الإسلاموفوبيا أو رُهاب الإسلام بين الواقع والمتخيل

By محمد م. الأرناؤوط | منذ 15 مايو 2016 / 10:51

لم تعد التفجيرات الإرهابية في الشرق المسلم تُعدّ وتحصى، ولم يعد في الإمكان إحصاء ضحاياها ومآسيها، ولكن التفجيرات الأخيرة التي حدثت باسم الإسلام في باريس وبروكسيل بالإضافة الى موجات اللاجئين التي غطّت القارة الأوروبية أبرزت موجات مضادة من الخطاب المعادي للإسلام والمسلمين في أوروبا في شكل لم يسبق له مثيل، وهو الذي أعاد الاهتمام من جديد الى الإسلاموفوبيا أو فوبيا الإسلام.

وكان الأمين العام السابق لمنظمة التعاون الإسلامي أكمل الدين إحسان اوغلو استشعر ذلك في نهاية ولايته وأصدر كتابه بالإنكليزية «الإسلاموفوبيا من المواجهة الى التعاون»، الذي بقي ينتظر من يترجمه الى العربية لأهميته، مع أنه يحتاج الآن الى تحديث مع التطورات التي حصلت في أوروبا خلال 2014-2016. وتنبّه الى ذلك منتدى العلاقات العربية والدولية في الدوحة، فبادر الى عقد ندوة دولية حول هذا الموضوع خلال 27-28 نيسان (أبريل) 2016، في حضور كثيف لأكاديميين وناشطين أوروبيين ومسلمين من العرب وغير العرب من الولايات المتحدة الى الصين مروراً بأوروبا والشرق الأوسط. وتوزّعت أوراق الندوة الـ26 على ست جلسات شملت التعريف والمصطلح، والتاريخ، والمغذيات والأسباب، ونماذج معاصرة ودور الإعلام.

وفي شكل عام، يمكن القول إن الأوراق والشهادات المقدّمة كانت مفيدة وغنية في محتواها ودلالاتها والرسائل التي تحملها، كما شكلت المناقشات إضافة في حد ذاتها باعتبارها خلت من المجاملات المعهودة في مثل هذه الندوات، ولذلك فإن إصدار هذه الأوراق بالسرعة الممكنة بالعربية والإنكليزية سيشكل أرضية مفيدة لندوات لاحقة لأنه لا يجوز تجاهل أو السكوت عما ورد في هذه الأوراق من مؤشرات مقلقة لا بد من أن تؤخذ بعين الاعتبار للمستقبل. وكان مدير المنتدى د. محمد حامد الأحمري نبّه في الكلمة الافتتاحية الى مسؤولية الطرفين والى أن هذه الندوة لم تعقد لأجل «إشعال المزيد من النيران» بل الى «مقاربة المشكلة التي تهم الحكماء والغلابة هنا وهناك في آن والعمل على معالجتها بالحكمة من خلال معرفة مغذياتها وفكفكة أيديولوجيتها التي تستخدم الآن لغايات انتخابية وسياسية وشعبوية».

في هذا السياق، كانت هناك ملاحظات على بعض أوراق الجلسة الأولى التي خلطت المصطلحات والمفاهيم والتواريخ والمعالجة، كما هو الأمر مع ورقة أحمد الجنابي من «معجم الدوحة التاريخي للغة العربية»، حيث ذهب الى أن مصطلح الإسلاموفوبيا يعود الى «بداية القرن العشرين» واشتهر مع «مستشرق صهيوني» ليصل الى أن الإسلاموفوبيا «حالة مرضية» وأن «من يخاف من الإسلام عليه أن يراجع أطباء نفسيين». وباستثناء ورقة أخرى استندت الى الصور والقوالب الجاهزة، فقد جاءت الأوراق الـ24 بجديد سواء بالإنكليزية أم بالعربية.

صحيح أنه كانت هناك أوراق وشهادات لأكاديميين من الولايات المتحدة وجنوب أفريقيا والصين، إلا أن غالبية الأوراق تمركزت حول أوروبا التي هي مصدر المصطلح ومستقبله. فمن المعروف أن هذا المصطلح ورد لأول مرة في التقرير الذي نشرته مؤسسة «رينيميد» عام 1997 عن وضع المسلمين في بريطانيا، ولكن سرعان ما ظهر في العام التالي مصطلح «إسلاموفوبيات» للدلالة على تنوع الحالة من بلد الى بلد. وبالفعل فإن الأوراق التي تناولت الحالات الإسلاموفوبية الموجودة في ألمانيا والنمسا والسويد وهولندا وبلجيكا وايطاليا وألبانيا واليونان وغيرها تؤكد ذلك أكثر وأكثر، بل إنها توضح أن الإسلاموفوبيا لم يعد يعبر عن قلق غير المسلمين من المسلمين بل أصبح حاضراً حتى في الدول الأوروبية التي تتميز بأعلى نسبة من المسلمين مثل كوسوفو (95 في المئة).

وعلى عكس مقاربة الأسود والأبيض التي ميّزت ورقة يونس الخمليشي، فإن ورقة عارف العبيد عن اليونان أوضحت أن المسيحيين ليسوا في سلة واحدة وكذلك المسلمين، أو أن الكنيسة كلها في سلة والدولة كلها في سلة أخرى. فقد كشفت الورقة عن مواقف صقورية لبعض رجال الدين الأرثوذكس ولكنها لا ترقى الى أن تكون موقف كنيسة، كما أن الدولة حريصة على تمييز نفسها من مواقف الكنيسة. والمهم في هذه الورقة ما كشفت عنه من مغذيات للإسلاموفوبيا خاصة باليونان، ومن ذلك تناقص عدد السكان في اليونان لمصلحة تزايد عدد المسلمين فيها الى حد أن هناك من يستشرف المستقبل بعد مئة عام ليقول أن عدد اليونانيين الأصليين سينحدر الى مليونين فقط لتتحول اليونان الى دولة بغالبية مسلمة. وهذا المتخيّل الذي يثير القلق عند الغالبية الأرثوذكسية في اليونان ويولد عند البعض حالة الإسلاموفوبيا، ينطبق أيضاً على جمهوررية مقدونيا المجاورة حيث «يستعجل» البعض تحول الدولة الى غالبية مسلمة في نصف قرن. وإذا ما انتقلنا الى جمهورية ألبانيا المجاورة التي كانت أول دولة أوروبية بغالبية مسلمة منذ 1912، نجد أن الإسلاموفوبيا الألباني ليس بالضرورة في مجتمع بغالبية مسيحيّة، أي أنه لا يتعلق بالخوف من تحول الأقلية المسلمة الى غالبية، بقدر ما هو يرتبط بالتحول الذي حدث في أوروبا الشرقية من الأنظمة الشمولية الى الأنظمة الديموقراطية. حتى أن أول كتاب يحمل في عنوانه الإسلاموفوبيا («مواجهة مع الإسلاموفوبيا» لعبدي باليتا) صدر في تيرانا عام 2006، أي قبل ظهور «داعش» وموجات اللجوء وتفجيرات باريس وبروكسيل.

ومن ناحية أخرى، أظهرت ورقة فريد حافظ من النمسا مؤشرات مقلقة من ناحيتين. فالنمسا كانت من أوائل الدول الأوروبية التي اعترفت بدين الإسلام. ولا يشكّل المسلمون نسبة تذكر بالمقارنة بالدولة المجاورة (ألمانيا وايطاليا وسويسرا الخ) ولكن الإسلاموفوبيا هناك تحول الى رافعة أيديولوجية لوصول اليمين الى البرلمان ورئاسة الجمهورية. فعشية انعقاد الندوة، كانت الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية كشفت عن تقدم صادم للمرشح اليميني (هوفر) الذي حظي بـ 35 في المئة من الأصوات. ولكن المفاجأة الأخرى التي يكشفها حافظ في ورقته انما في تحول اليمين النمسوي (ذي الجذور النازية) من معاداة السامية الى لامعاداة السامية، بل الى التقرب من اسرائيل وما ينتج من ذلك من مواقف جديدة تؤيد اسرائيل في سياستها ازاء العرب.

أما الورقة المميزة عن ألمانيا التي قدمها الناشط الفلسطيني – الألماني لؤي المدهون، فقد ربطت الإسلاموفوبيا الذي تمأسس هناك مع حزب «بيغيدا» وغيره، بضرورة مكافحته من خلال المؤسسات العليا الألمانية ومن خلال الإعلام العام الذي تموله الدولة والذي يفترض أن يكون موضوعياً بفضل تدخل المراقبين في مجالس الإعلام. ومع أن المدهون يشير بوضوح الى مسؤولية بعض المسلمين بممارستهم السلبية أو السيئة عما آل اليه الوضع في ألمانيا «من الترحيب الى التحريض»، إلا أنه يشدد من خلال شهادته عن تجربته على ضرورة الاندماج الواعي في المجتمع الألماني وعلى ضرورة الانحراط في المؤسسات السياسية والاجتماعية والاعلامية لإعطاء صورة ايجابية عن المسلمين تُبطل تأثير «المتخيل» الذي تعمل على تضخيمه القوى والأوساط الإسلاموفوبية استعداداً للانتخابات المحلية القادمة لتقنين الإسلاموفوبيا هناك.

محمد م. الأرناؤوط | منذ 15 مايو 2016 / 10:51