هل تحتاج مصر إلى فرعون؟

فيما أمسك الجيش المصري بزمام المبادرة، ثمة تساؤلات أخرى أساسية يجري إغفالها، كما يرى ألفريد ستيبان وخوان جيه. لينز في هذه المقالة. الباحثان يستعرضان أيضا سيناريوهات المشهد السياسي المصري والعوامل التي ستحدد مصير الثورة المصرية بعد سقوط نظام مبارك.

 لواء مصري يؤدي التحية العسكرية إلى ضحايا الانتفاضة الشعبية الصورة  ا.ب
إن المهمة السياسية الأساسية التي يتعين على الحكومة المؤقتة أن تقوم بها تتلخص في تنظيم انتخابات حرة ونزيهة، وإجراء التعديلات الدستورية اللازمة فقط لإجراء هذه الانتخابات"

​​

لا شك أن ما يفعله الجيش يشكل أهمية بالغة. إن أي انشقاق في النظام الاستبدادي الذي تدعمه المؤسسة العسكرية قد يؤدي إلى خلق فجوات بين المصالح المؤقتة للمجموعة الصغيرة الأقرب إلى "الجيش باعتباره حكومة"، والمصالح الطويلة الأمد "للجيش بوصفه مؤسسة"، والذي من المفترض أن يشكل جزءاً محترماً من الدولة والأمة. وكان البيان الذي أصدره الجيش المصري في وقت مبكر من الاحتجاجات والذي أكد فيه أن جنوده لن يطلقوا النار على المحتجين المناهضين لمبارك بمثابة تحرك كلاسيكي للجيش باعتباره مؤسسة، وكان مفيداً في حد ذاته في دفع عملية التحول الديمقراطية. وفي المقابل، كان القرار الذي اتخذه الجيش بالسماح للموالين لمبارك ـ وكان بعضهم يمتطون صهوة الجمال والخيول ـ باقتحام ميدان التحرير في القاهرة والهجوم على الآلاف من المتظاهرين المناهضين للحكومة بمثابة تحرك كلاسيكي للجيش بوصفه حكومة.

وعند هذه النقطة فإن التحول الديمقراطي سوف يتطلب على الأرجح أن يلعب الجيش دوراً أكثر نشاطاً في حماية المحتجين. والأمر الواضح في هذا السياق هو أن مصلحة "الجيش باعتباره مؤسسة" تتوقف على قدرة الجيش على توطيد قدر أعظم كثيراً من الانفصال عن النظام. إن التحولات السياسية الناجحة تتحقق عندما يدرك المزيد والمزيد من المواطنين بأنهم "مدينون" للاحتجاجات وما أسفرت عنه من تحول. وفي هذا الصدد فإن حقيقة انطلاق مطلب استقالة مبارك الفورية من ميدان التحرير في القاهرة وليس من مقر إدارة أوباما تشكل تطوراً إيجابيا.

قضية الزعامة

الصورة د.ب.ا
"في غياب الأحزاب الديمقراطية المتمرسة أو القادة المقبولين على نطاق واسع، هو أمر محفوف بالمخاطر"

​​

والواقع أن العديد من المجموعات المعارضة، التي تمثل طائفة واسعة من الرأي العام ـ بما في ذلك حزب ليبرالي تقليدي، وجماعة الأخوان المسلمين، ونشطاء الفيس بوك من حركة شباب السادس من إبريل ـ أشارت إلى أنها قد تدعم حكومة مؤقتة، ربما تحت قيادة محمد البرادعي الحائز على جائزة نوبل للسلام. ولكن لكي تختار هذه المجموعة زعيماً فيتعين عليها أن تلتحم في قوة واحدة متماسكة. إن حركات احتجاج المجتمع المدني العظيمة ـ كتلك التي حدثت في مصر وتونس ـ قادرة على إسقاط الحكم الدكتاتوري، ولكن الديمقراطية الحقيقة تتطلب وجود أحزاب، ومفاوضات، وقواعد انتخابية، فضلاً عن الاتفاق على التعديلات الدستورية. وفي أكثر حالات انتقال السلطة نجاحا، تتخذ الخطوة الأولى نحو صياغة الوحدة اللازمة لتشكيل حكومة مؤقتة عندما تبدأ المجموعات المتنوعة في الالتقاء بشكل أكثر تكراراً وتعمل على وضع استراتيجيات مشتركة وإصدار بيانات جماعية.

وبغض النظر عمن يتولى قيادة الحكومة المؤقتة فهناك بعض الأمور التي لا ينبغي لها أن تقوم بها. وإذا حكمنا من خلال حالات انتقال السلطة التي درسناها، فإن فرصة الوصول إلى نتيجة ديمقراطية ناجحة تصبح أفضل كثيراً إذا لم تستلم الحكومة المؤقتة لإغراءات تمديد فترة ولايتها ولم تعمل بنفسها على وضع دستور جديد. إن المهمة السياسية الأساسية التي يتعين على الحكومة المؤقتة أن تقوم بها تتلخص في تنظيم انتخابات حرة ونزيهة، وإجراء التعديلات الدستورية اللازمة فقط لإجراء هذه الانتخابات. ومن الأفضل أن تترك مسألة وضع دستور جديد للبرلمان الجديد المنتخب شعبيا.
إن أغلب الناشطين والمعلقين يتساءلون الآن من الذي سوف يصبح الرئيس القادم أو من الذي ينبغي له أن يصبح الرئيس. ولكن لماذا نفترض أن النظام السياسي الرئاسي، الذي يترأسه تنفيذي وحدوي قوي، لابد وأن يتأسس؟ من بين بلدان ما بعد الشيوعية الثمانية التي التحقت الآن بعضوية الاتحاد الأوروبي، لم يختر أي منها مثل هذا النظام. فقد عملت جميعها على تأسيس شكل ما من أشكال النظام البرلماني، حيث تكون الحكومة مسؤولة بشكل مباشر عن التشريع وتصبح صلاحيات الرئيس محدودة (وشرفية في كثير من الأحيان). والواقع أن ذلك القرار كان حكيما. أما عقد انتخابات رئاسية في لحظة تتسم بقدر عظيم من عدم اليقين، وفي غياب الأحزاب الديمقراطية المتمرسة أو القادة المقبولين على نطاق واسع، فهو أمر محفوف بالمخاطر.

إن انتخاب رئيس يعني الالتزام بشخص واحد، لفترة لا تقل عن أربعة أعوام عموما. ولكن من غير المؤكد على الإطلاق أن أي شخص ينتخب اليوم في مصر قد يحظى بنفس القدر من التأييد بعد مرور عام واحد. على سبيل المثال، إذا كان هناك العديد من المرشحين في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية، فمن المتصور ألا يكون أي من المرشحين في الجولة الثانية من انتخابات الإعادة قد فاز بأكثر من 20% من الأصوات في الجولة الأولى. وهذا يعني أن الفائز سوف يتولى كافة مقاليد الزعامة بفضل دعم أقلية صغيرة من الناخبين. ومن المحتمل أيضاً أن يتبين في نهاية المطاف أن الرئيس الجديد يفتقر إلى الكفاءة، أو قد يكون عاجزاً عن تمرير التشريعات. ولهذا السبب فإن العديد من الأنظمة الديمقراطية الحديثة تسقط سريعاً في فخ "الرئاسة الخارقة" التي تتمتع بتصديق شعبي.

نظرة متفائلة

الصورة د.ب.ا
استطاع الجيش المصري أن يحافظ على حيادتيه حتى حسم أمره في نهاية الأمر إلى صالح الشعب.

​​

ولكن مما يدعو إلى التفاؤل أن الناشطين والمنظرين الديمقراطيين المصريين والتونسيين منخرطون بنشاط في مناقشة البديل البرلماني. وفي هذه الحالة، فإن أول انتخابات حرة نزيهة تجرى في مصر من شأنها أن تسفر عن إنشاء جمعية تأسيسية تعمل بشكل مباشر على توفير القاعدة الديمقراطية التي تستند إليها الحكومة، فضلاً عن الجهود الرامية إلى تعديل أو إعادة كتابة الدستور. وعند هذه النقطة يصبح بوسع الجمعية التأسيسية والحكومة اتخاذ القرار بشأن التحول إلى الشكل الرئاسي للحكومة أو تأسيس نظام برلماني قائم على أسس دائمة. وفي ظل النظام البرلماني، فإن الحكومات الديمقراطية المستقبلية في كل من البلدين لابد وأن تكتسب قدراً ثميناً من المرونة لسببين رئيسيين.

الأول أن النظام البرلماني، خلافاً للنظام الرئاسي، من الممكن أن يسمح بنشوء ائتلافات حاكمة تعددية. والثاني أن رئيس الحكومة في النظام البرلماني، خلافاً لرئيس الدولة الذي يظل على رأس السلطة لفترة ولاية ثابتة رغم ما قد يكون به من عجز أو افتقار إلى الشعبية، من الممكن إسقاطه في أي وقت من خلال التصويت على حجب الثقة، وهو ما من شأنه أن يفسح الطريق أمام حكومة جديدة تدعمها أغلبية ـ أو عقد انتخابات جديدة إذا تعذر ذلك.

إن بعض القوميين الديمقراطيين في مصر يدافعون عن النظام البرلماني بالاستعانة بحجة جديدة مهمة، ألا وهي أن أي حكومة ائتلافية مشاكسة تعددية سوف يصعب على الولايات المتحدة أن تهيمن عليها، مقارنة برئيس خارق مثل مبارك. والواقع أن أنصار النظام البرلماني في تونس معجبون بهذه الحجة، ولكنهم يؤكدون أيضاً على حقيقة مفادها أن النظام البرلماني يسمح بالقيام بالمهمة الضخمة المتمثلة في تأسيس الأحزاب السياسية على نحو أفضل مما قد يسمح به النظام الرئاسي. إن النظام البرلماني، وليس الرئيس الفرعون، هو المسار الأفضل لكل من مصر وتونس.

ألفريد ستيبان وخوان جيه. لينز
ترجمة: هند علي
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2011

ألفريد ستيبان وخوان جيه. لينز اشتركا في تأليف كتاب "مشاكل الانتقال إلى الديمقراطية وترسيخها". وأحدث مؤلفاتهما بالمشاركة مع يوغندرا ياداف كتاب بعنوان "صياغة الأمة الدولة".

قنطرة

الاحتجاجات الشعبية في العالم العربي والموقف الغربي:
شبح الإخوان المسلمين المخيف
بالنظر إلى الاحتجاجات الشعبية الواسعة التي تعيشها مصر تنحو السياسات الغربية إلى نوع من التسطيح: إما دعم ديكتاتور متحالف معها مثل مبارك أو انتظار قيام جمهورية إسلامية. ميشائيل لودرز، الخبير في شؤون الشرق الأوسط، في نظرة على العلاقات بين الغرب والعالم العربي.

نظرة على حجم ثروة عائلة الرئيس المصري ومصيرها:
ثروة وثورة...... أين وإلى أين؟
تشير التقديرات إلى أن ثروة عائلة الرئيس المصري تقل فقط بنحو 14 مليار دولار عن حجم ثروة أغنى أغنياء العالم. فما مدى مصداقية هذه التقديرات، وإذا صدقت فمن أين لعائلة مبارك هذه الثروة؟ والسؤال الأهم أين توجد وما مصيرها؟ خالد الكوطيط وماركو مولر في البحث عن إجابات لهذه الأسئلة.

قراءة في ثورة الشباب المصري:
جر جديد بقيادة الشباب في الشرق الأوسط؟
ترى الكاتبة والمدونة اللبنانية فرح عبد الساتر أن الشباب العربي أصبح اليوم ليس مسلّحاً فقط بهاتف البلاك بيري النقال والآي فون والمدوّنات والفيسبوك، وإنما كذلك بالقناعة بأن التغيير أصبح ضرورة حتمية في المنطقة العربية في مؤشر على بداية صحوة شاملة.