المشكلة"

صدر في كانون الأول/ديسمبر 2006 تقرير التنمية الإنسانية العربية تمحور حول وضع المرأة في العالم العربي، وهو التقرير الرابع والأخير ضمن هذه السلسلة. بقلم سونيا حجازي

غلاف التقرير الرابع للتنمية الإنسانية العربية
غلاف التقرير الرابع للتنمية الإنسانية العربية: نحو نهوض المرأة في الوطن العربي

​​

يدفع عنوان التقرير "نحو نهوض المرأة في الوطن العربي" بكثيرٍ من الأسئلة ويحمل في طياته رسالتين مهمتين: الأولى أنّ الأمر لا يتعلق بـ"المرأة العربية"، بل بالمرأة في العالم العربي، وهذا يعني على سبيل المثال المرأة الكردية، والبربرية، ولكن أيضًا المرأة الأجنبية التي تعيش وتعمل في هذه المنطقة.

كما يشير التقرير إلى وضع "خادمات" المنازل الآسيويات اللاتي يعملن في دول الخليج، والمجردات من الحقوق. أما الرسالة الثانية فتشير كما يدل العنوان الفرعي "نحو نهوض المرأة في العالم العربي" إلى عملية مستمرة. وقد كان مهمًا لمُعدّي التقرير أنْ يبينوا أنّ هذه الصيرورة كانت قد بدأت في أوائل القرن العشرين.

كما يقدم التقرير صورةً تأريخيةً مجملةً عن تاريخ الحركة النسائية في العالم العربي. وكذلك أمثلة عن نساءٍ طليعيات عملن في مجالات الفن، والثقافة، والسياسة. وهذا الجزء من التقرير مهمٌ لا سيما للقراء والقارئات في الغرب.

تقارير الأمم المتحدة

تُصدر التقارير عن العالم العربي منذ العام 2002 عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي UNDP، بتمويل من الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي AFESD وبالاشتراك مع برنامج الخليج العربي لدعم منظمات الأمم المتحدة الإنمائية AGFUND.

وتعالج التقارير النواقص الأساسية في العالم العربي: قصور إمكانيات التعلُّم واكتساب المعرفة، ونقص الكفاءات المستقبلية، وحقوق المواطنة المحدودة، وضعف المشاركة النسائية. كما يتكلم نادر فرجاني وفريق العمل الذي شاركه في إعداد التقرير عن نهضةٍ عربيةٍ يريدون الدفع بها إلى الأمام، ويرون في نهوض المرأة المجتمعي أحد شروطها الأساسية.

هذا وقد تم الإعلان عن التقرير في السابع من كانون الأول/ديسمبر وعلى الرأي العام العربي في صنعاء. كما تم عرض التقرير لاحقًا في برلين من قبل الكاتبة الكردية العراقية هيفاء زنغنة والباحث الاجتماعي المصري نادر فرجاني.

وكانت هيفاء زنغنة عضوًا في لجنة تقرير التنمية الإنسانية العربية AHDR، ولها عدة روايات وسيرة ذاتية عن التعذيب في زمن حكم صدام حسين. وقالت زنغنة في برلين أنّ مسألة الجنسانية (الجندر) مهمة، ولكنها لا تملك الأولوية في الوقت الحالي: "أنا متأسفة، ولكننا لا نملك أنْ نفكر بذلك، لأننا مثقلون بهمومٍ أخرى. فنحن منشغلون بتوفير احتياجاتنا الأساسية: حق الحياة، وحق التنقل بحرية لكي لا تلد المرأة عند الحاجز الإسرائيلي، وحق المرأة العراقية بالوصول إلى المشفى الذي لا يسعها أنْ تصله. هذا ما يشغلنا في حياتنا اليومية".

انتشار واسع للأمية

يستند التقرير على نتائج مسح ميداني لأربع دول عربية هي المغرب ومصر ولبنان والأردن حيث تم استفتاء ألف شخص في كلٍ منها. ويشير التقرير إلى المخاطر الصحية الكبيرة التي تتعرض لها النساء بشكل خاص وإلى ارتفاع نسبة وفيات الأمهات من جراء الحمل والإنجاب.

وتصل نسبة الأمية بين النساء في العالم العربي إلى 50%. بيد أنّ المسح -الذي يشمل منطقةً تصل مساحتها المنطقة الواقعة بين البرتغال وبولندا- لا يمكنه أن يبين بالطبع أي الدول تحقق تقدمًا، وأيها قد حققت استثمارات كبيرة في برامج تعليم النساء، وأيها ما زالت بشكل أو بآخر تراوح مكانها.

إلا أنّ التقرير يعرض التمييز البنيوي الأساس الذي تتعرض له المرأة: هناك تمييز ضد المرأة في مجال العمل، وغالبًا ما تفتقد النساء للضمان الاجتماعي، والمرأة تعمل بالعادة في القطاع غير الرسمي والذي يصعب إجراء الإحصاءات فيه. الأمر الذي يستدعي مناهج إحصائية جديدة عند إعداد التقارير. مناهجٌ غدت ضرورية منذ زمنٍ طويل.

دخْلُ النساء أقل من دخْلِ الرجال. وهنا لا يختلفن كثيرًا عن النساء الأخريات في كافة أنحاء المعمورة. أما العنف الذي تتعرض له المرأة فيغلف بوشاحٍ من الصمت. ويبين التقرير التمييز القانوني بإسهاب. ويلاحظ ذلك في سياق تسييس الدين.

تطور التيارات الإسلامية

بالرغم من ذلك، يشهد واضعو التقرير للحركات الإسلامية بتعدد المواقف الداخلية. ونقرأ في التقرير أنّ التيارات الأساسية خاضت خلال العقود الخمسة الأخيرة عملية تطورٍ مهمةٍ فيما يخص مواقفها من بعض القضايا المجتمعية، نذكر منها على سبيل المثال، احترام حقوق الإنسان، وكذلك الحكم الرشيد والديمقراطية. كما تعيش معظم التيارات الرئيسية حالةً من تحديثٍ في عمر قياداتها بشكل ملحوظ، بحسب ما جاء في التقرير. كما تتزايد مطالبة قاعدة هذه التيارات بممارسة الديمقراطية الداخلية.

وتشير هيفاء زنغنة إلى أنّ القيادات النسوية في الحركة الإسلامية قد رحبت بالتقرير كما فعلت ناديا ياسين مثلاً. كما أشار نادر فرجاني تكرارًا إلى أنه يتعين أنْ يُترَك للمرأة حق الاختيار حين يتعلق الأمر بالحجاب. وهذا الأمر ينطبق بالتأكيد على أوروبا أيضًا.

لا يعمل التقرير على طريقة المعلم الذي يرفع إصبعه، ولكن فيه ما يكفي من المواقع التي يمكن للرأي العام الألماني والأوروبي أن يتعلم منها.

وقال نادر الفرجاني بحضور كارين هوفمان سكرتير الدولة في البرلمان الألماني عن الوزارة الاتحادية للتعاون الاقتصادي والتنمية BMZ: "يتعين إعادة التفكير باستراتيجيات الدعم الغربي. ينبغي إنهاء إغداق المال على المعضلات والانطلاق من أنّ ذلك سيحل هذه المعضلات. التأثير الأكبر ليس في كمية الأموال التي ترسلونها، بل في موقفكم من الحقوق العربية المشروعة".

كما أنّ طريقة تقييم التقرير لتأثير فترة الاستعمار على المرأة كان لافتًا، حيث جاء فيه: "وبسبب التحول الاجتماعي في فترة الاستعمار عاشت الحركة النسوية العربية مجموعةً من التحولات". هنا يظهر عدم التعاطي الأيديولوجي لمُعدي التقرير مع الموضوع. ويبقى الأمل في أنْ يتعاطى القارئ معها أيضًا بهذا الأسلوب.

سونيا حجازي
ترجمة يوسف حجازي
حقوق الطبع قنطرة 2006

سونيا حجازي، من مركز الشرق الحديث، برلين

قنطرة

نقد من الداخل والمطالبة بإصلاحات
صدر التقرير الثالث للتنمية الإنسانية العربية بعد تأخر عدة أشهر، بسبب ما يتضمنه من نقد حاد للسياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط. ويرسم مؤلفو التقرير ثلاثة سيناريوهات للتطور الديموقراطي في المنطقة العربية. تعليق سونيا حجازي

الطريق إلى مجتمع المعرفة العربي
ما زال الجدال الذي أثاره تقرير التنمية الإنسانية العربية 2003 متواصلا. فالكل يدرك أن بلدان الشرق الأدنى والأوسط في حاجة إلى إصلاحات إذا كانت لا تريد أن تفوّت فرصة الالتحاق بركب العولمة ولكن ما الطريق إلى ذلك؟ هانس دمبوفسكي تحدث مع مثقفين عرب

www

تقرير التنمية الإنسانية العربـية 2005