الإسلام اليومي في سوريا: شيوخ متمردون وباحثون غربيون

كان عام 1979 عاما استثنائيا في الشرق الأوسط، ففي بداياته الشتوية القاسية كان الخميني ورفاقه قد وصلوا إلى طهران. وسيقفز، في هذه الأثناء، موضوع الإسلام السياسي إلى الواجهة، وسيغدو كما يذكر فواز جرجس في كتابه الشيق «أمريكا والإسلام السياسي»، محل اهتمام جل الباحثين المشتغلين على الشرق الأوسط، الذين أخذو يقرؤون باقي جماعات الإسلام السياسي من زاوية، أو من عدسة الإسلام الخميني.



كان هذا الإسلام المناضل أو الثوري، قد طرح نفسه قوة بديلة عن قوى اليسار والعلمانية، بل إن يساريين كثرا نظروا يومها لهذا الرجل الكهل بوصفه ملهمَ التغيير الجديد في المنطقة. كانت مصر قد سبقت أولاد طهران الإسلاميين، على صعيد الاهتمام بدراسة الجماعات الإسلامية، لكن سقوطَ الشاه، حفز أو دفع إلى حدوث انفجارٍ في دراسة الإسلام السياسي. وخلال هذه الأعوام كان الإخوان المسلمون في سوريا قد انخرطوا جديا في مواجهاتٍ مسلحةٍ مفتوحةٍ مع النظام. كان النظام السوري لأول مرة منذ سنوات يتعرض لخطر حقيقي، وسيدفع هذا الأمر عددا من الباحثين الغربيين لدراسة تاريخ الإخوان، وقد استمر هذا الاهتمام تقريبا لمدة عقد، حتى غدا الفكاك منه أمرا ليس باليسير، فالحديث عن الإسلام اليومي في سوريا، غالبا ما كان يتوجه للحديث عن فترة السبعينيات والثمانينيات وما تلاه لاحقا من مواجهات.

مع بداية التسعينيات، ستزور مدينة دمشق الباحثة الألمانية أنابليه بوتشر، لكن هذه المرة ليس لدراسة الإسلام السياسي، الذي كان مجرد التفكير به يعد بمثابة تهمة وجناية كبيرة، بل لدراسة الإسلام الرسمي المرضي عنه من دوائر الحكم، ولمدة خمس سنوات تقريبا، ستعكف الباحثة على إجراء دراسة أثنوغرافية داخل منزل كفتارو والمعاهد الدينية التي أدارها. وسيكون لهذا الاهتمام الفضلَ في إجراء أول انعطافة جادة في دراسة الإسلام اليومي، بعيدا عن ميدان الإسلام السياسي، وفي هذه الأثناء أيضا، ستقوم الأنثربولوجية الأمريكية كريستا سالامندرا، بإجراء دراسةٍ داخل عاصمة العفة (دمشق)، وفق تعبيرها، بين طبقات النخبة في دمشق، وقد لاحظت هذه الباحثة أن نساء هذه الطبقة، التي توصف عادة بالمحافظة، قد أخذن يعبرن عن أذواقٍ جديدةٍ، بعد سنوات من الحصار الذي عرفته البلاد، وانطلاقا من نقاشات بورديو من أن الذوق ليس مسألة ميل فردي، بل هو موقف جماعي، ستصل المؤلفة إلى أن تغير أزياء هؤلاء النساء المحجبات، كان يلمح بشكل أو بآخر لصورةٍ أخرى عن الإسلام اليومي في الحواضر الرئيسية.