سيناريوهات المستقبل

أدت سيطرة منظمة "حماس" على جميع المؤسسات الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية في غزة الى خطوط انقسام سياسية جديدة عبر المنطقة كلها. والسؤال الآن هو "ما العمل؟". يوسي ألفر يقدم في هذه المقالة قراءة لإحتمالات المستقبل.

​​

ما حَدثَ في غزة كان ثورة على أكثر من صعيد. سيطرة "حماس" كَانتْ إنقلاباً على الصعيد الفلسطينيّ الداخلي ولكنها ولّدَت أيضاً حالة ثورية أوسع في هذا الجزءِ من الشرقِ المتوسّطِ. لقد هدّمَ ما حدث في غزة عدة فرضيات أساسية أَو تأريخية حول طبيعةِ ومستقبلِ العلاقات الفلسطينية-الإسرائيليِة، والعلاقات الفلسطينيّة-العربية والفلسطينيّة-الفلسطينيّة.

في ضوء البُعدِ الإستراتيجيِ لهذا التغيير لا يمكننا في هذه اللحظةِ إلا حدس أو تخمين التَطَوّراتِ التي يمكن أن تحدث في المستقبل القريبِ. من يزعم اليوم أنه يعرف حقيقةِ ما سيحدث فسيكون مثل من يَتزحلقُ على الجليد. ولكي نشْحذَ فهمنا للقضايا التي نحن بصددها، هنا سيناريوهان متطرّفان للتَطَوّراتِ المحتملة القادمةِ كما تُرى مِنْ منظورِ إسرائيليِ. وعلى الأغلب سيكون مسار التَطَوّراتِ في مكان ما بينهما.

السيناريو المتفائل

وفقاً للسيناريو المتفائل، تتمكن إسرائيل من إدارة علاقاتَها بسلام ونجاح نسبياً بالقيادتين الفلسطينيّتينِ المختلفتينِ جداً على جبهتين. في الضفة الغربية يُعزز الرّئيسَ محمود عباس سيطرة فتح و يُثبّتُ الأمن ويُوافقَ على التَعَامُل مع إسرائيل والمجتمع الدولي نيابةً عَنْ الضفة الغربية لوحدها.

وتَستلمُ حكومةَ سلام فيَّاض الجديدة نقود الضريبةِ مِنْ إسرائيل والمساعدة مِنْ أوروبا وأمريكا، وهكذا تزدهر وتنتعش الضفة الغربية. ويَبْدأُ عباس بعقد إتفاقيةَ مؤقتةَ مَع رئيس الوزراء الإسرائيلي إهود أولميرت تَتضمّنُ إنسحاباً إسرائيلياً مِنْ الأراضي وتَفكيك المستوطناتِ الإضافيةِ.

وفي هذه الأثناء في غزة حيث تملك "حماس" الآن السيطرةِ الكاملة، تذعن "حماس" للحاجةَ للمُحَافَظَة على الأمنِ لكي تواصلَ إستِلام المساعدات الأساسية والغذاءِ وتصديرِ المنتجات الزراعيةِ والبضائع الأخرى.

تَرْبطُ إسرائيل إفتتاح ممراتِ غزة بمنع سقوط صواريخ القسام على سدروت والمناطق المحيطة، بالإضافة إلى تبادل السجناء. وتَفْرضُ إسرائيل ومصر حظر تسلح فعّالا. وتُواجهُ الحكومة في غزة غضباً فلسطينيّاً عامّاًَ بسبب وحشيتِها وتصميماً مصريِاً على تحديدها، فتصبحُ أكثر واقعيةً وبراغماتية.

السيناريو المتشائم

على النقيض من ذلك، ووفقاً للسيناريو المتشائم، فإن الضعف التنظيمي والقيادي الذي ميز أداء كل من الرئيس عباس وفتح في غزة يستمر في الضفة الغربية. تقوم "حماس" بإنتهاكات هناك، وفي نفس الوقت تقوم عناصر إرهابية متباينةِ بهجمات ضدّ إسرائيل.

وهذا يجعل التعاون الأمني والإقتصادي والسياسي الإسرائيليَ-الفلسطينيَّ، في الضفة الغربية أمراً مستحيلاً. في هذه الأثناء في غزة، يَنتقلُ جناحُ "حماس" العسكري المهيمن من السيطرةِ الداخليةِ إلى تصدير العنفِ إلى إسرائيل. وتهاجمُ "حماس" أهدافَاً أيضاً في سيناء المصرية، لأن مصر تُخفقُ في تحسين جهودها من أجل السيطرة على حدود غزة-سيناء.

تَرْدُّ إسرائيل بضربات عسكريةِ كبيرة في غزة، مما يؤدي إلى إنتشار التأزم والفوضى. عندها تحس إيران بأنّ إسرائيل قد وُضِعتْ في موضع الدفاع على جبهتين فلسطينيّتينِ فتشجّعُ حلفاءها اللبنانيينَ الشيعةَ والسوريينَ لفتح جبهة ثالثة.

تشخيص التطورات

بمحاولتنا بشكل حذر لتَقييم مثل هذه الأحداثِ المُتَوَقّعةِ، يمكننا أيضاً في هذه النقطةِ تشخيص عدد مِنْ التَطَوّراتِ التي نوقشت كثيراً والتي من المؤكد جداً أنها لن تحدث:

أولاً، لَنْ تكون هناك قوة دولية في غزة في الظروفِ الحالية ومن المحتمل في المستقبل القريب. لا توجد بلادٌ ثالثةَ تَتطوّعُ لوَضْع قوَّاتِها بين إسرائيل و"حماس" أَو (على خط فيلادلفي بين غزة وسيناء) بين مصر و"حماس".

فلكي تنجح أية قوّة حفظ سلام في الشرقِ المتوسّطِ فإنها تَحتاجُ لإتّفاقية سلام لكي تحافظ عليها وحكومتين فعّالتين ومسؤولتينِ للعَمَل مَعهما. وحماس غير مؤهلة لتلبية هذه الشروط. وعلى أي حال، فإن خالد مشعل، زعيم "حماس" والذي مقرّه في دمشق، رَفضَ هذه الفكرةَ.

موقف السعودية ومصر

ثانياً، مهما كانت الجهود السعودية أو المصرية الجديدة لإصْلاح حكومة الوحدةِ الفلسطينيّةِ، فلَنْ تكون هناك مصالحة حقيقية بين فتحِ و"حماس"، أَو بين إسرائيل و"حماس". إنّ الخطوطَ واضحة بين نظام عربي إسلامي راديكالي على شواطئِ البحر الأبيض المتوسطِ – وبيننا نحن الباقين جميعاً.

ثالثاً، مهما كانت معاملة "حماس" سيئة للسكان الفلسطينيين أَو مهما حاولت إثارة العداء لإسرائيل، فإن إسرائيل لَنْ تسْمحَ بظهور أو تفاقم ِأزمة إنسانية أو مجاعةً في غزة.

رابعاً، العملية السياسية الإسرائيلية-الفلسطينيّة المحصورة في الضفة الغربية يُمْكِنُ أَنْ تَدعم عملية بناء الثقة وتُساهمُ في معالجة النزاعِ. لكن بسبب ضعف كل من عباس وأولمرت وقدرة "حماس" على التَدَخُّل، يَجِبُ أَنْ لا نَتوقّعَ أيّ شيء يَشْبهُ عملية سلام كاملة.

مصير الضفة الغربية

خامساً، إذا وضعنا الأوهامِ الإسرائيليِة جانباً، لا مصر تريد أن تتحمل مسؤولية غزة ولا الأردن توشك أَنْ تأخذ على عاتقها مسؤولية الضفة الغربية، كي تفلت إسرائيل من الصنارة. على العكس من ذلك، فقد ألغتْ مصر حضورها الدبلوماسي والإستشاري العسكري في غزة؛ فقد انتقل الأمر الى القاهرة وبدأ نظام حسني مبارك بمُعَالَجَة "حماس" كجزء مِنْ المعارضةِ لنظامِه.

أما بالنسبة إلى الأردن، فإن إعادة إطِلاق العمليةِ السياسيةِ بين إسرائيل والفلسطينيين في الضفة الغربية يُمْكِنُ أَنْ تَفْتحَ فرصاً للتعاون بين الضفة الشرقيِة والضفة الغربية. ولَكن من المستبعد جداً أنَّ يسعى الملك عبد الله في عمَّان لإلصاق فلسطينيين أكثر بمملكته وإعادة منحهم الجنسية الأردنيةَ.

ولكن قبل كل شيء، يتوجب الآن على إسرائيل وجيرانها العرب، سويّة مع الأوربيين والأميركيين، أَنْ يُواجهوا ظهورَ كيان إسلامي صغير، ولكنه فاسد في وسطِهم؛ وهذا ظرف لا يبشر بحلول سريعة سهلة لا تراق فيها الدماء.

بقلم يوسي ألفر
ترجمة كامل الزيادي
حقوق طبع النسخة العربية قنطرة 2007

يوسي ألفر أحد ناشري الموقع "بيتر ليمونس"، مدير معهد يافي للدراسات الاستراتيجية في تل أبيب ومستشار لرئيس الوزراء السابق إيهود باراك.

قنطرة

كيف غيَّرت حربُ الأيَّام الستة البلاد
يعدُّ المؤرِّخ الإسرائيلي توم سيغيف في عداد الـ"مؤرِّخين الجدد"، الذين يعنون بتقييم جديد لتاريخ الصهيونية وتاريخ دولة إسرائيل. يوسف كرواتورو قرأ كتابه الأخير حول حرب

الصراعات الفلسطينية الداخلية
يحذر مدير مؤسسة هاينريش بول الألمانية من تعليق آمال كبيرة على تشكيل حكومة فلسطينية موحدة التي قد تستطيع في أحسن الأحوال خلق فترة هدوء في الخلافات الفلسطينية الداخلية.