هل يستغل النظام السوري ذرائع لتقويض هدنة وقف إطلاق النار وشن هجوم على إدلب؟

حذّر البنتاغون الثلاثاء 25 / 11 / 2018 روسيا من التدخل في موقع هجوم كيميائي مفترض في مدينة حلب التي يسيطر عليها النظام السوري. واتهم نظام رئيسُ النظام السوري بشار الأسد فصائل مسلحة بتنفيذ هجوم بـ "غاز سام" أسفر عن إصابة العشرات بمشاكل في التنفس ودفع روسيا الى شن غارات على جماعات وصفتها بأنها "إرهابية".

وطلبت دمشق بشكل رسمي من منظمة حظر الأسلحة الكيميائية التحقيق في هذا الهجوم المفترض. وقال البنتاغون إن الأسد قد يحاول التدخل بمسرح الحدث ليبني رواية من أجل تبرير مهاجمة إدلب معقل المعارضة المسلحة التي تخضع للحماية بموجب اتفاق هدنة في شمال سوريا تم التوصل اليه قبل عشرة أسابيع.

وقال الناطق باسم البنتاغون شون روبرتسون في بيان "من الضروري ضمان ألَّا يستغل النظام السوري ذرائع زائفة لتقويض وقف اطلاق النار هذا وشن هجوم على إدلب". 

وأضاف: "نحذر روسيا من التلاعب بموقع هجوم كيميائي مشتبه به آخر، ونحضها على ضمان أمن مفتشي منظمة حظر الأسلحة الكيميائية حتى يتم التحقق من المزاعم بطريقة منصفة وشفافة".

وكانت روسيا والنظام السوري قد ألقيا بمسؤولية هجوم السبت على "الجماعات الارهابية"، وهو تعبير تستخدمه الحكومة السورية لوصف الفصائل المعارضة والجهادية.

ورغم تحميل النظام السوري مسؤولية معظم الهجمات بالأسلحة الكيماوية في سوريا خلال الحرب المستمرة منذ سبع سنوات، الا أن الإعلام السوري الرسمي اتهم مؤخرا المسلحين في إدلب بالتخطيط لهجوم كيميائي.

وفي نيسان/أبريل 2018 شنت فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة هجمات صاروخية مشتركة على أهداف للجيش السوري ردا على هجوم كيميائي مفترض في بلدة دوما بريف دمشق أسفر عن مقتل العديد من الأشخاص. ومنع النظام السوري المفتشين الدوليين من دخول موقع الهجوم المزعوم لعدة أيام بعد حدوثه.

وقال روبرتسون: "نطالب بكشف فوري على الموقع المفترض من قبل مفتشين دوليين، مع حرية مقابلة كل المعنيين والقدرة على جمع الأدلة بدون أي عائق". 

من جانبه قال إردوغان لبوتين إنه يريد عقد قمة أخرى بشأن إدلب السورية. وأبلغ الرئيس التركي رجب طيب إردوغان نظيره الروسي فلاديمير بوتين يوم السبت 01 / 12 / 2018 بضرورة عقد قمة أخرى لبحث الوضع في محافظة إدلب السورية حيث يريد البلدان إنشاء منطقة منزوعة السلاح يمكن الالتزام بها. وقدم إردوغان الاقتراح أثناء اجتماعه مع بوتين في قمة العشرين. وكانت روسيا  -وهي حليفة النظام السوري- وتركيا -التي تدعم مسلحي المعارضة السورية- قد اتفقتا في سبتمبر / أيلول 2018 على إقامة منطقة منزوعة السلاح حول إدلب التي يسيطر عليها مسلحو المعارضة في شمال غرب سوريا. لكن القصف المتبادل يحدث بين الحين والآخر منذ ذلك الحين كما تعرضت المنطقة في 25 نوفمبر تشرين الثاني 2018 لأول غارة جوية منذ الاتفاق.

ودعا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين السبت 01 / 12 / 2018 نظيره التركي رجب طيب إردوغان إلى اتخاذ "تدابير أكثر فاعلية" لترسيخ الهدنة في محافظة إدلب في سوريا، بحسب ما أعلن الكرملين. والتقى بوتين إردوغان السبت على هامش قمة مجموعة العشرين في بوينوس آيرس في اجتماع استعاض به سيد الكرملين عن اللقاء مع الرئيس الأمريكي الذي ألغاه دونالد ترامب.

ونقلت وكالة ريا نوفوستي عن المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف قوله إن الرئيس الروسي شدد خلال لقائه إردوغان "على ضرورة اتخاذ تدابير أكثر فاعلية لتطبيق الاتفاق الروسي التركي حول إدلب". وأكد المتحدث أن هذه التدابير ضرورية "لمنع حصول حالات مثل الهجوم الذي تعرّضت له حلب (المجاورة لإدلب) بقذائف صاروخية وسامة".

وأبرمت روسيا وتركيا في 17 أيلول/سبتمبر 2018 اتفاقا نص على إقامة "منطقة منزوعة السلاح" في إدلب، آخر معقل للفصائل المعارضة والجهادية في سوريا، جنّب المحافظة الواقعة في شمال غرب البلاد هجوماً وشيكاً كان يُعِدّ له نظام الرئيس بشار الأسد.

وتدعم روسيا النظام السوري في النزاع الذي تشهده البلاد منذ أكثر من سبع سنوات في حين تدعم تركيا الفصائل المعارضة. وتعثّر تطبيق الاتفاق بسبب رفض فصائل جهادية إخلاء المنطقة التي تشهد منذ أسابيع قصفا واشتباكات متقطعة بين جهاديين وقوات النظام. وتسيطر هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) مع فصائل جهادية أخرى على ثلثي المنطقة المنزوعة السلاح، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان. والأحد، شنّت روسيا غارات جوية على مناطق في إدلب، هي الأولى منذ أكثر من شهرين، ردا على هجوم حلب الذي قال النظام السوري إنه تم بواسطة "قذائف صاروخية تحوي غازات سامّة". واتّهم الإعلام الرسمي السوري "المجموعات الإرهابية المسلّحة باستهداف حيي الخالدية وشارع النيل في مدينة حلب بقذائف صاروخية متفجّرة تحتوي على غازات سامّة".

وتحدثت الأمم المتحدة عن مخاطر كبيرة في سوريا رغم الهدوء النسبي في إدلب. وقالت الأمم المتحدة إن آلاف السوريين لا يزالون محاصرين أو يواجهون خيارات صعبة بشأن العودة لموطنهم رغم الهدوء النسبي الذي يسود محافظة إدلب منذ شهرين. كما عبرت الأمم المتحدة عن قلق اللاجئين من قانون الملكية المثير للجدل.

وقال منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية يان إيغلاند يوم الخميس (15 تشرين الثاني/نوفمبر 2018) إن آلاف السوريين لا يزالون محاصرين بسبب المعارك أو يواجهون خيارات صعبة بشأن العودة لموطنهم حتى رغم الهدوء النسبي الذي يسود شمال غربي البلاد في محافظة إدلب منذ شهرين، مضيفاً أن المدنيين الذين يتراوح عددهم بين مليونين وثلاثة ملايين و12 ألف موظف إغاثة هناك لا يعلمون إن كان الهدوء سيصمد.

وقال إيغلاند للصحفيين بعد اجتماع اعتيادي للأمم المتحدة بشأن سوريا "هناك الكثير من المؤشرات على أن أشياء سيئة ستحدث ما لم تتحقق انفراجات أخرى في المفاوضات مع الجماعات المسلحة المتعددة في الداخل". وأضاف "لا يزال أسوأ سيناريو هو الحرب المروعة عبر مناطق كبيرة، لكن الطريقة التي تبلغنا بها روسيا وتركيا بخططهما... تجعلنا متفائلين بحذر. لا أعتقد أن إدلب ستشهد حرباً كبيرة في المدى القريب".

ولا يزال 40 ألف مدني آخرين محاصرين مع بضعة آلاف مسلح في مخيم الركبان على حدود سوريا مع الأردن. ووصلت قافلة مؤلفة من 78 شاحنة للمخيم محملة بإمدادات هذا الشهر. وقال إيغلاند إن من المقرر إرسال قافلة أخرى في منتصف كانون الأول/ ديسمبر. وذكر منسق الأمم المتحدة أن روسيا والولايات المتحدة والأردن نسقت تهدئة الصراع للسماح بدخول القافلة إلى المخيم حيث الوضع مروع وأن الأولوية الآن هي التوصل لاتفاق لنقل ست جماعات مسلحة تعمل في المنطقة.

قانون الملكية.. تعديلات 

وفي سياق ذي صلة، علق المسؤول الأممي على التعديلات التي أصدرها الرئيس السوري بشار الأسد مؤخرا على قانون الملكية المثير للجدل، وقال إن القانون المذكور يثير قلقاً عميقاً لدى عشرات الآلاف من عائلات اللاجئين التي تخشى انتزاع عقاراتها منها بسبب الفرار من الحرب الأهلية. ويعطي القانون الحكومة صلاحية إعادة تطوير عدة مناطق في جميع أنحاء البلاد ويمهد الطريق لمصادرة الممتلكات التي لا يطالب بها أحد.

وأضاف إيغلاند في مؤتمر صحفي في جنيف، إن القانون دخل حيز التنفيذ مع تعديلات إيجابية تمنح الأشخاص مهلة لمدة عام وليس لشهر واحد للمطالبة بممتلكاتهم، وتسمح بالطعن على عمليات المصادرة أمام المحاكم العادية، وتؤدي إلى تفادي الحاجة للمطالبة بالملكية المسجلة بالفعل.

ومع ذلك، فإن عاماً واحداً هو فترة قصيرة بالنسبة للأشخاص الذين يحاولون تقديم مطالبات من الخارج، حيث يفتقر العديد من اللاجئين إلى أي وثائق أو تسجيل لإثبات الملكية، حسبما قال إيغلاند، الذي أردف: "من المؤكد أن القلق الذي يشعر به كثير من الأشخاص نابع من أنه يمكن أن ينتهي بهم الأمر إلى نزاع على أرض مع جماعات معينة وطوائف معينة". (أ ف ب ، رويترز ، د ب أ)