ليبيا ما بعد القذافي – توازنات هشة وسيناريوهات استقرار غامضة

تعتبر إشكالية الاختلافات الإيديولوجية والسياسية لأطياف المعارضة الليبية تحدياً حقيقيا في مرحلة ما بعد القذافي، بشكل يفتح الباب أمام احتمالات عدة أخطرها الحرب الأهلية، لكن حكام ليبيا الجدد يقللون من أهمية تلك الاختلافات. عماد غانم في قراءة للمشهد الليبي.



التخلص من نظام معمر القذافي كان الهدف الذي جمع، طوال الشهور الماضية من عمر الثورة الليبية، بين جماعات المعارضة المختلفة الأطياف، بشكل جعل اختلاف هذه الأطياف سياسياً وايدولوجياً على هامش تناول الشأن الليبي في المحافل الدولية الداعمة لليبيا ما بعد القذافي وحتى في وسائل الإعلام. لكن ما أن أحكمت قوات المعارضة سيطرتها على مجمل التراب الليبي تقريباً، بدأت الأضواء تُسلط على إشكالية التناقضات داخل ائتلاف المعارضة الليبية، بل وحتى بدأ بعض المحللين يتحدثون عن تصدعات آخذت تظهر إلى السطح.

المجلس الانتقالي المكون من 40 عضواً، والذي يشكل الإطار السياسي لقوى المعارضة وتعكس تشكيلته توازناً بين الكفاءة وضرورة التوافق، تقوده شخصيات من مدن شرق ليبيا، التي حُرمت من المزايا لفترة طويلة جداً تحت حكم القذافي، ومن معارضين بارزين من النظام القديم ومن الإسلاميين. وفي ظل مرحلة ما بعد القذافي التي باتت في حكم الواقع، يواجه المجلس ضغوطاً داخلية وأخرى خارجية من الداعمين الغربيين للثورة الليبية لتشكيل حكومة مستقرة، تُمثل فيها مختلف القبائل والمناطق الليبية.

عن ذلك يقول الخبير الألماني في معهد الدراسات الدولية والأمنية في برلين غيدو شتاينبيرغ، خلال استضافته في برنامج "مع الحدث" الذي بثته دويتشه فيله عربية الأربعاء 14 أيلول سبتمبر: "هناك مخاوف كبيرة بشأن التوازنات داخل قوى المعارضة الليبية، فحتى الآن كان الهدف واحداً وهو إسقاط نظام القذافي". وعن رؤيته المستقبلية للمجلس يقول شتاينبيرغ: "بدون شك سنرى خلال الأشهر القادمة انشقاقات عميقة بين قوى المعارضة بشكل عام".

إلا أن عضو المجلس الوطني الانتقالي أحمد العبار، خلال مشاركته في البرنامج، نفى وجود مثل هذه الانقسامات داخل المجلس، واصفاً إياه بالمتكاتف خلال هذه المرحلة الانتقالية. وأستطرد العبار قائلاً: "من الطبيعي أن يكون هناك اختلاف في وجهات النظر، لكن الأمر لا يرقى إلى درجة الانقسام. الشعب الليبي عانى التهميش طول أكثر من أربعة عقود ولم يمارس الديمقراطية خلال هذه الفترة. لكن الانطلاقة التي تشهدها ليبيا اليوم انطلاقة صحيحة، لأنها مبنية على الحوار والنقاش".

التوازنات ومعادلات استقرار

الصورة د ب ا
المجلس الانتقالي الليبي يتحدث عن مقتل 50 الف منذ اندلاع الثورة مطلع هذا العام

​​


ويبدو أن مهمة إيجاد صيغة للمحافظة على معادلة التوازنات القبلية ليست بالمهمة السهلة في بلد طمس فيه القذافي الطابع المؤسساتي للدولة منذ سيطرته على الحكم قبل أكثر من أربعين عاماً. في هذا السياق يرى شتاينبيرغ أنه رغم التحديات الأمنية الأخرى الموجودة في ليبيا في الوقت الراهن، إلا أن "المهمة الأولى للمجلس الوطني الانتقالي تتمثل في إيجاد حلول سياسية لإيجاد توازن يقابل تنوع مكوناته، الذي لا يتصف بالاستقرار من الناحيتين السياسية والإيديولوجية". من جانبه يرى العبار أن "إشكالية التوازنات القبلية ليست بالحجم الذي يتحدث عنه من لا يعرفون ليبيا معرفة جيدة، فالوضع في ليبيا مقبل على مرحلة انتقالية بتوجه ديمقراطي، أعد له المجلس الوطني الانتقالي من خلال الإعلان الدستوري".

الصورة دويشته فيله
السفير الليبي في برلين علي ماصادناه: "مشكلة السلاح لن تكون قضية ضارة بالشعب الليبي.

​​وفي ضوء هذه الإشكالية يرى المراقبون أن تحالف القوى الغربية التي ساندت الثورة الليبية عسكرياً وسياسياً واقتصادياً منذ انطلاقها، يجب ألا يتوقف عند نقطة الانتصار العسكري، الذي أطاح بالقذافي. عن دور حلف شمال الأطلسي الناتو في هذه المرحلة يقول عضو لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الألماني يورغن كليمكه: "هناك مسعى داخل حلف الناتو للحيلولة دون حدوث صراعات داخلية في صفوف المعارضة الليبية لاسيما في هذه المرحلة الانتقالية، فالحلف يسعى لاستقرار الوضع الأمني في ليبيا". لكن شتاينبيرغ يرى من جانبه أنه "ليس هناك أي دور لحلف الناتو مستقبلاً في ليبيا لأن الحلف حلف عسكري وانتهى دوره في ليبيا. كما أن ليبيا دولة غنية جداً ما يجعل الحكومة الجديدة هناك أكثر استقلالاً، ولن تريد أي دور لحلف الأطلسي في داخل البلاد".

لكن مسؤولو المجلس الانتقالي يقولون إن المجلس واجه منذ البداية تحدياً، يتمثل في الموائمة بين أطياف الثوار الليبيين، واليوم وبعد أن باتت إزاحة نظام القذافي في حكم الأمر الواقع، أصبح لزاماً عليه التعامل مع هذه التحديات من خلال توسيع نطاق عضويته ليشمل شخصيات أخرى تتمتع بالمصداقية والنفوذ، ويمكنها كسب تأييد قطاعات أكبر من الشعب الليبي، ومن بينهم حتى من كانوا في الأمس القريب من أنصار القذافي نفسه.

انتشار السلاح وشبح الحرب الأهلية

غيدو شتاينبيرغ

​​ومن التحديات التي يواجهها حكام ليبيا في هذه المرحلة هو انتشار السلاح الذي دفع المراقبين للحديث عن سيناريو حرب أهلية في ظل هذه الانقسامات. إذ نتج عن خيار تحول الثورة الليبية إلى معارضة مسلحة، لمواجهة القوات الموالية للقذافي، انتشار السلاح في أيدي العديد من الأفراد والجماعات بشكل لا يهدد ليبيا وحدها، وإنما قد يزعزع استقرار المنطقة. لكن العبار يقلل من هذه المخاوف بالقول: "إن العمليات الأمنية في المدن المحررة مازالت تقع على عاتق الشباب المسلحين، الذين يقومون بتأمين هذه المدن والطرقات، لحين إعداد وزارة الداخلية لبرنامجها لإعادة الشرطة والأمن النظامي إلى ما كان عليه".

من جانبه قال السفير الليبي في برلين علي ماصادناه، خلال استضافته في حلقة برنامج "ضيف الأسبوع" الذي تبثه دويتشه فيله عربية، إن "الشعب الليبي قدم الكثير من التضحيات وهو يعي هذه الإشكالية. إنه لم يثر من أجل أن يخلق دكتاتوراً جديداً. رأيت كيف كان الناس في المدن التي يسيطر عليها الثوار، يسلمون الأسلحة للمساجد لغياب الشرطة. مشكلة السلاح لن تكون قضية ضارة بالشعب الليبي. عند تحرير آخر شبر سوف يسلم الثوار أسلحتهم".


عماد غانم
مراجعة: عبده جميل المخلافي

حقوق النشر: دويتشه فيله 2011