ايران تتجه الى المزيد من الدكتاتورية

تسعى الحكومة الإيرانية إلى القضاء على الحركة الثقافية المستقلة نسبيا، في نفس الوقت الذي تظاهر فيه ألوف الطلبة احتجاجا على القمع. تقرير من باهمان نيروماند

مظاهرات طلابية في الجامعة في طهران في السادس من ديسيمبر/كانون الأول، الصورة: دويتشه فيلله
مظاهرات طلابية في الجامعة في طهران في السادس من ديسيمبر/كانون الأول احتجاجا على سياسة القمع التي تمارسها حكومة أحمدي نجاد

​​

شنت جمعية الأكاديميين الايرانيين بلهجة بالغة الحدة حملة تشهير ضد حكومة أحمدي نجاد بسبب انتهاكاتها السافرة لحقوق الإنسان. فقد وجهت اللوم في بيان علني إلى المسؤولين "لإحتقارهم الحقوق الأساسية للإنسان بطريقة منظمة ومخطط لها."

كما ذكرت الجمعية في بيانها أن النقّاد وذوي الرأي المختلف يُطردون من وظائفهم ويُلقى القبض عليهم بدون أي دليل قانوني او السماح لهم بالحصول على محامين، ويُجبرون على الإعتراف ضد أنفسهم.

أيديولوجيا البؤس

وتقول الجمعية إنه تم في الجامعات طرد العديد من أعضاء هيئات التدريس التقدميين ومُنع الطلاب الناقدون من استكمال دراستهم. وفي الوقت ذاته تقوم الحكومة بالترويج "لآيدلوجيا أصولية بالغة الخطورة" تسمح للمسؤولين بكل أنواع العسف ضد من تختلف معهم في الرأي. وترى الجمعية أن ازدياد تقييد الحريات الأكاديمية والانتهاك المستمر لحقوق الإنسان يعتبران "جرما كبيرا" بحق الأجيال القادمة.

حقا، أن الوضع السياسي ازداد حدة منذ تولي أحمدي نجاد السلطة في يوليو / تموز من العام الماضي، حيث حظر العديد من الجرائد المستقلة مثل "الشرق" التي كانت تعد أكبر جريدة ليبرالية، فضلا عن تشديد الرقابة وملاحقة النقّاد والعقوبات الإنتقامية ضد جميع المنشآت العلمية والثقافية والمنظمات غير حكومية التي لا تخضع لأوامر الحكومة. كل هذا صار يهدد المؤسسات الثقافية بالشلل التام.

رقابة صارمة على الفكر

في أمسية أدبية في طهران صرح محمود دولت أبادي، وهو أشهر روائي ايراني بأنه لن يقوم بنشر كتبه بعد الآن احتجاجا على الرقابة الشديدة، لأن مخطوطاته تقبع منذ شهور لدى هيئة الرقابة. ولما ذكر ذلك لبعض الناشرين قال اثنان منهم أن هناك أربعين كتابا لم يحصلوا بعد على الموافقة على نشرها.

يقول الروائي: "كل يوم تزداد أكوام الكتب والمخطوطات في الغرف المغلقة. ولا أدري كيف يمكن ايجاد حل لهذه المشكلة. لا تقف دور نشر عديدة وحدها على حافة الإفلاس بل فقد حتى الكتاب والروائيون ومؤلفو الكتب التخصصية الرغبة في الكتابة. فربما إذا ما امتنع الناشرون عن نشر الكتب وتوقف الكتاب عن تقديم مخطوطاتهم أن تضطر هيئة الرقابة الى التحرك".

ثمن الحرية

التقييد الصارم المفروض على حرية الرأي موجه في المقام الأول ضد الكتاب والصحفيين والمثقفين من ناقدي السلطة. والقمع لا يعني هنا تقييد حرية الكلام أو الكتابة فقط بل له أيضا عواقب اقتصادية وخيمة.

فإذا ما فرض الحظر على إحدى الجرائد فإن ذلك يعني فقدان مئات الصحفيين لوظائفهم دفعة واحدة، مثلما سيفقدون الركائز المادية الأساسية لهم ولأسرهم. فإذا ما بقيت المخطوطات والكتب مدة طويلة في هيئة الرقابة تعجز دور النشر المعنية عن تحمل الخسارة مما سيدفعها الى إغلاق أبوابها.

كما يجد الكتاب الذين يعيشون بالكاد من أجورهم الضئيلة أنفسهم مضطرين إلى ترك هذه المهنة. وهذا هو الهدف الذي تنشده السلطة من وراء تشديد الرقابة، إذ يجب على الكتّاب والصحفيين فرض الرقابة على أنفسهم أو البحث عن وظائف أخرى.

يبدو أن الحكومة مصممة على استعمال كل الوسائل لتقويض أي محاولة للحيد عن الأيدلوجية الإسلاموية وتجريمها.

قد دعا أحمدي نجاد الطلبة إلى طرد الأساتذة ذوي الفكر الليبرالي من الجامعة. كما تم تغيير الهيئات القيادية في كل الجامعات والمعاهد العليا وصار التدريس في الجامعة خاضعا لرقابة ميليشيا "باسيجي" الدينية وأفراد الحرس الثوري الذين يقومون بمراقبة سلوك الطلبة من خلال كاميرات فيديو مركبة في الجامعة.

فصل الجنسين في الجامعة

ومن جهة أخرى أعلنت وزارة التربية والتعليم أنها ترغب في محاولة إعادة الفصل بين الذكور والإناث في الجامعات مرة ثانية، حيث كانت هذه المحاولة قد باءت بالفشل عندما أرادوا فرضها في السنوات الأولى.

ينتقد الأستاذ محمد محمدين، وكيل قائد الثورة لشؤون الجامعات بالقول إن الجامعات تحولت إلى "صالونات موضة". وقد وجه نداء إلى مديري الجامعات قائلا:

"لا يعتبر مدير الجامعة مسؤولا عن التعليم والبحث فقط وإنما أيضا عن سلوك الطلبة الديني وعن فكرهم". فعلى المرء أن يحبط خطة أعداء الجمهورية الإسلامية الذين يحاولون نشر "الفساد والدعارة" في الثقافة والأخلاق الإسلامية.

إنتفاضة الطلبة

كل هذا كان سببا في قيام الطلاب باحتجاجات شديدة، ففي "يوم الطلاب" في السادس من ديسمبر / كانون الأول الحالي لبّى بضعة آلاف من الطلاب نداء كبرى المنظمات الطلابية جمعية "تحكيمي وحدت" إلى المشاركة في مظاهرة احتجاجية في حرم جامعة طهران.

قنطرة

أزمة إيران السياسية

جدال حول الدين والديمقراطية في إيران

كانت قوات النظام قد أغلقت بوابة الحرم الجامعي إلا أن الطلبة الموجودين خارج البوابة استطاعوا فتحها بالقوة. وخلال المظاهرة قال السيد علي نيكونسبتي، عضو مجلس إدارة الجمعية:

"أحب أن أسأل قائد الثورة خامنئي بأي حق جرى قتل أحد الطلاب في السجن! إن أحمدي نجاد صاحب فكرة الثورة الثقافية لا يستحق منصبه". كما نادى بتنحي وزير التعليم.

ويعلق أرمين سلماسي عضو المجلس الإسلامي للطلاب قائلا: "إنهم أقالوا أساتذتنا إلى المعاش وعرقلوا دراسة العديد من الطلاب. إنهم لم يمنعوا الإحتجاجات فقط بل منعونا أيضا حتى من التنفس. لقد حوّلوا جامعاتنا إلى "ثكنات عسكرية". ويتابع محذرا: "لا تعتقدوا أننا نستطيع الصبر إلى الأبد، فسيطفح الكيل يوما ما".

الشعب يريد خبزا لا قنبلة

تشكو السيدة نيلوفار جولكار، عضو المجموعة النسائية في جمعية "تحكيمي وحدت" من ازدياد الإجراءات القمعية ضد الطالبات وترى أن النساء لا يعانين فقط من الحكم الدكتاتور بل أيضا من ظلم المجتمع الذي يحكمه الرجال.

كما رفضت السيدة نيلوفار الرقابة المشددة التي تفرض اللباس الإسلامي. وترى أنه من العار تحديد مواعيد لخروج الطالبات من مساكن الطلبة وتقييد مشاركتهن في الحفلات الرياضية والترفيهية وتقييد التحاقهن بالجامعة أيضا.

كان المتظاهرون ينادون بصوت واحد مطالبين بتنحي وزير البحث العلمي ويهتفون عبارات، مثل: "لا للاستبداد"، "الشعب يريد خبزا، لا قنبلة"، "الجامعات ليست وحدات عسكرية"، "أهدافنا هي الحرية والمساواة". إنهم يرفضون أي تدخل أجنبي في شؤونهم. وطبقا لتقرير من إذاعة إسنا أن المظاهرة انتهت بمعركة مع قوات الأمن جرح خلالها العديد من الطلاب كما تم القبض على بعضهم.

بقلم باهمان نيروماند
ترجمة عبد اللطيف شعيب
حقوق الطبع قنطرة 2006

قنطرة

أزمة إيران السياسية
فقدت المؤسسة الدينية الإيرانية خلال العقود الماضية استقلاليتها السياسية، كما أصبحت غير قادرة على ممارسة وظائفها التقليدية على الصعيد الديني بهدف توفير الدعم للمجتمع المدني في البلاد. مقال بقلم الباحث والعالم الشيعي مهدي خلاجي

جدال حول الدين والديمقراطية في إيران
يلقي الجدال الديني-النظري الدائر ما بين المفكّر الإيراني عبد الكريم سروش والدكتور سيد حسين نصر الضوء على انقسام جناحي المحافظين والمصلحين الإسلاميين الذين يواجهون بعضهم الآخر في هذه الأيّام بشدة غير مسبوقة. تقرير فرج سركوهي