ضعوا نهاية للإرهاب!

حسن بت ناشط سابق في مجموعة "المهاجرون" الإسلاموية المتطرفة. جريدة الـ"أوبزرفر" البريطانية نشرت له هذا المقال التالي ردا على الهجمات الإرهابية التي وقعت مؤخرا في بريطانيا.

حسن بت، الصورة: أ ب
حسن بت، ناشط سابق في مجموعة "المهاجرون" المتطرفة

​​حسن بت البالغ من العمر 27 عاما ولد في مدينة مانشستر البريطانية عن أب وأم باكستانيين وكان ناشطا في مجموعة "المهاجرون" الإسلاموية المتطرفة. لكنه تخلى في العام الماضي عن أفكار التطرف الديني. جريدة الـ"أوبزرفر" البريطانية نشرت له هذا المقال التالي ردا على الهجمات الإرهابية التي وقعت مؤخرا في بريطانيا.

كنت حتى فترة قليلة مضت عضوا في اتحاد لم يكن متماسك البنيان هيكليا، حيث يتصرف أعضاؤه بصفة شبه مستقلة وكان القاسم المشترك الرئيس فيما بينهم هو أيديولوجيا يمكن أن نصفها على أحسن وجه بأنها شبكة اتصالات تابعة لحركة الجهاد البريطاني.

كنت أنا ورفاقي في تلك المجموعة نضحك بصوت جهوري معبئ بروح الانتصار كلما تبادر إلى علمنا عن طريق قنوات التلفزيون مرة بعد الأخرى الإدعاء بأن المنبع الوحيد الذي تنطلق منه الهجمات الإرهابية الإسلاموية كأحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول أو الهجمات التي استخدمت فيها القنابل في مدريد ولندن ليس سوى السياسة الخارجية التي يمارسها الغرب.

كان هؤلاء المعلقون الصحافيون يتولون بدلا عنا مهمة البروباغندا السياسية من خلال اعتبارهم حكوماتهم (الغربية) بأنها الجهة التي تتحمل ذنب ومسؤولية الأعمال التي نقوم بها. الأهم من ذلك أنهم كانوا من خلال ذلك يصرفون اهتمام القراء عن الجذور والبواعث الحقيقية لأعمالنا تلك وهي على وجه التحديد علوم الدين وفقا لرؤى الإسلامويين.

حتى بعد المحاولات التي وقعت مؤخرا في لندن وغلاسغو بهدف القيام بعمليات اغتيال "استراتيجية الهدف" من خلال استخدام سيارات مفخخة كان من شأنها أن تتسبب في إلحاق الموت والدمار عادت الأضواء تسلط من جديد على السياسة الخارجية الغربية واعتبارها السبب الرئيس وراء تلك الأحداث.

فقد قال عمدة مدينة لندن، كين ليفينغستون، في تعقيب له بثته محطات الإذاعة "لقد دلت تحرياتنا حول أفكار وبواعث الشباب المسلمين الرازحين تحت وطأة الغربة بأن ما يعنيهم من أمر في المقام الأول هو الأحداث الجارية في العراق لا في أفغانستان."

ازدواجية في رؤية العالم

لقد تركت تنظيم شبكة الجهاد في فبراير/شباط 2006 ولو كنت لا أزال عضوا في التنظيم لعدت أقهقه ضاحكا هذه المرة أيضا. كان محمد صديق خان الرأس المدبر للهجمات التي شهدتها لندن في السابع من يوليو/تموز 2005 ينتمي مثلي للتنظيم المذكور، وقد التقينا ببعض مرتين اثنتين. صحيح أن الغضب هيمن على نفوس الكثيرين من الإسلامويين المتشددين في بريطانيا بسبب مصرع أبناء ملتهم في دول أخرى.

لكن هذا الأمر لم يكن الدافع الرئيس للأعمال التي قاموا بها. فالذي دفعني ودفع الكثيرين غيري من رفاقي للتخطيط لأعمال إرهابية سواء في بريطانيا – التي تشكل موطني- أو في غيرها من الدول كان ذلك الشعور الذي ساورنا بضرورة الكفاح من أجل إنشاء دولة ثورية تتولى في آخر المطاف نشر العدالة الإسلامية في كل أنحاء العالم.

لكن ما الذي دفعنا إلى السعي إلى تحقيق هذه اليوتوبيا (المشكوك بأمرها) من خلال اللجوء إلى استخدام العنف على نحو مستديم؟ كيف يبرر غلاة الإسلامويين استخدام مثل هذا الإرهاب باسم الدين؟

ليس في هذه المقالة مجال لتقديم عرض شامل لهذه القضية. لكنني أود الإشارة هنا على الأقل إلى الازدواجية القائمة إزاء صورة العالم الراسخة في أذهان المتطرفين وأفكارهم. قد يتقبل المسلمون على الصعيد الفردي مفهوم العلمنة أو يرفضونه، لكن علوم الدين الإسلامية التقليدية ما زالت لا تسمح في الوقت الحالي على الأقل على عكس الحال لدى الدين المسيحي بالفصل بين الدولة والدين.

ففي مفهوم الإسلام هناك تطابق في المضمون بين الدين والدولة. كما أن تقاليد الشريعة الإسلامية التي مضت قرون عديدة على نشوئها هي التي تملك المرجعية إزاء تحديد العلاقة وطبيعة الصلات بين "دار الإسلام" و"دار الكفر" كما أنها هي المعنية بوضع معايير التعامل في مجالات التجارة والحرب وفي أوقات السلم.

لكن الراديكاليين الإسلامويين يضيفون إلى هذه المبادىء السائدة خطوتين أخريين. في الخطوة الأولى يستخدمون حجة فحواها أنه لا وجود اليوم لدولة إسلامية في المفهوم الحقيقي مما يتعين اعتبار العالم بكامله بمثابة "دار كفر". أما في الخطوة الثانية فهم يقولون إنه طالما تحتم على الإسلام محاربة الكفر تطلب الأمر إعلان الحرب على العالم أجمع.

وقد علمني وعلم الكثيرين غيري من رفاقي السابقين واعظون متشددون في باكستان وبريطانيا بأن هذا التصنيف الجديد للعالم كـ "دار حرب" يسمح بالتالي لكل مسلم بنقض الحقوق الخمسة المقدسة التي ضمنها الإسلام لكل من عاشوا في ظل ولايته وهي الحق في الحياة والملكية والأرض والفكر والإيمان. هذا يعني أن كل الأمور مسموح بها في حال تواصل العيش في دار الحرب بما في ذلك القيام بهجمات جبانة تستخدم فيها روح المكر والغدر ضد المدنيين من الناس.

الأئمة يلتزمون الصمت

هذا الفهم المزدوج للعالم جعل مسلمي بريطانيا يقعون في فك دوامة إشكالية. فقد استغل المتطرفون الإسلاميون على مر عقود طويلة لصالح أغراضهم التوتر القائم بين علوم الدين الإسلامية ومفهوم الدولة العلمانية الحديثة فعمدوا إلى استخدام قوالب الكليشيهات كالبدء في طرح السؤال التالي "هل أنت بريطاني أم مسلم؟"

لكن العامل الرئيس وراء النجاح الذي حققه الراديكاليون يعود بكل بساطة إلى امتناع أغلبية المؤسسات الإسلامية في إنكلترا عن الخوض في الأمور المتعلقة بعلوم الدين في الإسلام. فهذه المؤسسات ترفض التطرق إلى المسألة الصعبة بل الحافلة بالإشكالية في الكثير من الأحوال حول وزن العنف ومدلوله في الإسلام. بدلا من ذلك لا تكل هذه المؤسسات من تكرار كلامها المعهود حول كون الإسلام دينا مسالما وكون الإيمان قضية شخصية أملا منها بأن يؤدي مثل هذا الطرح في النهاية إلى وضع نهاية بشكل من الأشكال لهذا الجدل برمته.

فسح ذلك مجالا واسعا حرا للمتطرفين للخوض في باب الفكر الديني. إنني أدرك ذلك كل الإدراك نظرا لأنني كنت أعمل في السابق على تعبئة أنصار جدد للأفكار الإسلاموية المتطرفة. وقد كنا نشعر بأننا حققنا نصرا أخلاقيا ودينيا كلما طردنا من مسجد ما أو فرض علينا حظر تام بدخوله.

هناك مفكرون خارج بريطانيا تحدوهم الرغبة في التغلب على رجعية النهج الذي قامت عليه سياسة "الخطوتين" هذه. فقد سعى بعض علماء الدين في العالم العربي إلى احتواء الراديكالية الدينية من خلال استخدام حجة تاريخية كالتالي: عندما عمد علماء الشريعة الإسلامية إلى وضع قواعد بشأن شن حرب ما كانوا دوما ينطلقون من وجود دولة إسلامية قادرة على التعامل مع الحرب بروح المسؤولية وبطريقة تتمشى مع القواعد الدينية التي سنها الإسلام. هذا يعني بعبارة أخرى أن المسلمين لا يملكون بحكم كونهم أفرادا الحق في أن يعلنوا الحرب على العالم باسم الدين الإسلامي.

خطوة نحو الحاضر

هناك حجة أخرى تبدو في نظري ونظر غيري من الراديكاليين الذين خرجوا في هذه الأثناء عن الأفكار الإسلاموية أكثر عمقا وتمحيصا لكونها تتضمن خروجا عن الفكر العقائدي الجامد وتحولا بالتالي نحو الواقعية المعاصرة. فحوى هذه الحجة هي أن المسلمين لم يعودوا يعيشون بعد في عالم الاستقطاب الذي عرفته العصور الوسطى في مجال الانتماء.

هناك حقيقة ثابتة وهي أن المسلمين البريطانيين مواطنون لهذا البلد. فنحن لم نعد بالتالي مهاجرين يعيشون في بلاد "الكفار". لقد ولد الجيل الذي انتمي إليه في بريطانيا كما أنه ترعرع هنا والتحق بمدارس هذا البلد وأصبح يعمل فيه كما قرر البقاء هناك.

الأهم من كل ذلك أن المسلمين في بريطانيا أصبحوا اليوم يتمتعون على نحو لم يعرف في الماضي أبدا بالحق في تحديد وصياغة هويتهم الدينية من خلال الزي الذي يرتدونه وبناء المساجد الخاصة بهم وإنشاء المقابر ولا سيما من خلال التمتع أمام القانون بنفس الحقوق التي يملكها المواطنون الآخرون.

لكنه لا يكفي أن نقول إن المسلمين لا يتعين عليهم لمجرد كونهم مواطنين لهذا البلد إلا أن يمروا مر الكرام على الفقرات التي تضمنت في القرآن المطالبة بقتل الكفار. فحين يمتنع المسلمون عن الخوض في جدل بشأن هذه المطالب الثابتة التي سنتها علوم الدين على مر قرون طويلة عندئذ تزداد يوما بعد يوم حدة الهوة القائمة بين علوم الدين في مفهوم الإسلام وبين العالم المعاصر.

قد لا يطيب لنا أن نتقبل حقيقة ثابتة هي أن السبب في وجود عدد كبير من أنصار أبو قتادة، (عالم دين أصولي أراد متشددون فلسطينيون مؤخرا تبادله لقاء الإفراج عن الصحفي ألن جونستون من محطة الإذاعة البريطانية) يعود لكونه ضالعا في شؤون الدين ولكون تفسيره للدين وكون الأحكام القانونية الصادرة عنه مبنية على حجج قوية دامغة. مع أنني لم أعد أؤمن في هذه الأثناء على الإطلاق بأفكاره إلا أنني أرى مع ذلك بأنها تحتل وزنا مهما في سياق مجموع الأحكام المتعلقة بالدين الإسلامي.

اتهمني الكثير من المسلمين بالخيانة منذ أن انسحبت من شبكة تنظيم الجهاد البريطانية. صحيح أنني لن أتردد في إحاطة الجهات المسؤولة علما في حالة معرفتي بوجود تخطيط لتدبير عمل إرهابي ما. لكنني على عكس ما يروى عني هنا وهناك لست مرتدا غيّر الجبهة أو مخبرا يعمل لصالح الأجهزة الأمنية.

بلد التعايش

في اعتقادي يمكن إزالة طابع التابوات والضبابية عن ملف الإرهاب لو عمد مسلمون وغير مسلمين إلى المناقشة على نحو صريح منفتح حول الأفكار التي تغذي ساعد الإرهاب. هذا يتطلب من المسلمين البريطانيين أن ينفضوا من أجل هذا الغرض الجمود الذي يؤدي بهم إلى اتخاذ مواقف الدفاع السلبي والرفض وأن يعوا بأنه ليس من قبيل العار أن يعترفوا بوجود تيارات متطرفة في صفوف الطوائف المسلمة سواء هنا أو في أنحاء أخرى من العالم.

لكن احتواء التابوات والضبابية في هذا السياق لا يتحقق طالما اقتصرت جسور التعامل المتبادل على طرفين اثنين فقط هما (المنشقون) عن التيارات الإسلاموية المتطرفة وأجهزة أمن الدولة.

إذا شاءت بلادنا مواجهة المتطرفين الإسلامويين الممارسين للعنف والتصدي لهم على نحو فعال تطلب الأمر من علماء الدين المسلمين أن يعيدوا أولا النظر في التعاليم السائدة. فنحن في حاجة إلى قواعد جديدة تتماشى مع روح العصر وإلى تعديل في فهمنا لحقوق المسلمين وواجباتهم، علما بأن بيوت هؤلاء الناس وأحاسيسهم مغروزة على نحو ثابت في هذا البلد الذي يطيب لي أن أسميه بلد التعايش.

عندما تصبح هذه الأرضية الجديدة للتعاليم الدينية أمرا واقعا سيصبح بإمكان المسلمين في الغرب أن يحرروا أنفسهم من تصورات تهيمن على أذهانهم تتسم بالتخلف منذ عهد طويل حول العالم وأن يصيغوا قواعد ومقاييس جديدة للتعايش. في هذه الحالة قد نصل إلى الاستدلال بأن مفهوم القتل باسم الإسلام لا يعدو كونه أمرا عتيقا ومخالفا لروح العصر.

بقلم حسن بت
ترجمة عارف حجاج
نشرت الصيغة الأصلية في صحيفة أبزرفر البريطانية
حقوق طبع النسخة العربية قنطرة 2007

قنطرة

الإسلام السياسي
ما هي التطورات التي تشهدها الحركات الإسلامية؟ ما هو الموقف الذي تتبناه من استخدام العنف؟ كيف تتعامل أوربا والمانيا بالذات مع هذا التيار؟ صحفيون وباحثون يتناولون في مقالاتهم وتقاريرهم ظاهرة الإسلام السياسي من جوانب مختلفة

الإصلاح والإسلام
ما هو الدور الذي يمكن يلعبه الإسلام في إصلاح ودمقرطة المجتمعات الإسلامية؟ نقدم بعض النماذج التي يطرحها مفكرون مسلمون بارزون