منظمة أنا يقظ: اخترنا الصدام مع الفاسدين في تونس

"أنا يقظ" منظمة تسعى لمكافحة الفساد وإرساء الشفافية، فتحديات انتقال تونس الديمقراطي جسيمة وتتطلب صبرا كي يُمنَى الفساد بالهزيمة، كما يقول رئيسها أشرف العوادي لإسماعيل دبارة في حوار لموقع قنطرة.

By إسماعيل دبارة

تحيي تونس في يناير من كل عام ذكرى ثورتها. في تقييمك لـ 8 سنوات من رحيل بن علي، ما الذي تراه مختلفا هذا العام؟

أشرف العوادي: منذ ثلاث سنوات تقريباً، أصبح للاحتفال بالثورة طعم رتيب ومتشابه. المنتسبون للأحزاب يحتفلون بثورةٍ فرّطوا فيها أو لا تعنيهم. عائلات الشهداء صارت على الهامش وأهداف الثورة كذلك. في السنوات الأولى تحولت الاحتفالات إلى استعراض قوة بين الأحزاب حتى السلفية منها. ولكن نحن في منظمة "أنا يقظ" نحتفل بالثورة على طريقتنا. نحن نحتفل بالثورة مع كل دعوى قضائية نرفعها، نحتفل بحرية التعبير التي نمارسها، وبمساءلة الحاكمين.

للأسف الثورة أصبحت غريبةً حتى بين أصحابها، فقد تخلّوا عنها. وفي هذه السنة 2019 حاولنا أن نعيد الثورة للواجهة أمام تنامي بروباغندا أزلام النظام السابق الذين يتّهمون الثورة بتعكير الوضع في تونس.

لقد أحيينا " يوم الشهيد" في مدينة دقاش ودعونا أهالي الشهداء لافتتاح مؤتمر النزاهة، ودعونا المدونين المعارضين لبن علي ليتحدّثوا كي يعرفهم جيل ما بعد الثورة، كي تبقى الثورة عالقةً في الأذهان جيلاً بعد جيل. المسار الثوري بطيء ولكنه يتقدم.

المعروف عن يناير أنه شهر الاحتجاجات والمواجهات، بماذا تفسّر "الهدوء النسبي" في الشارع هذا العام؟

أشرف العوادي: فعلاً إنه أمر غريب. لا أتصور أنني أمتلك تفسيراً، ربما هي حالة الإحباط التي نلمسها، وربما لأن الجميع أدرك عجز منظومة الحكم على الإصلاح، ربما لأن 2019 سنة انتخابات والكل يترقب، وربما لأنّ الافتقار إلى قيادات تؤطر الحراك الاجتماعي جعل الاحتجاجات تفقد بريقها. هي استقالة جماعية من الشأن العام. ولكن اعتقادي أن إضراب الأساتذة والإضراب العام للمركزية النقابية، حجبا كل التحركات الأخرى.

 

{"المسار الثوري في تونس بطيء ولكنه يتقدم" - أشرف العوادي.}

 

تقاضون حاليا رئيس الحكومة بسبب قضية رجل الأعمال مروان المبروك، كما تقاضون رئيس الجمهورية بسبب عفوه عن ناشط سياسي مقرّب منه. هل هي قضايا "استعراضية" وإفراط في اللجوء لحق التقاضي كما يقول منتقدوكم؟

أشرف العوادي: للأسف يستعمل المجتمع المدني في تونس مسار التقاضي من أجل الرمزية أو الضغط وهو ما أعتبره أمراً خاطئاً. ربما ما لا يعرفه كثيرون أننا لم نخسر بتاتاً أي قضية رفعناها في تونس أو حتى في الخارج.

لقد واجهنا عديد الخصوم قضائياً مثل شركة SWATCH السويسرية، البرلمان التونسي، رئاسة الحكومة، رجال أعمال نافذين مثل لزهر سطا ونبيل القروي وأنصفنا القضاء في جميع القضايا.

نحن نجازف ومتصالحون مع فكرة المخاطرة القضائية، لذا أتصور أن فريقنا القانوني الشاب قد ساهم في خلق فقه قضاء في السنوات الماضية أكثر من أي جهة أخرى.

الآن أصبح تقاضينا أكثر إستراتيجية وأصبحنا نواجه الكبار. وأتوقع إن سارت الأمور بشكل عادي سنفوز بالقضايا ضدّ رئاسة الحكومة ورئاسة الجمهورية، ففي هذه المرة انضمت إلينا مجموعة من قامات القانون في تونس.

في البداية اعتقد البعض أن رفع القضايا كان من باب "الرمزية" ولكن كل من يطّلع على نص الشكوى ضد رئيس الجمهورية مثلاً سيدرك مدى جدية الأمر. [انقر هنا للاطلاع على هذه الشكوى]

الدعوى ضدّ رئيس الجمهورية أسهل بكثير لأن الوقائع جلية. كل خوفي من أن يتملص القضاء من المسؤولية ويماطل في البت بالحكم. ولكن حتى إن فعل فسنقاضي القضاء لأن "قانون حماية المبلّغين" يعتبر رفض البت نوعاً من أنواع الفساد.

سبق أن انتقدتم كثيرا الفساد في القضاء التونسي. ما الذي يجعلكم تثقون في هذا الجهاز لينصفكم؟ هل تسير عملية إصلاحه كما تبتغون؟

أشرف العوادي: القضاء التونسي هو الحلقة الأضعف في مسار محاربة الفساد. هناك نقص خبرة في مثل هذا النوع من القضايا من قبل القضاة، ولكن مع ذلك هناك سوء نية. لحد هذه اللحظة لم يتم البت فيما اسميها "أمهات القضايا". منذ 2011 لم يحسم القضاء فيها، بل فتح الباب لانتكاسات مثل تمرير "قانون المصالحة" مع الموظفين الفاسدين. الجميع هنا يحاول محاربة الفساد إلا القضاء!

 

{"مقارنة تونس مع ليبيا ومصر واليمن، جعلت الجميع يهنئ تونس على "أنصاف الإنجازات" متناسين أن الإفلات من العقاب يسود البلاد، الفساد ينخرها، العنف البوليسي مازال يحصد الأرواح بحصانة كاملة." - أشرف العوادي.}

 

لهذا الجهاز كل مقومات الاستقلالية ولكنه لا يريد الاستقلالية! بعض القضاة يريدون مغازلة السلطة التنفيذية علّهم يظفرون بمنصب وزاري أو دبلوماسي أو حتى الظفر برحلة حج مدفوعة، كما حصل سابقا! 

ألا ترى أنّ الإشادات الدولية بتجربة الانتقال الديمقراطي في تونس مبالغ فيها خاصة مع تفشي ثقافة "الإفلات من العقاب" وتسيّد لوبيات المال والأعمال والإعلام وتأثيرها الفاضح في سلوكيات السياسيين؟

أشرف العوادي: يتعامل المجتمع الدولي بكثير من الرومنسية مع التجربة التونسية مما صعّب المسائل بنسبة للمجتمع المدني في بلادنا. يريد المجتمع الدولي الترويج لصورة تونس الدولة الناجحة في الانتقال الديمقراطي. لذا عندما تريد الحديث عن المشاكل يقاطعك الجميع ويريدون الاستماع إلى النجاحات فقط.

إنّ المقارنات مع ليبيا ومصر واليمن، جعلت الجميع يهنئ تونس على "أنصاف الإنجازات" متناسين أن الإفلات من العقاب يسود البلاد، الفساد ينخرها، العنف البوليسي مازال يحصد الأرواح بحصانة كاملة.

ولأن البقية فشلوا يصبح نصف الفشل إنجازاً للمجتمع الدولي! أتذكر عندما أسسنا "أنا يقظ" كان الجميع يسخر منا لأن الفساد حينها لم يكن موضوع الساعة. فتجدهم كمجتمع دولي ودول مانحة يخيّروننا بين دعم الانتخابات وصياغة الدستور والحملات التوعوية... اليوم ها هم يقفون على خطورة الوضع.

كسبتم قضايا كثيرة عندما قمتم بالاستفادة من قوانين تحررية جديدة من قبيل "حق النفاذ إلى المعلومة" و"حماية المعطيات الشخصية" و"الإبلاغ عن الفاسدين" وغير ذلك. هل تعتقد أنّ التونسي واعٍ بحقوقه التي جاء بها دستور 2014، وأنه يساهم من جهته في الخروج بها من النصّ النظري إلى الممارسة العملية اليومية؟

أشرف العوادي: لا أرى أن المشكل يكمن في وعي التونسي بقدر ما هو نقص وعي بين النخبة. عندما كنا نضغط لتمرير "قانون النفاذ للمعلومة" لم يكن هناك غير منظمة "البوصلة"، نقابة الصحافيين و"أنا يقظ" تسعى لذلك.

اليوم وبعد تمرير القانون كيف لك أن تفسر أن 3 صحافيين فقط تقدموا بمطالب نفاذ للمعلومة؟ هل يعقل هذا؟ 

أشرف العوادي: الشعوب تتبع نخبها، إلا في تونس الشعب اجتاز نخبه بمراحل. مازال المسار طويلاً، فالوعي يتطور تدريجياً ولكن بشكل غير كاف. نجحنا في تمرير ترسانة مهمة من القوانين مثل قانون "تضارب المصالح" و"التصريح بالمكاسب" و"الإثراء غير المشروع"، والآن حان الوقت للتعريف بالقوانين وحقوق المواطنين.

منظمة "أنا يقظ" حظيت بسمعة طيبة في زمن وجيز رغم وجود مئات من منظمات المجتمع المدني الفاعلة في تونس، وبعضها أعرق من منظمتكم. هل للأمر علاقة بشركائكم الدوليين مثلا؟ أم لأنّ قضايا الشفافية ومكافحة الفساد هي أولوية التونسيين اليوم؟ أم لك تفسير آخر؟

أشرف العوادي: نحن نعمل منذ 8 سنوات، وهذا ليس بالوقت القصير. لا أعتقد أنّ ما وصلت إليه المنظمة اليوم يمكن أن ينسبهُ أي شخص لنفسه باستثناء الشباب الحالم الذي أسسها... المتطوعين الذين ضحّوا من أجلها لتصبح اليوم على ما هي عليه.

في السنوات الأولى، كان المُموّلون يرفضون دعمنا لأننا "أطفال"، بحسب رأيهم. حتى شراكتنا مع منظمة "الشفافية الدولية" لم تستقم إلاّ عندما أصبحنا أكثر شهرةً ومصداقية، ولكن قبل ذلك كانوا يودّون التعامل مع منظمات "أكثر نضجًا".

 

{"أنا يقظ" - منظمة عُمْرها من عمر الثورة التونسية بزغ نجمها في الأراضي التونسية، تناضل  -كما يقول رئيسها- من أجل مكافحة الفساد وإرساء الشفافية، فالتحديات أمام الانتقال الديمقراطي جسيمة وتتطلب صبرا وتصميما من أجل أن يُمنَى الفساد بالهزيمة}.

 

واليوم الجميع يود المراهنة على الجواد الرابح ويعتبروننا كذلك. ربما ما سرّع في صعودنا هو تدهور مردود معظم المنظمات العريقة. فغياب الرؤية والإستراتيجيات أثّر على مردودها، والتمويل كذلك.

كثرة التمويلات حوّلت النشطاء إلى مجرد موظفين دون قضية. اليوم نحن نعمل على دعم الجمعيات خارج العاصمة. لدينا 42 شريكا نحاول دعمهم تقنياً ومادياً. عندما بدأنا لم يؤمن بنا أحد. نعلم معنى الاحتقار والتجاهل. ربما ذلك ما جعلنا نصرّ على المواصلة.

أعتقد أن الفرق هو في التصميم. كان يمكن لنا أن نتحول إلى مجموعة من الموظفين كذلك ونتفادى الصدام ونغازل السلطة مثل كثيرين.

نحن نحتكم إلى ميزانية كبيرة، تعتبر من الأكبر بين منظمات المجتمع المدني المحلي والدولي ولكن اخترنا الطريق الأصعب. أما عن الشركاء الدوليين فأنا شخصياً لا أثق فيهم كثيراً ولا أعوّل عليهم حين أخوض معاركي. فقد تخلى عنا العديد من شركائنا سابقاً عندما احتدم الصراع مع السلطة وانصاعوا لإملاءتها مثلما فعل الاتحاد الأوروبي عند رفضنا لقانون المصالحة. هل توقفنا؟ هل أثنانا ذلك عن عزمنا؟ طبعا لا، فقد قمنا حينها بفسخ العقد ورفضنا تمويلاتهم.

 

 

حاوره: إسماعيل دبارة 

حقوق النشر: موقع قنطرة 2019

ar.Qantara.de

 

 أشرف العوادي - رئيس منظمة "أنا يقظ" الرقابية غير الحكومية في تونس

إسماعيل دبارة - صحافي وعضو الهيئة المديرة لمركز تونس لحرية الصحافة

-------------------------------------

منظمة رقابية غير حكومية - تعرّف "أنا يقظ" نفسها بكونها "منظمة رقابية غير ربحية ومستقلة تهدف إلى مكافحة الفساد المالي والإداري وتدعيم الشفافية. وهي منذ 29 يناير 2017 الفرع تحت التأسيس لمنظمة الشفافية الدولية بتونس. وتضمّ ثلة من الشباب والشابات النشيطين في مختلف جهات الجمهورية ويعمل جميعهم على الحفاظ على مكتسبات الثورة.

-------------------------------------

دعوى قضائية ضد رئيس الحكومة ​​​​-​​​ تقدمت "أنا يقظ" في 7 يناير 2019 بدعوى قضائية ضد رئيس الحكومة يوسف الشاهد بتهمة الفساد لتدخّله لفائدة رجل أعمال بارز. الشاهد استغلّ صفته لرفع التجميد عن ممتلكات وأموال الثريّ مروان المبروك، بدول الاتحاد الأوروبي، وذلك رغم صدور أحكام قضائية ضد هذا الأخير في تونس وفي لوكسمبورغ. تقول الشكوى إن الشاهد استغلّ نفوذه وصلاحياته لتحقيق منفعة للغير والإضرار بالمصلحة العامّة.

-------------------------------------

دعوى قضائية ضدّ رئيس الجمهورية - تقدّمت منظّمة "أنا يقظ" بمعيّة جهات أخرى، في 11 يناير / كانون الثاني 2019، بدعوى قضائية تتعلّق بتجاوز السلطة ضدّ رئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي، وذلك على خلفية منح عفو خاص للسياسي برهان بسيّس المدان في قضية فساد. بسيّس مسؤول كبير في حزب "نداء تونس" الذي أسسه الرئيس السبسي، مُنح عفوا رئاسيا بعد أن أدين بسنتين سجنا مع النفاذ العاجل وبغرامة مالية في قضيّة فساد وتحقيق فائدة دون وجه حقّ لنفسه وخدمة لنظام بن علي.

-------------------------------------

الصحافي إسماعيل دبارة: طريق شباب منظمة أنا يقظ ليس مفروشا بالورود، فرجال أعمال نافذون تضرروا من تحقيقاتهم ضدّ الفساد قاموا بحملة للتجريح في النشطاء وهتك أعراضهم عبر منابر إعلامية مختلفة.

-------------------------------------

حملة ضدّ منظمة "أنا يقظ"- أنصف القضاء التونسي منظمة أنا يقظ أمام رجل الأعمال لزهر سطا، وهو شريك سابق لصهر بن علي، عندما طالب بحجب مقال من موقع المنظمة يتحدّث عن تجاوزات إدارية ومالية وقانونية حفت بتعاطي الدولة مع الأملاك المصادرة لهذا الرجل. كما أنصفها القضاء أمام رجال الأعمال نبيل القروي مالك قناة "نسمة" التي تشنّ حملة ضدّ "أنا يقظ" على خلفية تقصّيها لشبهات فساد القروي.