ديمقراطية صورية لا أكثر

في مصر التي تحاول أن تسبغ على نظامها طابع الديمقراطية ولو شكليا تتركز التوقعات على احتمال بقاء السلطة داخل سلالة الأسرة ذاتها، فتنتقل من مبارك الأب إلى مبارك الإبن. مقال كتبه يورغن شترياك.

ملصق دعائي لحسني مبارك قبيل الانتخابات الرئاسية 2005؛ الصورة: أ ب
في بداية عام 2005 أعلن الرئيس مبارك عن العزم على إجراء أول انتخابات رئاسية حرة "بعض الشيء" في السابع من سبتمبر (أيلول) من نفس ذلك العام وبمشاركة مرشحين عدة

​​في الأردن تتوارث الأسرة الهاشمية حكم المملكة وفي سوريا انتقل الحكم الاستبدادي من الأب إلى الابن. وفي مصر التي تحاول أن تسبغ على نظامها طابع الديمقراطية ولو شكليا تتركز التوقعات على احتمال بقاء السلطة داخل سلالة الأسرة ذاتها أيضا. مقال كتبه يورغين ستراياك.

نشرت في خريف عام 2004 مجلة طلابية تصدر في مصر على صفحة غلافها قائمة اختراعات ابتدعها العالم العربي للمدنية الإنسانية في عصره الذهبي أي في غضون العصور الوسطى. أما الآن فقد ابتدع العرب للعالم وفقا لتلك المجلة منجزات جديدة يقدمونها للعالم وهي "الديمقراطية الوراثية".

لم يذكر مقال المجلة اسم الرئيس المصري، لكنه كان من الواضح أن هذا الاحتجاج الحافل بالتهكم والسخرية قصد المخاوف حول احتمال انتقال الحكم من مبارك الأب إلى مبارك الابن.

لم تكن مخاوف الطلاب في هذا السياق قبل ذلك أي في عام 2004 خالية من التبرير. فيومها تم إلصاق "بوستر" في منتصف مدينة القاهرة أي على وجه التحديد في ميدان التحرير بالقرب من المتحف المصري بلغ طوله أربعة طوابق بالكامل.

تحويل التعظيم من حاكم إلى آخر بالطريقة المصرية

أظهر ذلك البوستر جمال مبارك ابن الرئيس حسني مبارك بجانب الرياضيين المصريين الذين فازوا بمداليات في الألعاب الأولمبية التي جرت في أثينا. على ما يبدو انصبت إرادة النظام على المشاركة في هذا المجد الوطني.

خبراء مهنة الدعاية يصفون هذه الظاهرة بكل بساطة على أنها عملية نقل للتعظيم من شخص إلى آخر. أما المثقفون المصريون من ذوي التوجه النقدي فإنهم يرون في هذه الظاهرة نذيرا يدفعهم إلى الدخول في جدل حاد ومؤشرا جليا على رفع سمة جمال مبارك علنا إلى مرتبة "الأب الحاكم" المقبل للبلاد وكذلك دليلا دامغا على تخلي النظام عن المبادىء الديمقراطية.

في شهر أكتوبر (تشرين الأول) من العام المذكور نشرت حركة الاحتجاج المسماة "كفاية" بلاغا تحت عنوان "الحركة المصرية من أجل التحول" تضمن اعتراضا على احتمال اكتساب النظام الرئاسي في مصر طابع الإرث الأسري.

كفى تماما!

كلمة "كفاية" تعني ما تقوله. فالمحتجون المنضوون في صفوف هذه الحركة والذين يشكلون مجموعة واسعة من التيارات المختلفة من اليمين عبورا بالتيار الليبرالي حتى التوجه الإسلاموي ينطلقون من دافع الخوف من احتمال تولي الابن السلطة بعد انقضاء قرابة ربع قرن من حكم ساده النمط الاستبدادي في عهد حسني مبارك.

مظاهرة لحركة كفاية في القاهرة؛ الصورة: أ ب
متظاهرو حركة كفاية أمام مبنى نقابة الصحفيين في العاصمة المصرية، أثناء الاستفتاء على التعديلات الدستورية عام 2005

​​تشهد هذه البلاد الواقعة على ضفاف نهر النيل نتيجة لذلك ربيعا قصيرا تهيمن عليه أفكار المجتمع المدني لكن العديد من الناشطين يخشون أن يكون الأمر محض سراب عابر لا أكثر. في بداية عام 2005 أعلن الرئيس مبارك عن العزم على إجراء أول انتخابات رئاسية حرة "بعض الشيء" في السابع من سبتمبر (أيلول) من نفس ذلك العام وبمشاركة مرشحين عدة.

نال رئيس حزب الغد الليبرالي الذي أثار السماح بإنشائه قبل ذلك بنصف عام أحاسيس الدهشة في انتخابات الرئاسة المذكورة أقل قليلا من ثمانية بالمائة من الأصوات واحتل بذلك المرتبة الثانية بعد مبارك مباشرة. كما سُمح بإعادة صدور صحف للمعارضة منعت في السابق وبإصدار صحف جديدة.

ربيع قصير للمعارضة

سقطت حتى آخر التابوات يومها أي السماح بتوجيه النقد للرئيس. بعدها بدأت أجهزة الإعلام المستقلة تنشر فجأة مقالات تنتقد فيها مبارك وغيره من دعائم الدولة الموالين له.

عمد الأب وابنه بصورة دورية منتظمة حتى الآن في خطاباتهما ومقابلاتهما الصحفية إلى نفي الشائعات التي تشير إلى احتمال انتقال السلطة في الإطار الأسري. أكثر تلك التصريحات إثارة للاهتمام ورد في مقابلة أجرتها قناة تليفزيونية أميركية مع حسني مبارك قبيل إجراء الانتخابات الرئاسية الأخيرة.

ردا على سؤال للصحفي عن هوية المرشح المقبل في حالة عدم ترشيح الرئيس الحالي نفسه قال حسني مبارك "لن يكون ذلك الشخص الذي تتوقعه!". بعد ذلك أخذ كلاهما يقهقهان ضاحكين. ثم أضاف مبارك وعلى تقاسيم وجهه ملامح العصبية "موضوع ترشيح ابني ليس سوى قصة ابتدعتها بعض العناصر لأنها في حاجة إلى أمر تنتقده وتسخره لأغراض الدعاية. نحن لم نفكر أبدا في هذه المسألة".

لكن واقع الأمر هو أن حسني مبارك يحكم مصر منذ عام 1981 أي لفترة خمس دورات رئاسية وسوف يبلغ في العام المقبل سن الثمانين. ابنه جمال يوصف بالنزاهة وبالميل للدقة والحداثة. وهو يبلغ من العمر 43 عاما ويعمل في مجال الاستثمار المصرفي وقد تلقى دراسته في الجامعة الأميركية في القاهرة وعمل فترة في لندن كما أنه يتمتع بثقة فعاليات الاقتصاد المصري.

يقال إنه يقف بحكم نفوذه القوي وراء تعيين الاقتصاديين ذوي النزعة الإصلاحية وفئات التكنوقراطيين والمتخصصين في إدارة الأعمال كوزراء في الحكومة. كما تعتبر نسبة النمو الاقتصادي البالغة سبعة بالمائة من ثمار نشاطه. وقد صعد وتدرج في سلم السلطة بسرعة مذهلة بحيث أصبح الآن ثاني أقوى رجل في الدولة.

حاكم مطلق وله شعبية في نفس الوقت

نظام حكم العائلة مبارك الذي يتصدره الأب مبارك عنصر يضمن الاستقرار من خلال استخدام اليد الحديدية، علما بأن تكريس الاستقرار ينسجم مع رغبات وتطلعات رجل الشارع لا سيما على ضوء حالة الفوضى التي عصفت بعدد كبير من دول المنطقة. لهذا ليس من المستبعد أبدا أن يكون ابن الرئيس قادرا على الفوز في انتخابات الرئاسة في حالة ترشيح نفسه لها.

المعارض أيمن نور خلف القضبان؛ الصورة: أ ب
حزب الغد الذي عقدت عليه في السابق آمال كبيرة فقد أهميته. كما حكم على رئيسه أيمن نور بالسجن لمدة خمسة أعوام من خلال ترتيب محاكمة صورية.

​​في حالة إجراء استفتاء عام يفرز انتصارا لجمال مبارك لا سيما على ضوء انعدام مرشحين آخرين فإن ذلك قد يكتسب ولو ظاهريا شكلا ديمقراطيا. الملاحظ أن المعارضة تتعرض لهذا السبب منذ خريف عام 2005 لإجراءات قمع متزايدة. كما أن الحريات المدنية تتعرض للتهميش أكثر فأكثر.

أما حزب الغد الذي عقدت عليه في السابق آمال كبيرة فقد انقسم إلى تجمعات عديدة وفقد بالتالي أهميته. كما حكم على رئيسه بالسجن لمدة خمسة أعوام بعد استخدام أعذار هزيلة واهية ومن خلال ترتيب محاكمة صورية.

إجراءات قمع ضد المعارضة

وضع رؤساء تحرير الصحف المستقلة قيد المحاكمة كما تم تعديل الدستور من خلال إضافة ترتيبات تجعل من المستحيل على المعارضة المدنية العلمانية على ضوء حالة الضعف الحالي الذي تعاني منه تعيين مرشحين عنها لانتخابات الرئاسة.

أما الإخوان المسلمون فيشكلون قوى المعارضة الوحيدة ذات الاعتبار كما أن الدولة تتقبل وجودهم ضمنيا. لكنهم من الناحية الشكلية تكتل غير معترف به قانونيا الأمر الذي يمنعهم من تعيين مرشح عنهم للرئاسة.

بناء على رؤية نقاد النظام مثل عالم الاجتماع سعد الدين إبراهيم أو الكاتب المعروف علاء الأسواني فإن النظام يسخر حركة الإخوان في سبيل إشاعة الخوف لدى الغرب وفقا لشعار "إذا تخليتم عني جاء الإسلامويون خلفا لي".

هذا يعني أنه لا يوجد باستثناء أعضاء حزب مبارك الحاكم (الحزب الوطني الديمقراطي) أي أشخاص آخرين تتوفر فيهم شروط الترشيح لرئاسة الجمهورية. يأتي بالإضافة إلى ذلك أن التعديل الأخير للدستور ينص على أن يكون كافة المرشحين للرئاسة أعضاء فيما يسمى بالمجلس الأعلى للأحزاب.

خلافة بملامح ديمقراطية صورية

أنشأ حزب مبارك الوطني الديمقراطي بنفسه المجلس الأعلى المذكور في مؤتمره الحزبي الذي عقد في مطلع شهر نوفمبر (تشرين الثاني) في القاهرة والجدير بالذكر أن جمال مبارك عضو في هذا المجلس، مما يعني في نظر المعارضة بأن ذلك يشكل خطوة غير قابلة للتأويل نحو تكريس خلافة جمال مبارك لأبيه مع إعطاء الأمر قسمات ديموقراطية وإن كانت صورية.

لكن الأمر لا يخلو من شائبة يتسم بها هذا الابن الديناميكي للرئيس حسني مبارك وهي أنه لم يتدرج في السلك العسكري. هذا مع أن مصر تحكمها منذ عقود طويلة طبقة سياسية يدعمها جهاز عسكري بالغ القوة.

بناء على رؤية الخبراء فإن انتقال السلطة من حسني مبارك الطيار المقاتل وقائد سلاح الطيران سابقا إلى ابنه يمكن أن يتحقق تحت عامل وحيد يتعلق ببقاء الأب على قيد الحياة. أما الانتخابات الرئسية المقبلة فإنها ستجري في عام 2011.

بقلم: يورغين ستراياك
ترجمة: عارف حجاج
حقوق الطبع محفوظة: قنطرة 2007

قنطرة

أربعة أعداء في نفسٍ واحد
الإسلاميون، القُضاة، البدو، الأقباط...أربع حروب داخلية يخوضها حسني مبارك في وقت واحد. تلك الفئات الأربعة المُستبعدة باتت في تمرد متزايد ضد النظام الذي عَـمَّـر كثيراً إلى ما بعد زوال سلطته الشرعية. بقلم سعد الدين إبراهيم.

سقوط الفرعون
بادرت حركة "كفاية" المعارضة في مصر مؤخراً إلى تصعيد المواجهة بينها وبين نظام الرئيس حسني مبارك، وذلك بإصدار تقرير ضخم تجرأ على ذكر أسماء وتفاصيل بشأن الفساد المستشري بين قادة الدولة. ولم يحدث قط خلال تاريخ مصر الطويل أن بلغت الجرأة حد نشر الغسيل القذر للبلاد على هذا النحو. بقلم باري روبين