مصر- ''محاكمة القرن'' تستعيد زخمها

عاد الزخم مجددا لـ "محاكمة القرن"، بعد 7 أشهر من انحسار الاهتمام الإعلامي. وعاد السجال على أشده بين محامي أسر المتظاهرين المقتولين، ومن وصفهم البعض بـ "شبيحة" النظام السابق، من أنصار الرئيس المخلوع حسني مبارك. أميرة محمد من القاهرة والمزيد من التفاصيل.



في أكاديمية الأمن (مبارك سابقا)، التي يتخرج منها رجال الشرطة سنويا، كانت المفارقة أن يحاكم الرئيس السابق حسني مبارك، ووزير الداخلية حبيب العادلي بتهمة إصدار أوامر لـ "الشرطة" بقتل المتظاهرين. اختير هذا المكان شبه الصحراوي النائي، شرق القاهرة، لتعقد فيه "محكمة جنايات القاهرة" جلسات "محاكمة القرن" لدواع أمنية بعيدا عن زحام العاصمة. وتبحث المحكمة التهم المنسوبة لـ 11 مسؤولا من النظام السابق، هم الرئيس المخلوع ونجليه، ورجل الأعمال الهارب حسين سالم، ووزير الداخلية، و6 من مساعديه، في قضيتي إهدار المال العام، وقتل المتظاهرين أثناء ثورة 25 يناير.


"المفارقة الأكبر أن الأكاديمية تخرج دفعات من الشرطة كانت تحمل اسم شخص واحد، في إشارة واضحة للجهة التي كانت تدين لها بالولاء طوال السنوات الماضية".. هكذا عقب سائق الحافلة التي تقل الصحفيين من البوابة الخارجية الرئيسية إلى مبنى القاعة (مدرج طلاب) الذي تجرى فيه المحاكمة. الإجراءات الأمنية في هذه الجلسة كانت فوق العادة، أعادت للأذهان أجواء الجلسة الأولى التاريخية. فمن أربعاء 3 أغسطس 2011 إلى أربعاء 22 فبراير 2012، انحسرت الأضواء كثيرا عن محاكمة القرن، لاسيما بعد قرار منع البث التلفزيوني في الجلسة الثانية، نتيجة لما شهدته من أحداث مؤسفة بين محامي أسر المتظاهرين المقتلولين، المدعين بالحق المدني، من جهة، وأنصار الرئيس السابق من جهة أخرى.


مجندو الأمن المركزي.. دروع بشرية

د ب ا
(صورة من الأرشيف) إجراءات أمنية مشددة لتأمين محاكمة كبارك ونجليه وعدد من كبار المسؤوليين

​​إضافة إلى تعزيزات الأمن المركزي، وسيارات الإسعاف، تحسبا لوقوع اشتباكات، مرورا بالتفتيش الذاتي والتدقيق في فحص المتعلقات، يتم نشر عدد كبير من مجندي الأمن المركزي في زي مدني داخل القاعة وبين الحضور. اللافت أن هؤلاء المجندين يثيرون تعاطف الحاضرين أكثر من خوفهم، إذ عادة ما يبدو عليهم الإعياء والإرهاق من طول انتظارهم في 6 صباحا. هذا ما أكده "مازن"، الذي اختيرت كتيبته لحماية قفص المتهمين. يقول مازن لـ DW عربية، على استحياء، عبر سور حديدي يفصل بينه وبينا: "يتم إحضارنا إلى هنا منذ ساعات الفجر الأولى لتأمين وفض أي اشتباك محتمل بين أنصار مبارك ومعارضيه"، قالها سريعا ونظر للأرض قاطعا حديثه، خشية عقاب رؤسائه.


انتهت الجلسة قبل الأخيرة بقرارين تباينت حولهما ردود الفعل، بداية من حجز القضية للنطق بالحكم يوم 2 يونيو المقبل، وهو ما وصفه البعض بـ "المماطلة لحين تلفيق الحكم"، إضافة إلى رفض المستشار أحمد رفعت، رئيس المحكمة، نقل مبارك إلى مستشفى سجن طرة. ورغم أنه كان من المعلوم سلفا أن الجلسة ستخصص للاستماع إلى دفوع المتهمين ومحاميهم للرد على اتهامات النيابة، فاجأ المحامي عبد العزيز عامر، من الحق المدني، المحكمة بطلب رد هيئتها مجددا وهو الأمر الذي أثار جلبة كبيرة بين الحضور، دعت القاضي إلى توجيه نقد لاذع لمحامي الحق المدني، مشيرا إليهم باستياء "هذا هو منظر المحامين الحاضرين عن الحق المدني"، الأمر الذي دعا أنصار النظام أو "شبيحة مبارك"، كما وصفهم أحد رجال الأمن المسؤولين عن تأمين القاعة، إلى التصفيق بشدة، وكيل السباب للمحامين. وعلى الإثر، قرر القاضي رفع الجلسة حوالي ساعة كاملة، دارت خلالها الكثير من المناوشات بين المحامين وعامر، الشهير بأنه "محامي الأزمات"، إذ تسبب من قبل في تأجيل الجلسات طوال شهرين بعدما تقدم بطلب مماثل تم رفضه.

الديب يفتح النار على النيابة.. ويشهر سلاح الفصل بين السلطات


سجال آخر دار بين فريد الديب، محامي مبارك، وأعضاء النيابة، على خلفية قيام الأخيرة بعرض توصية من لجنة الصحة التابعة لمجلس الشعب تفيد بإمكانية نقل مبارك إلى ليمان سجن طرة. وشن الديب هجوما لاذعا على النيابة، رافضا توصية مجلس الشعب "شكلا وموضوعا". ودفع بأنه كان الأحرى بالنيابة أن ترفض تدخل السلطة التشريعية في عمل السلطة القضائية، إعمالا بمبدئي فصل السلطات، واستقلال القضاء. وخلافا لما هو معهود لهيئة النيابة من هدوء، جاء رد المستشار مصطفى سليمان، المحامي العام الأول لنيابة استئناف القاهرة، غاضبا بقوله "لسنا في حاجة لمن يوجهنا ماذا نفعل.. هذا تدخل سافر في شؤوننا". ومن جانبه، انفعل أيضا المحامي العام الثاني مصطفى خاطر من هيئة النيابة، وردد بحدة، "هذا عِرض الجلسة". قالها بينما كان الديب يغادر القاعة، دون سماع تعقيب النيابة، وسط تصفيق أنصار مبارك وهتافاتهم للديب "الله يفتح عليك".


في المقابل، عمد أنصار النظام المخلوع من محامين، يرافقهم ممثل هيئة الدفاع الكويتية، عن مبارك، إلى التشويش بشكل متكرر على محامي الحق المدني وعلى النيابة. ووصل الأمر إلى حد مقاطعة مرافعة المحامي العام الأول، هاتفين "الإخوان تتكلم.. الإخوان تتكلم". وردا على سؤال القاضي عن رغبتهم في التعقيب، أجاب مبارك بصوت متهدج "سأكتفي بما سيقوله الأستاذ فريد". لكن المحامي المثير للجدل نقل عن مبارك رغبته في ختم مذكرة دفاعه عنه ببيت شعر كتبه الشريف قتادة، أمير مكة في القرن الـ 6 الميلادي: "بلادي وإن جارت علي عزيزة.. وأهلي وإن ضنوا علي كراما". وبينما اكتفى نجلا مبارك، علاء وجمال، بعبارة "شكرا سيادة الرئيس"، تمسك المتهم حبيب العادلي، وزير الداخلية الأسبق، بحقه في التعقيب، فتلا مذكرة كاملة استغرقت أكثر من ساعة، تناول فيها تاريخه منذ توليه الوزارة في 17 نوفمبر 1997. وكرر العادلي في المذكرة نفيه لقيام الشرطة بإطلاق الرصاص على المتظاهرين، كما نفى إصداره قرار بسحب الشرطة يوم 28 يناير، وجدد تأكيده على أن عناصر من حركة "حماس" الفلسطينية و"حزب الله" اللبنانية هم من فتحوا السجون أثناء المظاهرات.


وفي حديث لـ DW عربية علق خالد بدوي، المحامي عن أسر القتلى، على مذكرة العادلي قائلا إنها "ليست مذكرة دفاع لمتهم، إنما خطاب عيد الشرطة، الذي سرد فيه إنجازاته". وأبدى بدوي استياءه من "زلة لسان القاضي عندما دعا العادلي للدفاع عن نفسه مناديا إياه: اتفضل يا حبيب بيه". لكن بدوي أكد بالنهاية أنه "مجرد زلة لسان لا تعني أنني أشكك في نزاهة المحكمة".


بدوي: مذكرة العادلي خطاب لعيد الشرطة وليست دفاعا

د ب ا
(صورة من الأرشيف) المحامي خالد بدوي: أتوقع قرار إدانة، وأستبعد البراءة أو الإعدام

​​وعن توقعاته للحكم، قال المحامي إن "المستشار رفعت بيننا منذ 30 عاما، ويعلم أنه إذا كان مبارك يحاكم على جريمتين فقط، فإنه مسؤول في واقع الأمر عما هو أكثر. لذا، أتوقع قرار إدانة، وأستبعد البراءة أو الإعدام. أعتقد أنه سيحكم عليه بالحبس 15 عاما، علما بأنه سيكون لديه فرصتان للاستئناف، يمكن خلالهما تخفيف العقوبة. بل ويمكن أيضا أن يصدر الرئيس القادم قرارا بالعفو عنه". وشدد "أما المستحيل فهو أن تتم تبرئته في ساحة المحكمة".


في المقابل، أعرب علي الجمل، محامي المتهم إسماعيل الشاعر، مدير أمن القاهرة، عن أمله في حصول جميع المتهمين على البراءة. وقال لـ DW عربية: "إذا تم تطبيق القانون سيحصل المتهمون على البراءة". وبسؤاله عن مغزى كلمة "لو" وما إذا كانت تعني أنه ربما يشكك في نزاهة المحكمة، سارع بالرد "لو لا تعني التشكيك، لكن يجب أن ندرك أننا في ظل محاكمة غير عادية، صحيح أن القاضي ينأى بنفسه عن المشهد السياسي، وكل التأثيرات الممكنة من حوله، لكن ربما يرى القاضي في أوراق القضية دوافع، لم نرها نحن، لإدانة المتهمين". ومضى قائلا "في حالة الإدانة، القاضي سيكون ملزما بتوضيح دوافعه لهذا الحكم، أما التبرئة فيمكن أن تصدر لمجرد وجود شك لدى القاضي بأن المتهم غير مذنب، انطلاقا من القاعدة القانونية بأن كل إنسان برئ حتى تثبت إدانته".

 

القاهرة – أميرة محمد
مراجعة: طارق أنكاي
حقوق النشر: دويتشه فيله 2012