بين المطرقة والسندان

يقدم مخرج الأفلام الوثائقية الأميركي جيمس لونغلي، في فيلمه "أم سري" صورة حية لصراع فتى صغير يدعى سري ووالدته للبقاء على قيد الحياة في ظل الارهاب والفقر. تقرير من بيترا تابلينغ

الأم مع ابنها سري، مشهد من الفيلم، الصورة: iraqinfragments.com
الأم مع ابنها سري، مشهد من الفيلم

​​

في مكان ما في قرية عراقية قرب بغداد، يتمدد الفتى ذو العشر سنوات منهك متعب على الأرض المليئة بالغبار. تمسك أمه بذراعه وتتكلم معه بصوت عال. يلملم الفتى الصغير نفسه ويقوم متثاقلاً، يتحرك بمشقة، وعلى وجهه ارتسمت علامات الألم.

من يقترب منه يرى جسمه المليئ بالدماميل ويعرف ان هذا المفتى مصاب بمرض عضال. أذنه ألتهمها المرض، وجهه وذراعيه ويديه كلها مليئة بالطفح الجلدي.

يصور لونغلي في الفيلم الوثائقي "أم سري" (22 دقيقة) الحياة اليومية الشاقة لأم عراقية، التي تحاول رغم الحرب والاحتلال انقاذ حياة ابنها سري الذي أصيب بمرض الإيدز عن طريق نقل دم ملوث.

صعوبة توفر العلاج

العائلة فقيرة، تعيش في كوخ من الطين في مزرعة بالقرب من المحمودية جنوب بغداد. تكسب العائلة قوتها من العائد الزهيد من بيع الحليب والزبدة. تعتني ام سري بجراح ابنها وتخفف عنه عندما يصرخ من الألم ويكون على حافة فقدان الوعي من شدة الألم. أخوته الثمانية يقفون مكتوفي الأيدي ليس بيدهم حيلة. أمه تغني له وتحاول رغم كثرة مشاغلها وقلة وقتها ان توليه اهتماماً خاصاً.

تحاول ان تكون قوية، فهي لا تملك دواء مضاداً للفيروس. أقرب مستشفى في بغداد تفصلها عنه مسافة بعيدة. ولكنها رغم ذلك تتحمل مشاقها وتذهب بصحبة ولدها سري الذي لا يزيد حجم جسمه عن جسم فتى في الخامسة من عمره لتسمع من السلطات العراقية ان كل علاج لإبنها سدى لا أمل منه.

جمع المخرج الشاب المستقل (34 سنة) المواد لفيلمه هذا وفيلم آخر "العراق في شذرات" بين عام 2002 و2006 في العراق.

يظهر الفيلم أشخاصاً يحاصرهم العنف والصراعات الدينية والتغيرات الجذرية في بلادهم. ويقول لونغلي إن: "هذا الفيلم يذكر بالقصص الإنسانية في العراق التي يُغض النظر عنها دائماً للأسف. العراق، رغم كل شيء، بلد يقطنه أشخاص كثيرون لا تهمهم الجدالات السياسية. لديهم حياتهم وهمومهم الخاصة وطرقهم في معالجتها والتغلب عليها. يوماً ما لا بد ان تنسحب القوات الأميركية، إلا أن هموم العراقيين باقية. فيلمي يدور حول أولئك الأشخاص."

نال لونغلي عدة جوائز عديدة عن عمله الرائع هذا، منها جائزة مهرجان الأفلام سندانس في أميركا، وقبل أسابيع قليلة تم عرض فيلمه "العراق في شذرات" في مهرجان أفلام حقوق الانسان في برلين.

"ام سري" هو أحدث أفلام جيمس لونغلي عن العراق الذي عرض لأول مرة أمام جمهور أوروبي في مهرجان الفيلم الوثائقي العالمي لهذه السنة في أمستردام.

التوعية شبه معدومة عن مرض الايدز

رافق لونغلي سري وعائلته لمدة سنة، مع بعض التقطعات. كان العمل في هذا الفيلم محفوفاً بالمخاطر أحياناً. ويقول لونغلي إنه "في ربيع 2004 تلقى تهديدات بالقتل من قبل رجال المقاومة المحليين من أجل ايقاف التصوير حيث تعيش العائلة. عندها اضطررت لوقف التصوير، ولكني تمكنت من تصوير مشاهد أخرى مع سري ووالدته في مستشفى بغداد وفي بعض الوزارات."

مرض ضعف المناعة المكتسبة من المواضيع المحرمة في العراق. وتنتقد المنظمات المحلية أنه تقريباً لا يوجد حملات توعية عن هذا المرض. حسب تقديرات مكتب الأمم المتحدة لمرض الايدز هناك حالياً حوالي مائة حالة مسجلة رسمياً، ولكن العدد الحقيقي أعلى بكثير.

ويتابع لونغلي "لم أكن أريد ان أعمل فيلماً عن مرض الإيدز في العراق، إذ أنها لا تعتبر من المشاكل الكبيرة هناك نظراً للعدد القليل للمصابين به. كنت أريد أن أُظهر كيف ان المرء لا قوة له ولا حيلة في ظل النظام الصحي المأساوي."

إلا أن فيلم "ام سري" ليس فيلماً يائساً، فهو يظهر مدى قوة حب الأم لولدها وشجاعتها رغم بساطتها وقدرتها على مواجهة السلطات في بغداد بطلبها البسيط للمساعدة. ام سري تعرف أنها في معركة مع الوقت، وتقول "قيل لي ان كل ما بوسعي فعله هو ان أستغل كل لحظة، ولكن يبدو ان هذا لا يكفي."

بقلم بيترا تابلينع
ترجمة منال عبد الحفيظ شريده
حقوق الطبع قنطرة 2006

قنطرة

الفيلم الوثائقي العربي في مهرجان لايبتسيغ السينمائي
17 فيلما من المغرب ولبنان والعراق وسوريا وحتى السعودية شاركت في مهرجان لايبتسيغ الدولي للأفلام الوثائقية، ولكن هل ملكت هذه الأفلام ملامح خاصة بها؟

سينمائيون لبنانيون يفتحون في ميونيخ "صندوق باندورا" "
مخرجون مشهورون من لبنان عالجوا في أفلامهم التي عُرِضَتْ مؤخرًا في مدينة ميونيخ ثقافة ذاكرة بلدٍ مزقته ولا تزال تمزقه النزاعات المذهبية والاجتماعية. ولكن كيف نظروا الى الحالة اللبنانية؟

www

فيلم "العراق في شذرات"

مهرجان الفيلم الوثائقي في أمستردام