هل يجب أن تقود المرأة السيارة أم لا؟

في أعقاب حملة "النساء يقدْن" في المملكة العربية السعودية، تتساءل ناتانا ديلونغ-باس، رئيسة تحرير "موسوعة أكسفورد في الإسلام والمرأة"، فيما إذا كان حق المرأة في قيادة السيارة هو فقط أحد الأمور في قضايا متعددة، أم أنه يشكل حجر الزاوية لحقوق المرأة في المملكة العربية السعودية.



عندما قامت منال الشريف بتحميل شريط فيديو على اليوتيوب تظهر فيه وهي تقود السيارة، وأطلقت حملتها " النساء يقدن" (Women2Drive) على الفيسبوك، اجتذبت أنظار العالم مرة أخرى نحو وضع المرأة في السعودية. قيادة السيارة هي واحدة من القضايا العديدة. الأمر الأكثر أهمية بالنسبة للعديد من النساء السعوديات هو أمنهن وحرياتهن: اختيار أزواجهن ومهنهن، والاعتراف بهن قانونياً كمواطنات وراشدات، ومنع التحرش الجنسي بهن والعنف المنزلي ضدهن، والدعم المؤسسي لحقوقهن المالية والقانونية.

لتحقيق ذلك، كانت هناك حملات عديدة وعرائض تم نشرها على الفيسبوك والرسائل النصيّة والفليكر والواتس أب والتويتر. ولا ينشر ذلك الوعي فقط، بل يقدّم كذلك سبيلاً للناس لضم أصواتهم لقضية مشتركة في بلد تُمنع فيه التظاهرات والاحتجاجات العامة. في العام 2009 وحده، نادت حملات على الإنترنت ليس فقط بحق المرأة في القيادة، وإنما كذلك بالحق في العمل أو إنشاء الأعمال الحرة دون متطلّب الحصول على إذن من ولي أمر ذكر، وأن يكون للمرأة الحق في طلب الطلاق، وجعل الحجاب خياراً شخصياً، ومنع زواج الأطفال.

 

ملامح تحول

الصورة د ب ا
قضايا سفر المرأة وقيادة السيارات من الأمور التي تشل تطور المرأة السعودية

​​

ورغم بعض ردود الفعل الشديدة المحافظة، هناك مؤشرات على التغيير لصالح حقوق المرأة. ورغم أن حقوق المرأة في الماضي كانت تبدو أحياناً من اهتمامات المرأة السعودية وحدها، إلا أن الرجال السعوديين اليوم، من الملك عبدالله إلى المواطنين العاديين، أعربوا عن دعمهم لتوسيع المساحة العامة وأدوار المرأة السعودية. وقد قام الملك بإنشاء أول جامعة مختلطة، وتعيين مستشارات في الحكومة والمحاكم وتوسيع فرص العمل للمرأة في القطاع العام. وقد قاد ناشطون من الرجال أمثال هلال الحارثي وعبدالله العلمي حملات العرائض لإظهار الرجال والنساء الذين يساندون حق المرأة في قيادة السيارة. وقام محمد القحطاني حتى بالجلوس إلى جانب زوجته مها وهي تقود السيارة كجزء من الحملة شهر حزيران/يونيو ضد منع القيادة.

وبينما ولّدت التظاهرات لصالح القيادة عام 1990 في الرياض الصدمة والمعارضة والاعتقالات وطرد بعض النساء من وظائفهن، يقوم الرجال والنساء السعوديون اليوم بشكل مفتوح بالتوقيع على عرائض تُقدم للديوان الملكي ومجلس الشورى لتأييد حق المرأة في القيادة. وقد وافق بعض كبار علماء الدين، أمثال الشيخ قيس المبارك والشيخ عبدالله المطلق، على قيادة النساء للسيارات.

وقد صرح حتى عبدالله بن محمد بن إبراهيم الشيخ، رئيس مجلس الشورى رسمياً أن المجلس سوف يبحث في القضية إذا طلبت الحكومة أو المجلس ذلك. ورغم أن هذا لم يحصل بعد، إلا أن المجلس وافق مؤخراً على مسودة قرار يسمح للمرأة بالتصويت في الانتخابات البلدية المستقبلية، الأمر الذي يشير إلى استعداده لتوسيع دور المرأة في الحياة العامة. وقد أدى ذلك بالكثيرين لأن يأملوا أن يتعامل المجلس مع قضية قيادة السيارات قريباً.

كذلك لعبت التكنولوجيا دورها، فقد تم تحميل أشرطة فيديو على اليوتيوب منذ أن قامت وجيهة الحويدر بتحميل شريطها في العام 2008. فقد أدت حملات إلكترونية أخرى، مثل حملة "نحن النساء" (We the Women) التي تقوم بها أريج خان، الناشطة في مجال حقوق المرأة السعودية، بتوسيع مجال الحوار. إلا أن الجدل لم ينتشر انتشار النار في الهشيم إلا بعد أيار/مايو 2011 عندما اعتُقلت منال الشريف لقيادتها السيارة.

حق طبيعي

لا تطالب نساء حملة "النساء يقدن" (Women2Drive) بإسقاط الحكومة، وهن لا يرفضن دينهن أو ثقافتهن. إنهن ببساطة يحاولن أن يكنّ أمهات وموظفات ومواطنات فاضلات صالحات على أفضل وجه. وهذا يعني وجوب استطاعتهن القيادة، وبأمان وانتباه، وهن يلبسن حزام الأمان، للوصول إلى مكان عملهن وللاهتمام بأطفالهن وإتمام مهمات حياتهن اليومية. ليس الأمر عن التشبّه بالغرب أو أجندات الحركات النسوية أو الثورة الجنسية. الأمر يتعلق فقط بالذهاب إلى دكان البقالة أو السوبرماركت على سبيل المثال، دون الاعتماد على أحد آخر.

بعد قول هذا، فإن مجرد إعطاء المرأة الحق في قيادة السيارة لا يحل المشكلة بشكل فوري. تحتاج النساء لمدارس تعليم القيادة، ودوائر يستطعن فيها التقدم والحصول على رخصة القيادة، وأعمالاً تقدم خدمات الطوارئ للسائقات من النساء. وإذا أخذنا بالاعتبار الحملات المناهضة، مثل حملة "عقال" التي تنادي بضرب المرأة التي تقود سيارة، هناك حاجة أيضاً لآليات سلامة، وخاصة تشريعات تُدين الذين يتحرشون جسدياً أو جنسياً بالنساء اللواتي يقدن السيارات. يتوجب على العالم أن يدرك ما حققته النساء السعوديات حتى الآن، وأن يدعمهن في المطالبة بحقوقهن وإيجاد مؤسسات وآليات لفرضها وإيجادها. يجب الاعتراف بجهودهن من أجل تحريرهن والسماح لهن بقيادة الطريق، حتى يتسنى صنع القرارات السعودية حول القضايا السعودية. لقد انطلقت حملة Women2Drive من قِبَل ولأجل النساء السعوديات للاستمرار في توسيع مشاركتهن في المجتمع السعودي.

وهذه خطوة أقرب باتجاه مقعد القيادة.

 

ناتانا ديلونغ-باس

حقوق النشر: خدمة الأرضية المشتركة الإخبارية 2011 

 

الدكتورة ناتانا ديلونغ-باس هي رئيسة تحرير موسوعة أكسفورد للإسلام والمرأة، ومؤلفة "الإسلام الوهابي: من النهضة إلى الجهاد"، ومؤلفة مشاركة لكتاب "المرأة في قانون الأسرة الإسلامي" (مع جون إسبوزيتو). وهي تدرّس علوم الدين المقارنة في كلية بوسطن.