محور القاهرة ـ أنقرة بدلا من القاهرة ـ الرياض؟

أحدث الربيع العربي تغييرا كبيرا في الخارطة السياسية الشرق أوسطية، فمراكز قوى كالسعودية وإيران قد تكون في طريقها إلى الاضمحلال لصالح مصر وتركيا ، تُرى هل سينشأ بموجب ذلك محور القاهرة ـ أنقرة بدلا من القاهرة ـ الرياض؟ حسن حسين في إجابة عن هذا السؤال.



يتوقع عدد من المحليين أن تضع تطورات الربيع العربي في العديد من الدول، وأبرزها مصر الخارطة السياسية الحالية في الشرق الأوسط في مهب الريح. في هذا الإطار يشير صعود قوى الإسلام السياسي في مصر وتونس والمغرب، وتولي المجلس الوطني الليبي نهجا إسلاميا للمرحلة المقبلة، إلى ظهور محور إسلامي معتدل يتجاوز الأطر الطائفية القائمة حاليا. وقد يؤدي ذلك إلى انتهاء دور إيران والمحور الذي تشكله مع سوريا، إذا ما نجحت الانتفاضة السورية التي يلعب الإخوان المسلمون فيها دورا لا يُستهان به. و مهما كان الأمر، فالعالم العربي القديم قبل الربيع العربي لم يعد قائما على حد تعبير عمرو موسى، الأمين العام السابق للجامعة العربية.

وربما يشهد العصر الجديد في الشرق الأوسط اضمحلالا تدريجيا لنفوذ القوى التقليدية المتنافسة في المنطقة، مثل إيران والمملكة العربية السعودية، مقابل تعظم نفوذ محور جديد يجمع القاهرة مع أنقرة حسب رأي الباحث المغربي الدكتور محمد ظريف. ورأى الباحث في حديثه مع دويتشه فيله بأن التغيير المرتقب سيكون بطيئا وتدريجيا وسوف يمر بمرحلتين على الأقل. وستكون المرحلة الأولى من التغيير "مخصصة لترسيخ القوى الصاعدة الجديدة لدعائم سلطتها لتي اكتسبتها عن طريق صناديق الاقتراع"، قبل أن تنطلق إلى الإسهام في وضع أسس منظومة سياسية واقتصادية واجتماعية إقليمية، وهذا ما ستتميز بها المرحلة الثانية من التغيير. وربما يستغرق الأمر عدة دورات تشريعية.

انهيار مفاهيم الأنظمة السابقة


الصورة د ب ا
هل يفرز الربيع العربي محورا إسلاميا يتجاوز الأطر الطائفية؟

​​
يقول الدكتور محمد ظريف إن التغيير بدا "بانهيار مفاهيم الأنظمة السابقة، التي حكمت دول الربيع العربي لعقود طويلة". وأحد ابرز هذه المفاهيم تمثل في "أن لا بديل للأنظمة القائمة". ما يعني عمليا وفق مفهوم الحكام السابقين "أن الانتخابات التشريعية الديمقراطية المطلوبة ستدفع بالقوى الظلامية المتشددة، والمعادية للغرب إلى دفة السلطة". المفهوم الثاني تمثل في " أن الشعوب العربية ليست بحاجة إلى الديمقراطية والتعددية السياسية، بل بحاجة إلى الخبز والعمل والسكن". من هذا المنطلق، ووفق رأي الباحث ظريف، أسست الأنظمة العربية السابقة، وبناء على هذين المفهومين، "لنظام اقتصادي تنموي، مع تغييبها لكل شيء له علاقة بالسياسة من أجل بقائها في السلطة". لكن الثورات العربية قضت على هذه المفاهيم. و يضيف الباحث المغربي محمد ظريف " أن الأنظمة العربية الاستبدادية كانت تصور القوى الإسلامية، أمام الغرب والرأي العام الداخلي، كجسد واحد متجانس ومتماسك، فيما أفرزت الانتخابات التشريعية في دول الربيع العربي، أو على الأقل في مصر وتونس والمغرب، قوى إسلامية متناقضة في الشكل والمضمون". وهو أمر ألغى الصورة النمطية السابقة، ولو إلى حين، فهناك قوى إسلامية معتدلة وأخرى متطرفة، كما يشير محمد ظريف.


ويلاحظ الكاتب المغربي ظريف أن الخطاب السياسي للإسلام المعتدل أو الليبرالي قد طرا عليه تغيرات ملحوظة. ويضيف في هذا السياق "ان الأحزاب الإسلامية، على الأقل في تونس والمغرب قد تبنت بعض مفردات خطاب العلمانيين أو الليبراليين". فالحديث لا يجري عن تطبيق الشريعة بحذافيرها، بل الاستفادة منها كمصدر للتشريع، إلى جانب مصادر أخرى. وعلى هذا الأساس يعتقد الباحث ظريف بأن "المنطقة مقبلة على تغيير كبير، وإن كان تدريجيا، لكنه يشير إلى ظهور كتلة إسلامية معتدلة في المنطقة تلعب دورا إقليميا بارزا في المستقبل.

قوى حاكمة جديدة في محاور قديمة

الصورة دويتشه فيله
هل يخرج ثوار سوريا بلدهم من دائرة النفوذ الإيراني؟

​​أما المحلل والإعلامي المصري ياسر عبد العزيز فيختلف مع الكاتب المغربي الدكتور محمد ظريف في العديد من الجوانب حول مستقبل الشرق الأوسط. يرى عبد العزيز "أن صعود القوى الإسلامية في مصر لن يغير الخارطة السياسية في العالم العربي بشكل جوهري، بل ربما سيساهم في ترسيخ ما هو قائم من تحالفات، ولكن وفق مفاهيم جديدة. ويقول عبد العزيز في هذا السياق في حديثه مع دويتشه فيله: "من الصعب القول إن الإسلاميين باتوا يتحكمون بمصير البلاد، حتى وأن حصلوا على الأغلبية في انتخابات مجلسي الشعب والشورى، لأن في مصر مسارين، الأول هو مسار الانتخابات، والثاني هو مسار الدولة ودور الجيش فيها". ويضيف عبد العزيز بأن "الجيش المصري لا يزال يملك كلمة حاسمة فيما يخص مسار الدولة والحكومة، ويبدو أنه سيحافظ على دوره في المستقبل القريب".

وعلى هذا الأساس، ووفق رأي عبد العزيز، فأن القوى الفاعلة في مصر متعددة الأطراف، فهي تتمثل في قوة الأحزاب الفائزة بالانتخابات وفي قوة الجيش المصري الذي يحكم البلاد، إلى جانب قوى الشارع المصري التي فجرت الثورة وأطاحت بنظام حسني مبارك. إذن حكم مصر سيكون وفق "مساومة" سياسية بين القوى الثلاث في البلاد.

"لا تغيير في دور مصر"

من هذا المنطلق لا يتوقع ياسر عبد العزيز أي تغيير في الخارطة السياسية الإقليمية. وحسب رأيه فأن القوى الإسلامية الصاعدة في البلد ستلاحظ آجلا أم عاجلا بأن "الشعارات التي رفعتها في مرحلة المعارضة والتعبئة الانتخابية لا يمكن تحويلها إلى واقع عملي في مرحلة تولي مسؤولية الحكم في مصر". ويشير المتحدث المصري إلى الأوضاع الخاصة التي تفرض على أي حكومة مصرية الالتزام بوعودها الدولية والإقليمية. وهو أمر يوفر لمصر المساعدات الدولية الجارية. و يتابع عبد العزيز " أنه من غير المتوقع أن تغيير مصر نهجها الإقليمي في ظل حكومة يغلب الإسلاميون عليها".

وعلى غير ما يتوقع المحلل محمد ظريف يرى عبد العزيز بأن محور القاهرة ـ الرياض سيبقى قائما وسيترسخ أكثر بحكم التقارب الإيديولوجي بين حكام طرفي المحور. ويشير إلى أن معظم الدول التي شهدت التغيير في شمال أفريقيا والشرق الأوسط تشكل قوة سنية موحدة في العالم الإسلامي، ما يعني زيادة عزلة إيران في نهاية المطاف. ويعزز رأي عبد العزيز أن القوى الفاعلة في الثورة السورية هي أيضا جزء من القوى الإسلامية السياسية، المتمثلة بالإخوان المسلمين. كما أن ولي عهد المملكة العربية السعودية الأمير نايف معروف بميوله الإسلامية. كل هذه المؤشرات تدل على ظهور جبهة إسلامية سنية تقف بوجه ما يسمى "الهلال الشيعي"، المتمثل بسوريا وحزب الله والعراق وإيران. وبشأن تركيا يرى المتحدث بأن دورها سيكون ثانويا على ضوء الطابع الوطني للثورات العربية.



حسن حسين
مراجعة: ابراهيم محمد

حقوق النشر: دويتشه فيله 2011