دعاة إصلاح أسري؟

أثار مشروع القانون الجديد الخاص بشؤون الأسرة والزواج والمزمع إقراره في أفغانستان موجة من الاحتجاجات الدولية. أمَّا الانطباع الذي تكوَّن نتيجة لذلك بأن الشيعة في أفغانستان يعتبرون من الإسلامويين المتشدِّدين فهو باطل يراد به التضليل وفق مارتين غيرنر الذي كتب هذا التقرير من كابول.

هذا الكتاب من مكتبة جامعة الكتاب هو تفسير عصري لممارسة الحياة الزوجية حسب الشريعة الإسلامية

​​ "هذا النص يصف شروط الزواج الذي يؤدِّي فيه الزوج واجباته تجاه زوجته ويحترمها. وكجزء من عقد الزواج يوافق الزوج على أنَّ لزوجته الحقّ في مواصلة التعليم. وهو يساعدها في أعمال البيت (...) وفي حالة الطلاق يتم تقسيم الأملاك بين الزوج والزوجة بالتناسب (...) وفي هذا الكتاب يتم ذكر شروط الحياة الزوجية الناجحة".

يرد هذا النص في كتيِّب صغير يوجد في مكتبة جامعة الكتاب في كابول. فهذه الجامعة متأثِّرة بالمذهب الشيعي وتقريبًا كلّ ما هو مكتوب في هذا الكتيِّب الصغير يتناقض بوضوح مع العناوين السلبية التي كتبت في الأسابيع الأخيرة حول شيعة أفغانستان وحول قانون الأسرة والزواج المثير للجدل.

علم الاجتماع والفلسفة بدل الشريعة

يقوم الغرب بتبسيط الأمور؛ إذ تتم مساواة مجموعة صغيرة من رجال الدين المتطرِّفين مع بلد بكامله ومع مجموعة مواطنيه التي ربَّما تكون المجموعة الأكثر تقدّمًا في هذا البلد. ولكن في الحقيقة يتبنَّى شيعة أفغانستان الذين ينتمي القسم الأكبر منهم إلى أقلية الهزارة العرقية آراء منفتحة نسبيًا في قضايا الأخلاق الاجتماعية. وجامعة الكتاب التي تم تأسيسها قبل عام واحد فقط هي أشبه برأس حربة الشيعة ذوي التوجّهات العلمانية في أفغانستان.

جامعة الكتاب في كابول، الصورة: غيرنر
مؤسسة تعليمية شيعية علمانية مؤثِّرة - جامعة الكتاب في كابول

​​ وتوجد في مكتبة هذه الجامعة بجانب الكتب الخاصة بالقانون المدني أيضًا كتب من تأليف الفيلسوف الألماني نيتشه. ويدرس في هذه الجامعة سبعمائة طالب وطالبة علم الاجتماع والعلوم السياسية والفلسفة والدراسات الإسلامية والقانون. ولا يتم هنا بالذات تدريس الشريعة وتفسيرها.

نضال الشيعة من أجل سيادة التفسير

ويقول محمد أحمدي رئيس جامعة الكتاب بلهجة لطيفة: "يشكِّل الشيعة في أفغانستان مجموعة دينامية ونحن لا نسمح بأن يتم تشويه هذه الصورة من خلال قانون الأسرة والزواج الجديد". وكذلك يصف الرئيس جامعته بأنَّها عنصر فعَّال ومهم في النزاع الدائر حاليًا حول قانون الأسرة والزواج. وقد حاول قبل بضعة أشهر هو وزملاؤه التخفيف من حدّة الفقرات المثيرة للجدل وتعديلها. ويقول محمد أحمدي إنَّ البرلمان ووزارة العدل والقصر الرئاسي شاركوا في المحادثات.

ويضيف محمد أحمدي أنَّ صيغة نص القانون المعدَّلة قليلاً والتي تقرّ للمرأة بوضوح حقّها في ترك البيت بمحض إرادتها ما تزال حتى يومنا هذا غير منشورة في الجريدة الرسمية. ويقول إنَّ "الرئيس حميد كرزاي يخشى من الدخول في نزاع مع المحافظين. كما أنَّ لديه بالإضافة إلى ذلك مستشارين ضعفاء. وكذلك إنَّ ما أعاد لحركة طالبان قوَّتها هو سياسة المصالحة التي ينتهجها حميد كرزاي تجاه رجال الدين المحافظين من الشيعة والسنَّة.

تأثير من طهران

ويقابل جامعة الكتاب العلمانية "معهد خاتم النبيين" الذي يقع على بعد بضعة مئات من الأمتار. ويٌقال إنَّه يتم تمويل هذا المعهد الكائن في مبنى فخم تعلوه قبة مزيَّنة ببلاط أزرق وتطل على جميع أرجاء حي البرلمان بأموال إيرانية وحسب. والآمر الناهي هنا هو آية الله محسني الذي يسمي نفسه زعيم الشيعة في أفغانستان؛ بيد أنَّه لا يتمتَّع في الحقيقة بدعم السكَّان الشيعة، الأمر الذي تدَّعيه على الأقلّ أوساط معنية في كابول.

الفيلسوف الألماني نيتشه في كابول - تحتوي مكتبة جامعة الكتاب الشيعية على مجموعة واسعة من الكتب

​​ ويقول على سبيل المثال علي كريم الذي يعمل مدرِّسًا في جامعة كابول إنَّ "غالبية الشيعة الأفغانيين يرفضون مطالبة محسني بزعامتهم؛ فهو كان في الماضي من المقاتلين المجاهدين، كما أنَّه ينتمي إلى البشتون. وأصله مثل الرئيس حميد كرزاي من قندهار. ومعظم الشيعة الأفغانيين ينتمون إلى أقلية الهزارة العرقية وهم لا يثقون فيه".

وعلي أميري الذي يعمل في جامعة الكتاب يشاطر علي كريم رأيه هذا ويقول: "محسني يؤيِّد تفسير الإسلام تفسيرًا إيديولوجيًا سياسيًا مثلما يمارس ذلك في إيران. وقد عاش في منفاه في إيران عشرينًا عامًا".

"سيتم إجراء الإصلاح"

تأثير من الجارة الواقعة في الغرب؟ يُقال إنَّ إيران تموِّل "معهد خاتم النبيين" في كابول

​​ علي أميري وزملاءه واثقون من أنَّه سوف يتم تعديل القانون والتخفيف من حدَّته حتى الشهر المقبل؛ إذ يقول: "مثلما تبدو الأوضاع فسيتم إجراء الإصلاح. ونحن واثقون من ذلك". وتشير إلى ذلك المحادثات الأولى التي تم إجراؤها مع سياسيين مؤثِّرين ومع لجنة التوفيق وكذلك مع وزير العدل. ومن المفترض طبقًا لذلك إسقاط عشر مواد من نص القانون، بما في ذلك الفقرات المثيرة للجدل، وبالإضافة إلى ذلك من المفترض إعادة النظر في عشرين مادة من مواد هذا القانون.

وبالإضافة إلى النقاط التي تثير اهتمامًا دوليًا تكافح جامعة الكتاب بشدّة في سبيل إقرار عدد من الحقوق مثل حقّ المرأة في اختيار زوجها بصرف النظر عن رغبة والدها. وكذلك يندرج على قائمة الحقوق التي تكافح الجامعة من أجل نيلها الحقّ الثابت في ملكية الأراضي التي يملكها أشخاص يعتبرون مدمنين على المخدِّرات.

هوية شيعية "جديدة"

ويؤيِّد جميع الأساتذة الجامعيين العاملين في جامعة الكتاب تفسير الإسلام تفسيرًا حديثًا وعقلانيًا. ويقول علي أميري: "لدى الشباب الكثير من الأسئلة التي يوجِّهونها إلى الإسلام ودينهم الخاص"، ويضيف: "يجب علينا إقناعهم بالحجج وليس بالتقاليد والطقوس الدينية". ويستشهد مدير جامعة الكتاب، محمد أحمدي بتعاليم القرآن الذي يستشهد به أيضًا خصومه، حيث يذكر أنَّ "القرآن الكريم يقول »كن حسنًا مع زوجتك«". وعليه يبدو كأنَّما بدأ منذ فترة قريبة الخوض في جدال حول تكوين "هوية شيعية جديدة" في أفغانستان.

مارتين غيرنر
ترجمة: رائد الباش
حقوق الطبع: قنطرة 2009

مارتين غيرنر صحفي مختص بالشؤون الأفغانية. زار أفغانستان في الأعوام الماضية عدة مرَّات وأعدّ من هناك تقارير لصالح مؤسسات إعلامية ألمانية مختلفة، مثل إذاعة دويتشلاندفونك والتلفزيون الألماني الغربي وصحيفة زوددويتشه تسايتونغ.

قنطرة

استراتيجية بديلة لأفغانستان:
العراق نموذجا لأفغانستان؟
يرى غيدو شتاينبرغ، الباحث في شؤون الشرق الأوسط، أن الاستراتيجية الأمريكية الجديدة في أفغانستان تحتم على الأوروبيين اتخاذ قرارات مهمة تصب في دعم رؤية أوباما بشأن الصراع في هذا البلد، متسائلا في الوقت ذاته عمّا إذا كانت الاستراتيجية الأمريكية في العراق يصلح تطبيقها في أفغانستان.

الحرب في أفغانستان:
حدود القدرات الاستراتيجية للحلف الأطلسي
تشكل الحرب الدائرة في أفغانستان تحديا كبيرا بالنسبة لحلف شمال الأطلسي. فرصيد النجاح الذي حققته قوات كل من الناتو والائتلاف في كفاحها القائم ضد حركتي طالبان والقاعدة يتسم بالضآلة. مقال بقلم تيمو نوتسيل وسيبيللي شايبرز

المصوِّرة الإعلامية أورسولا مايسنر:
"أفغانستان - ورد وخشخاش وثلاثون عامًا من الحرب"
تقوم المصوِّرة الإعلامية الألمانية أورسولا مايسنر منذ منتصف الثمانينيات بجولات عبر أفغانستان، حيث رافقت المجاهدين متنكِّرة بزيِّ رجل طيلة أسابيع عبر المناطق الجبلية. وهذه المصوِّرة الألمانية خبيرة بهذا البلد وتجتاز بصورها المظهر الخارجي للحرب الدائرة فيه. بترا تابيلينغ أجرت معها الحوار التالي.