شارع الحمرا في بيروت ..... قبلة هواة السهر وملتقى الأجيال

استعاد شارع الحمرا في بيروت بعد سنوات من الركود إشعاعه. ولا يستقطب الحمرا هواة السهر من مختلف الأعمار والطبقات الاجتماعية فقط، بل أولئك الذين يدفعوهم الحنين إلى ذكريات الماضي إلى ارتياد مقاهي وحانات شكلت ملتقى المثقفين. دارين العمري من بيروت وهذه التفاصيل.



بعدما شهد ركودا على مدى أكثر من 15 عاما، هاهو شارع الحمرا في بيروت يستعيد بريقه الذي عرفه خلال الستينات والسبعينات. وخلال تلك الفترة تمكنت شوارع أخرى في بيروت وخاصة منها شارعي الجميزة ومونو من خطف الأضواء من شارع الحمرا واستقطاب عشاق السهر والرقص ومن يبحثون عن الترفيه والترويح عن النفس.


ملاهي ليلية ومقاهي ومطاعم متنوعة تعيد الشارع البيروتي إلى ما عُرف به في السابق بـ "شانزليزيه الشرق". وفيما لم يتعد عدد الحانات والملاهي الليلية في شارع الحمرا قبل بضعة أعوام عدد أصابع اليد الواحدة، أصبح اليوم عددها يبلغ نحو 40 تجمع بين الطابع القديم وبين الطابع الأوروبي والأمريكي.  ومن يحن إلى الماضي بإمكانه استعادة ذكريات الطفولة والشباب في عدد من المقاهي القديمة مثل "المودكا" و"الويمبي" و"الكافيه دو باريس" و"الهورس شو" التي شكلت ملتقى الشعراء والمثقفين واليساريين، ليجمع شارع الحمرا بين الماضي والحاضر وبين الأجيال أيضا.


ذكريات الطفولة والشباب وحنين إلى الماضي

الصورة درين العمري
شارع الحمرا في بيروت ...همزة وصل بين الماضي والحاضر ويستقطب الشيب والشباب من اللبنانيين

​​

على الرصيف الممتد مقابل مسرح المدينة في شارع الحمرا الرئيسي، يجلس يوسف الأمين في مقهى "الكوستا" الذي حل مكان مطعم "الهورس شو" سابقاً. يبدو الرجل، البالغ من العمر 60 عاما، للوهلة الأولى وكأنه خارج عن صورة المكان الذي يتجمع فيه عدد كبير من الشباب. ويقول يوسف وهو يتصفح الجريدة اليومية كعادته في كل صباح منذ 30 عاما "أشعر أني هجين وأني قادم من الفضاء الخارجي"، مشيرا إلى عدم اعتياده بعد على تلك الصورة المتناقضة للشارع بين القديم الأصيل والجديد العصري. ويعلق على ذلك بالقول: "أنا أمثل الحمرا القديمة وهم (أي الجيل الجديد) يمثلون الحمرا الجديدة".

ويتحسر يوسف على ذكريات الماضي حين كان يتردد رفقة أصدقائه على مقاهي الحمرا القديمة، لافتا إلى أن ذلك الزمن قد ولى ومضى، ويقول: "نحن اليوم في عصر العولمة حيث مقاهي القهوة السريعة الأمريكية التي تتماشى مع الجو الشبابي".


وعلى بضعة خطوات من مقهى "الكوستا" وفي مطعم الوجبات السريعة والإنترنت المجاني، الذي اُفتتح حديثا بعد إقفال مقهى "الكافيه دو باريس" تجلس سعاد حميد الشابة الجامعية العشرينية أمام شاشة الكمبيوتر لتطلع على آخر الأخبار وأمامها لا يزال كشك الصحف الذي يحرص صاحبه على عرض مختلف الصحف والمجلات كالعادة ومنذ أكثر من 20 عاما. مفارقة تبدو غريبة للشابة التي اعتادت قراءة الأخبار على شبكة الانترنت، فيما يتفحص العجوز الواقف أمامها عناوين الجرائد قبل أن يختار الصحيفة ذات العناوين الأكثر إثارة وجدلا. وتقول سعاد "كنت أخاف في السابق من الشارع الذي كان حكرا على النخبويين" وتضيف "أما الآن، أشعر أن الشارع للجميع ولا يميز بين مثقف من الجيل القديم وشاب جامعي من الجيل الجديد."

شارع الحمرا ...لا ينام، لا نهارا ولا ليلا

وتستقطب الحياة الليلية في شارع "الحمرا" محبي السهر، خاصة منهم الشباب، إلى درجة أنه تحول إلى قلب نابض في بيروت لا يعرف النوم. وتعتبر حانة "الريغستو"، التي تفتح نهارا وليلا في شارع الحمرا الرئيسي، امتدادا تاريخيا لحانة خاله "الشي أندريه". ويقول آرتور شيرفانيان أن حانته هي نسخة بطابع عصري لحانة خاله التي أقفلت قبل عدة سنوات، ليجد الشاب الأرميني الأصل حلمه يتحقق بفتح حانة مشابهة لها على بعد أمتار قليلة.

"هذا إرث عائلي تاريخي كان لا بد من المحافظة عليه والاستفادة منه خاصة أن الحمرا هي أحلى الشوارع البيروتية"، يقول آرتور الذي يشير إلى أن المنافسة بين حانات الشارع كانت ضعيفة قبل بضعة أعوام. أما الآن ف"التنافس أصبح أقوى بحكم العدد المتزايد للحانات الليلية التي يفتتحها المستثمرون الجدد"، على حد تعبيره.


ويؤكد آرتور على أن "الريغستو"، على الرغم من أنها الحانة الوحيدة التي تحافظ على الطابع التقليدي القديم، إلا أن زبائنه هم خليط "من الجيل القديم والجيل الجديد". ويلفت إلى أن المعرفة الشخصية، التي تربطه بقدامى مرتادي الشارع والعلاقة الإنسانية التي بناها معهم إضافة إلى تمكنه من اجتذاب الجيل الجديد من خلال الخبرة التي كونها عبر السنوات والسعر الجيد، هي كلها عوامل تميز حانته وتتيح لها أن تكون بالمراكز الأولى بين حانات الشارع.


الحمرا - "بيتي الثاني"...و"مورد رزقي"

"بيتي الثاني" بهذه العبارة يصف وسام ابراهيم تردده الكثيف على حانات الشارع، لافتا إلى أنه يقضي وقتا فيها أكثر مما يقضي وقتا مع عائلته في المنزل. ويعزو وسام ذلك إلى أن الحمرا يعتبر بمثابة "ملجأه الخاص" يهرب إليه للاستراحة بعد يوم عمل طويل. "في الشارع نفسه تجد مطاعم الفلافل أو المناقيش لعشاء سريع ومتواضع وحانة ليلية تفتح لك أبوابها لنسيان هموم النهار".

من جهته، اختار أحمد حيدر، وهو صحفي مختص في الاقتصاد، قبل فترة قصيرة ترك عمله في إحدى الصحف ليفتتح قريبا وبمشاركة زميل له حانة ليلية في شارع الحمرا. ويؤكد أحمد أن ما دفعه للاستثمار في هذه المنطقة بالذات أنها تستقطب جميع الطبقات الاجتماعية وتستضيف نشاطات ثقافية متنوعة.


ويشير أحمد الذي يقول إنه درس مشروعه بدقة، لسان حاله كما الكثيرين من جيله "نريد مشروعا يعود علينا بعائدات جيدة وبأقل خسائر ممكنة". أما التمويل فيشير أحمد إلى أنه حصل عليه من خلال القروض المصرفية على الرغم من أن نسبة الإيجارات في الشارع ارتفعت ما بين 100 و150 بالمائة . ويرى أحمد أن الحانة الليلية التي سيفتتحها قريبا في الشارع ستكون قادرة على المنافسة بسبب العلاقات العامة التي بناها هو وزميله، بحيث يقول "هذا ما قد يشكل نقطة مركزية في نجاح مشروعنا".


دارين العمري – بيروت

مراجعة: شمس العياري

حقوق النشر: دويتشه فيله 2011