التكتيك الشيطاني في تسخير الدين لأغراض سياسية

شهدت طهران وإسلام آباد مظاهرات حاشدة، إحتجاجا على قيام ملكة بريطانيا بمنح الكاتب سلمان رشدي لقب "فارس". ولكن هل تعبر هذه المظاهرات حقا عن سخط شعبي فعلي أم أنها مدبرة من أجل التغطية على المشاكل الداخلية والخارجية لتلك البلاد؟ تعليق بيتر فيليب.

من السذاجة الاعتقاد بأن التظاهرات التي وقعت في طهران وإسلام أباد، باعتبارها تعبيرا عن الغضب الشعبي والاستياء العام قد جاءت صورة طبق الأصل للمشاعر الحقيقية التي تخالج نفوس أبناء هذين الشعبين.

الواقع هو غير ذلك والأمر لا يتعدى كونه وسيلة أحسنت سلطات البلدين في تدبيرها من أجل غاية معينة. الهدف من وراء هذا التسخير هو في بعض الحالات تحقيق أهداف سياسية لا علاقة لها بهذه المسألة أو حجب الانتباه عن المشاكل التي ترزح قيادتا البلدين تحت طائلها.

نظاما هذين البلدين الحريصين عادة كل الحرص على خياراتهما الأمنية والمتسمين أيضا بروح القمع والتنكيل هما اللذان يسمحا في هذه الحالات بتنظيم مثل هذه المظاهرات، سواء كانت موجهة ضد رسوم الكاريكاتور المتطاولة على النبي محمد في الدانمارك أو احتجاجا على التجديف المزعوم بالقرآن في مكان ما من العالم أو في هذه الحالة الراهنة احتجاجا على تكريم ملكة بريطانيا للكاتب البريطاني سلمان رشدي.

كم يبلغ عدد الأشخاص في صفوف المتظاهرين اليوم أمام السفارة البريطانية في كل من طهران وإسلام أباد الذين سبق لهم أن سمعوا بمجرد اسم سلمان رشدي قبل 14 يوما من إجراء المظاهرات؟ أو لنتساءل حتى عمن قام منهم قبل ذلك بقراءة كتاب سلمان رشدي "الآيات الشيطانية" الذي أثار نشره حفيظة المتطرفين الإسلامويين ضد هذا الكاتب؟ المؤكد أن لا أحد منهم قد قرأ الكتاب المذكور. لكن ذلك ليس في واقع الأمر بصلب الموضوع.

كان زعيم الثورة الإيرانية آية الله خميني قد أصدر فتوى في العام 1989 بإهدار دم سلمان رشدي الذي كان لا يزال حتى ذلك الحين كاتبا مغمورا كما وضعت إيران جائزة مالية لمن يقوم بقتله. تعين على سلمان رشدي بناء على ذلك أن يعيش طيلة عشرة أعوام في حالة الاختباء التام كما وضعت عليه حراسة من قبل الشرطة. بعد ذلك صرحت طهران بأنها وإن لم يكن بوسعها إلغاء الفتوى الصادرة عن خميني الذي توفي في تلك الأثناء فإنها لن تعمد رغم ذلك إلى تطبيقها. وهنا عادت ملامح التطبيع تهيمن على حياة سلمان رشدي.

لا علاقة لهذه المظاهرات التي برزت مجددا لأسباب تخص كتاب "الآيات الشيطانية" كما أن هذا الكاتب لم ينل لقب "فارس" ليدخل بالتالي في صفوف النبلاء بسبب الكتاب المذكور بل تكريما لمجموع أعماله الأدبية.

على الرغم من ذلك فقد عمد مسؤولون إيرانيون وباكستانيون إلى وصم تكريمه بهذا اللقب على أنه يشكل من جديد إهانة لمليار ونصف مليار مسلم. والأكثر من ذلك أن وزير الشؤون الدينية في باكستان هدد حتى باحتمال قيام شخص ما بعملية انتحارية انتقاما من ذلك العمل غير الودي الذي قامت به الأسرة الملكية البريطانية.

أليس ذلك من قبيل الإهانة سواء في حق كل من اتسم بحسن النية من الناس في كافة أنحاء العالم وبغض النظر عن انتماءاته الدينية والعرقية واللغوية؟ مثل هذه المقولات هي بمثابة صفعة موجهة لكل من سعى دوما لتعزيز أواصر التفاهم والحرية لا سيما في سياق العلاقة بين الثقافات المختلفة. هذا يسري أيضا على المسلمين الذين يؤمنون بصلب الرسالة النابعة من دينهم، أي إحلال السلام والتفاهم بين الشعوب.

ليس تسخير المشاعر الدينية للأغراض السياسية بتكتيك جديد. لقد خالجنا الأمل في السابق في حالة إيران واعتقدنا في حالة باكستان بأن الأحوال بدأت تتغير في هذا السياق نحو الأفضل، لا سيما وأن باكستان تتبوأ أهمية لا تنكر بحكم كونها أحد الشركاء في مجال "الكفاح ضد الإرهاب".

لكن شعبي هذين البلدين يخضعان لأساليب التمويه الأعمى من قبل النظامين الحاكمين لصرف أنظارهما عن المشاكل الخارجية والداخلية التي يمر بهما هذان البلدان ودون مراعاة التداعيات الحافلة بالأخطار النابعة عن ذلك التمويه.

من ناحية أخرى فإن الأمر يتسم بالبساطة بالنسبة للنظامين المذكورين، فإذا تعرض أفراد للخطر نتيجة للاحتجاجات وجه النظامان أصابع الاتهام والمسؤولية بطبيعة الحال في اتجاه طرف محدد ثابت هو الغرب. ألا يصح اعتبار هذا المسلك تكتيكا "شيطانيا"؟

بقلم بيتر فيليب
ترجمة عارف حجاج
حقوق طبع النسخة العربية قنطرة 2007

قنطرة

تغطية قناة الجزيرة لقضية سلمان رشدي
لا تحمل قناة الجزيرة الفضائية وموقعها الالكتروني على محمل الخبر الادبي او الثقافي موضوع منح الملكة البريطانية الكاتب البريطاني من اصل هندي سلمان رشدي رتبة "فارس" تقديرا لمجمل اعماله الادبية، بل هي تجعل منه خبرا سياسيا بالدرجة الاولى. تعليق فيديل سبيتي

الكاتب الذي الذي يمد الجسور ويثير الجدل
التمزق بين الشرق والغرب والضياع الروحي موضوعان يقعان في مركز اهتمام الكاتب سلمان رشدي في روايته "آيات شيطانية"، التي تثير مرة أخرى بعد عشرين سنة من صدورها احتجاجات عارمة. مقال بقلم أنجلا شادر