«لماذا يذهب الشباب إلى الجهاد أو يأتي به إلينا؟» ... سؤال يستتبع آخر ولا أجوبة

By أمينة خيري

لماذا يذهبون إلى الجهاد؟ طرح السؤال نفسه منذ ظهرت الجماعات «الجهادية» قبل عقود، لكن أحداً لم يقدّم إجابة شافية أو تفسيراً مقنعاً. واستمر الشباب ينضمون إلى جماعات الجهاد، واستمرت الجهود في تقديم الإجابات والتفسيرات. فأعيد طرح السؤال مجدداً ولكن بتصرف: لماذا يحضرون الجهاد معهم إلينا؟ ومنذ رأى تنظيم «داعش» نور الحياة وتوغل وتمدد في أرجاء المعمورة متخذاً من المنطق العربية مركزاً له اشتعلت الهمم لتقديم إجابات حتى وإن لم تكن شافية، وذلك انتظاراً لبزوغ شمس نوعية جديدة من الجهاد تجذب إليها شباب العرب وهلم جرا.

 

«منتدى الدين والحريات» في «المبادرة المصرية للحقوق الشخصية» (منظمة حقوقية) طرح السؤال وغيره على مجموعة من الخبراء. هل يختلف «جهاد ما بعد الثورات» عما قبلها؟ وهل تساهم العوامل السياسية والاجتماعية في دفع مزيد من الشباب لتبني اﻷفكار الجهادية والشروع في محاولة تطبيقها؟ وهل شارك الجهاديون في الثورات العربية السلمية؟ وكيف يمكن تفسير خفوت النزعة الجهادية في اﻷشهر اﻷولى للثورات العربية؟ وما أهداف الجهاديين الجدد؟ وكيف يتطور خطابهم وتتطور دعايتهم وصورتهم عن العالم وعن حلم «الدولة الإسلامية»؟

 

وعلى رغم غرابة الطرح، إلا أنه كان واقعياً وحقيقياً مئة في المئة. الباحث في المبادرة عمرو عزت تحدث عن الحرج. «كثيرون في المنطقة العربية يشعرون بالحرج من الجهاد والجهاديين. دائماً يظهر من يؤكد أن ما يجري ليس من الإسلام نافياً التهمة عن الدين أو التراث أو السنّة. كما يشكل الجهاد إحراجاً للدول المعاصرة، لا سيما بعد أن أعلن تنظيم جهادي قيام دولة تاركاً العالم في حيرة من أمره محاولاً تأسيس تحالفات وتآلفات لمواجهته. كما يمثل إحراجاً للثورات العربية على اعتبار أنه لولا هذه الثورات لما ظهرت هذه الحركات. ويحرج التيارات الإسلامية المعتدلة مسلطاً الضوء على فشلها. ويحرج الثورات العربية بعد ما أصبح المواطنون يرددون أنه لولا هذه الثورات لما ظهرت هذه الجماعات. بل يحرج كذلك التيارات الإسلامية المعتدلة لفشلها في إقامة دولة».

 

ومن الحرج إلى الجهاد وبمعنى آخر العنف الذي باتت تؤمن به قطاعات من الشباب العربي، سواء من المقيمين في الدول العربية أم أبناء المهاجرين العرب خارج حدودها. وجانب من هذا التعلق بالعنف جرى – وفق الباحث في الحركات الإسلامية والجهادي السابق كمال حبيب – بما يجري على أرض الواقع وذلك بعد فشل الثورات العربية. وعلى رغم ذلك، فهو يرى أن السلفية الجهادية مرت بمراحل عدة، الأولى محلية حيث مشروع يتبنى تطبيق الشريعة الإسلامية. وبعد ما جرى في أفغانستان ظهر الجيل الثاني ممثلاً في أبو مصعب الزرقاوي، وأخذ في التطور لتخرج إلى النور تنظيمات مثل «ولاية سيناء» و «أنصار بيت المقدس» وهي التي مالت إلى انتهاج مقدار أكبر من العنف. ومع التصاعد المذهبي واندلاع الثورات العربية تراجع نموذج «القاعدة» ربما أملاً بوصول التنظيمات الإسلامية إلى الحكم. ومع موجات الفشل والتعثر، عاد نموذج «القاعدة» مجدداً إلى الظهور، واعتبر مريدوه حمل السلاح الوسيلة الوحيدة المتاحة لهم.

ويرى حبيب أن شباب هذه التنظيمات ومنظريها ومفتيها أضافوا أشياء ليست من الإسلام في شيء. «وظهر جيل داعش الذي يمكن وصفه بالمتوحش، وبات جزء من أدبياته إدارة هذا التوحش معتمداً على كتابات وتفسيرات وتأويلات غير معتمدة على نص ديني، بل تعتمد على الفوضى والأناركية». ويبدو أن شباب «داعش» ساهموا – من دون علم - في خدمة تخطيطات النظام الدولي، إذ تم السماح لهم بملء فراغات في المنطقة وحلوا محل دول غابت مثل سورية والعراق والصومال.

 

يتفق كثرٌ على أن الجماعات الحالية وقوامها الشباب فوضوية، وعلى رغم ذلك فقد نجحت في السيطرة على مساحات كبيرة من الأوطان العربية. من جهة أخرى، يقول «داعش» أنه جاء ليعيد حلم الخلافة الضائعة. وكل ما سبق يمثل عوامل جذب للشباب بين جاذبية الفوضى، والقوة، وإعادة حلم ضائع. الغريب أن جانباً من الصورة المصدرة لنا تحوي سيفاً يشهره شباب «داعش» كأنه فيلم تاريخي.

يرى حبيب أن جانباً من الشباب المنضمين إلى «داعش» لديه ميل للدخول في المغامرة. لكن، إضافة إلى حب المغامرة، هناك عملية تسويق إعلامي تُجرى على قدم وساق وبسبل بالغة التقدم، عبر جهاز البروباغاندا «الداعشي». الباحث في العلوم السياسية محمد العربي يرى أن بروباغاندا «داعش» أكبر بكثير من نشيد «صليل الصوارم» أو «الإباء» أو مقاطع فيديو قطع الرؤوس. يقول العربي أن الإعلام لدى «داعش» أمر بالغ الأهمية، هدفه الرئيسي هو ترويع المشاهد، وهو ما يفسر حبه لمشاهد الذبح وقطع الرؤوس والحرق وغيرها. ويرقى جهاز الإعلام لدى التنظيم إلى درجة الوزارة، وأحياناً يبدو كأن أفلامه نوع من الدراما ذات التقنية المتقدمة جداً. ويقول العربي أن الوسيط الأساسي لدى التنظيم هو الإنترنت التي يُجرى عليها بث الأفلام والبيانات وكذلك دورية «دابق» التي تصدر بلغات عدة وينتظرها بفارغ الصبر مئات وربما آلاف من المتابعين الذين يعيدون بثها أيضاً لتصبح قنوات إعلامية للتنظيم عابرة القارات. ويظل مسرح النشاط الإعلامي الرئيسي لـ «داعش» هو «تويتر». وقد رصدت مؤسسة بروكينغز وحدها 46 ألف حساب أصلي لـ «داعش» على «تويتر».

ومن «تويتر» إلى أرض المعركة حيث الأراضي العربية التي ينشط فيها «داعش» عبر شباب عربي وجد المتعة أو الإثارة أو الشهادة أو شكلاً من أشكال العقيدة أو الهروب أو المعنى أو جميعها متمثلاً في تنظيم عابر القارات يمثل أكبر علامة استفهام في التاريخ الحديث.

 

وبينما جهود مصرية وعربية وغربية تبذل في محاولة لفهم لماذا يذهبون إلى الجهاد، ولماذا يحضرون أحياناً الجهاد معهم إلينا، يحاول العالم تفسير ما تقدم عليه قطاعات شبابية عربية، وتظل الأسئلة من دون إجابات شافية، ويستمر «داعش» في الوجود طارحاً الكثير من علامات الاستفهام والتعجب من دون إجابات. فقط المزيد من الأسئلة.

 

القاهرة – أمينة خيري