العراق - مظاهرات جديدة وعودة لسوق بورصة الموصل وشبح داعش يطارد عائلات مع إغلاق مخيمات

تظاهر آلاف في عدة مدن عراقية الجمعة 04 / 12 / 2020 عقب أسبوع من وقوع صدامات دامية بين أنصار حركة الاحتجاج ضد الحكومة ومؤيدين لرجل الدين الشيعي مقتدى الصدر.

وكان أنصار الصدر قد تظاهروا في 27 تشرين الثاني/نوفمبر 2020 في استعراض لقوة تيارهم السياسية في بغداد والناصرية ومدن أخرى.

وفي حين انتهت تظاهرتهم الكبيرة في بغداد بشكل سلمي، تصادم "الصدريون" مع أنصار الحراك الاحتجاجي ضد الحكومة في ساحة الحبوبي التي يتخذونها موقعا لتظاهراتهم في مدينة الناصرية منذ انطلاقها في تشرين الأول/أكتوبر 2019.

وارتفعت حصيلة ضحايا العنف الأسبوع الماضي إلى تسعة قتلى إثر وفاة محتجين متأثرين بجراحهم، واغتيال ناشط معارض في مدينة العمارة.

وكان نشطاء من الحراك الاحتجاجي قد حملوا مسؤولية العنف في ساحة الحبوبي لمؤيدي الصدر.

وتظاهر آلاف في الناصرية الجمعة عقب أسبوع من الصدامات، لإظهار عزمهم على مواصلة الاحتجاج ورفض إزالة خيمهم من ساحة الحبوبي.

وقال المتظاهر حسين السعيدي في الناصرية جنوب البلاد لوكالة فرانس برس إن "العنف الذي جرى الأسبوع الماضي لن يمنعنا من مواصلة التظاهر"، وأضاف "خيارنا الوحيد هو تحقيق أهداف هذه الانتفاضة".

من جهتها أغلقت قوات الأمن الجمعة شوارع تقود إلى الساحة لمنع "الصدريين" من وصولها.

مع ذلك، نظّم الآلاف منهم صلاة الجمعة في المدينة للأسبوع الثاني على التوالي.

وشهدت مدن أخرى تظاهرات تضامن مع محتجي الحبوبي، من بينها بغداد التي نُظّم فيها تجمع صغير في ساحة التحرير.

وتظاهر المئات في مدينة الديوانية جنوب البلاد تحت شعار "جمعة الناصرية".

وقال المتظاهر في المدينة مصطفى جبير إن "اعتداءات الجماعات المسلحة تتم أمام أنظار القوات الحكومية"، معتبرا أن "الحكومة باتت خاضعة لسلطة الميليشيات".

وقتل نحو 600 شخص في أعمال عنف على صلة بالتظاهرات ضد الحكومة منذ انطلاقها في تشرين الأول/أكتوبر 2019.

وكانت الناصرية قد شهدت أحد أكثر تلك الأحداث دموية في 28 تشرين الثاني/نوفمبر 2019، أودت بحياة ما يزيد عن ثلاثين شخصا.

ومنذ وصوله إلى المنصب، حاول رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي مد يده إلى المتظاهرين عبر إعلان انتخابات مبكرة في حزيران/يونيو المقبل 2021، كما وعد بمحاسبة المسؤولين عن قتل المتظاهرين.

لكن لم تتحقق العدالة حتى الآن، ويقول أنصار الحراك الاحتجاجي إنهم ما زالوا يتعرضون إلى الترهيب باستمرار.

وقتل مسلحون مجهولون يمتطون دراجة نارية الأربعاء الناشط مصطفى الجابري في مدينة العمارة جنوب البلاد، وفق ما أفاد مصدر أمني فرانس برس.

وأضاف المحامي مصطفى جبير أن على "الزعامات الدينية والسياسية ألاَّ تتصور بأن التظاهرات قد انتهت".

وتابع "نحن مستمرون لحين تحقيق جميع مطالبنا بمحاسبة قتلة المتظاهرين وكبار الفاسدين وانتخابات مبكرة بإشراف أممي".

عودة الحركة إلى سوق البورصة في الموصل بعد الحرب المدمرة

من جانب آخر، عادت الحياة إلى سوق البورصة للجملة في مدينة الموصل العراقية (05 / 12 / 2020) الذي كان يشكل محطة تجارية أساسية في الشرق الأوسط، وقضت عليه ثلاث سنوات من سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية على المنطقة، لكن لا تزال هناك حاجة الى ترميم نحو مئتي محل تحمل آثار المعارك المدمرة مع الجهاديين.

ويقع سوق البورصة في شرق الموصل ويمتد على مساحة نحو كيلومترين وفيه قرابة 500 محل تجاري. وتحوّل شارعه الرئيسي وطرقه الفرعية إلى ورشة عمل تعيد تأهيل المحال التي دُمرت نتيجة أشهر طويلة من المعارك بين القوات الحكومية والجهاديين انتهت بالقضاء على التنظيم المتطرف في تموز/يوليو 2017.

وعاود حوالي 300 محل نشاطه يوم السبت (05 / 12 / 2020). يفتح أصحابها كل صباح أبوابها الحديدية، وعادت الزحمة في أوقات الذروة، ويمكن مشاهدة الشاحنات تفرغ صناديق كرتونية ضخمة من البضاعة هنا وهناك.

ويقول الباحث الاقتصادي في جامعة الموصل الدكتور محمد نايف إن قيمة المبادلات في سوق البورصة قبل سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية على المدينة عام 2014 "تراوحت بين 12 و13 مليون دولار شهريا".

لكن هذا الرقم انخفض حاليا "إلى ما بين 8 و10 ملايين دولار بسبب ظروف المدينة وهجرة التجار والنازحين" الذين لم يعد جزء كبير منهم بعد.

وغادر العديد من التجار وأصحاب المحال الكبيرة سوق البورصة إثر العمليات العسكرية ليجدوا أماكن جديدة لمحالهم سواء في غرب الموصل أو في محافظات أخرى وإقليم كردستان أو حتى خارج العراق.

في السوق الذي يعود لينبض بالحياة، تشهد المبيعات ارتفاعا، ويتزايد معها عدد الوظائف الجديدة في بلد يوجد فيه عاطل عن العمل من بين كلّ خمسة مواطنين، وفق الأرقام الرسمية.

ويتوقع نايف "تطور السوق بشكل أكبر وأوسع إذا عوضت الحكومة أصحاب المحال والبيوت المتضررة".

وكان عبد الله أحمد محمود (27 عاما) من بين أول العائدين إلى السوق. ويقول صاحب المحل المختص ببيع مواد التنظيف، "الإقبال على السوق جيد حاليا، ويشجع ذلك استقرار الوضع الأمني في الموصل".

ويقول تاجر المواد الغذائية عبيدة أحمد (26 عاما) "عودة الحياة الى السوق ساهمت بشكل كبير في إحياء وإعمار المناطق المدمرة المحيطة به"، لا سيما أنه "وفر فرص عمل عديدة ... من عمال وحمالين وأصحاب مطاعم ومقاه وغيرهم".

وتحيط بالسوق مناطق سكنية شعبية في شرق الموصل، هي الزنجيلي والشيخ فتحي وشارع البيبسي والمشاهدة وباب سنجار والشفاء. وقد بدأت الحياة تعود إلى تلك الأحياء.

وتأسس سوق البورصة مطلع التسعينيات، وكان حينها مكونا من محال وبسطات صغيرة، لكنه توسع لاحقا ليصير أكبر سوق جملة يغذي الأسواق الصغيرة والفرعية في محافظة نينوى، ثالث أكبر محافظة في العراق، والموصل مركزها.

وتصل السلع إلى المستهلكين عن طريق أصحاب المحال الصغيرة الذين يشترون احتياجاتهم من هذا السوق الرئيسي.

وأعيد إعمار السوق بإمكانات ذاتية من أصحاب المحال.

ويعتبر التاجر يونس عبد علي (50 عاما)، وهو صاحب محل مواد غذائية جاء للتزود بالبضاعة، أن السوق "استعاد عافيته تقريبا".

لكنه يرى أن تجاوز آثار الحرب يتطلب أن "تسرّع الجهات الحكومية في تعويض المتضررين في المنطقة حتى يمكنهم العودة إليها من جديد".

وقدم كثير من سكان الموصل مطالب للحكومة لتعويض الأضرار التي لحقت بمنازلهم وسياراتهم ومتاجرهم، لكن قليلين منهم لاقوا تجاوبا خلال ثلاثة أعوام.

ودُمرت الصناعة في العراق بشكل شبه كلي عقب الاجتياح الأميركي والإطاحة بنظام الرئيس صدام حسين عام 2003. ولا تمثل الزراعة سوى خمسة في المئة من إجمالي الناتج المحلي، لكنها توظف عشرين في المئة من اليد العاملة، ويواجه الفلاحون صعوبات في ترويج بضائعهم.

وأفسح سوق البورصة المجال أمام الفلاحين والصناعيين لعرض وتصريف منتجاتهم، بعد أن كانوا يعانون في نقلها وبيعها في منافذ بعيدة.

ويقول الفلاح خلف عويد (35 عاما) "افتتاح محال البورصة اختصر الكثير من الوقت والجهد في عرض وبيع بضاعتنا بعد أن كنا نبيعها في أطراف الموصل"، مضيفا "أتوجه ببضاعتي صباحا وأوزعها على أصحاب المحال والعربات دون أي متاعب كالسابق".

أما صاحب محل الجزارة وليد غانم (32 عاما) فيوضح أن "افتتاح السوق وعودة الحياة إليه حلّ مشاكلنا وحقق لنا الأرباح".

إلا أن التاجر أحمد الشمري (42 عاما) يشير إلى ضعف الإنتاج المحليّ الذي يمثل "عشرة في المئة فقط" من المعروض. ويقتصر هذا الأخير على "سلع بسيطة ويدوية تصنع محليا كالإسفنج ومواد الغسيل والمكانس".

بالإضافة الى الأزمة الاقتصادية، يعاني العراق من تداعيات وباء كوفيد-19 وانهيار أسعار النفط الذي يمثل مورده الوحيد تقريبا.

وتقول أم سعد ( 35 عاما) التي تتزوّد بالبضاعة من سوق البورصة لمحلها للمواد الغذائية في منطقة رأس الجادة إن سوق البورصة يحظى بإقبال كبير، لكن "القدرة الشرائية ضعيفة، والرواتب يتأخر دفعها، ما يمنع الناس من الشراء".

شبح الدولة الإسلامية يطارد عائلات مع إغلاق العراق للمخيمات

من جهة أخرى، انتقلت العراقية تقى عبد الله وأفراد أسرتها من مخيم للنازحين إلى آخر خلال السنوات الثلاث الماضية يحدوهم الأمل في أن يكون باستطاعتهم ذات يوم العودة إلى ديارهم.

كانت تقى في سن الرابعة عشر لا أكثر عندما اصطحب والدها الأسرة إلى الموصل وقت أن كانت المدينة معقلا لتنظيم الدولة الإسلامية. وورثت تقى إرثا قد يحتاج محوه إلى أجيال. وفي نفس الوقت تنفد الاختيارات المتاحة أمامها.

عندما سيطرت القوات العراقية على الموصل في الأيام الأخيرة للخلافة التي أعلنها تنظيم الدولة الإسلامية والتي استمرت ثلاث سنوات قُتل والدها وأشقاؤها الأكبر.

أفراد الأسرة الباقون من بين آلاف كثيرة من أقارب المتهمين بالانتساب للدولة الإسلامية الذين انتقلوا بعد هزيمة التنظيم إلى مخيمات مؤقتة.

في الشهر الماضي بدأ رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي في إغلاق المخيمات الباقية قائلا إن ديار الأسر أولى بها.

لكن كثيرا من المقيمين في المخيمات ما زالت مجتمعاتهم المحلية تمنعهم من العودة قائلة إنهم كانوا ضمن التنظيم الذي فرض حكمه الوحشي على أجزاء كبيرة من شمال العراق.

وعندما تم إغلاق مخيم الجدعة 1 الذي كانت تقيم فيه تقى وأسرتها لم يعودوا إلى قريتهم بالقرب من بلدة القيارة في شمال العراق لكنهم ذهبوا خلافا لذلك إلى مخيم الجدعة 5.

وقالت تقى التي تقيم في خيمة مع والدتها وجدتها وأشقائها الأصغر "ليس لنا مكان نذهب إليه إذا أغلقوا هذا المخيم".

"ليس أمامنا غير الانتحار"

تقول الحكومة في بغداد إن ثلاثة مخيمات فقط ما زالت مفتوحة من بين 47 مخيما خارج إقليم كردستان، وإنها تأمل في إغلاق المخيمات الثلاثة بحلول أوائل العام المقبل 2021 وترفض قول منظمات إغاثة إنسانية إن عملية الإغلاق متعجلة للغاية.

وليس من الواضح متى يتم إغلاق 26 مخيما في إقليم كردستان شبه المستقل.

ولجأ أيضا أحمد خليف وأسرته إلى مخيم الجدعة 5 خلال عمليات إغلاق المخيمات الأخيرة رغم أن ديارهم لا تبعد عن المخيم سوى حوالي 15 كيلومترا.

وقال خليف "إذا أغلقوا الجدعة لن يكون أمامنا مكان نذهب إليه. ليس أمامنا غير الانتحار".

وقال نجم الجبوري محافظ نينوى التي توجد فيها مخيمات الجدعة لرويترز إن بعض أفراد الأسر المتهمة بأنها كانت مع تنظيم الدولة الإسلامية يمكنهم العودة إلى ديارهم لكن لم يتم بعد التوصل إلى حل وسط حول العودة مع بعض زعماء العشائر.

وقال الجبوري "يبقى عدد يجوز أن يصل إلى ألف عائلة أو أكثر من الصعوبة أن يرجعوا إلى أماكنهم".

وبالقرب من بلدة القيارة حيث يوجد مخيم الجدعة كان عبد الكريم الوكاع زعيم عشيرة الجبوري من بين من قرروا مصير أقارب أعضاء تنظيم الدولة الإسلامية خلال اجتماع عقد عام 2016.

يقول الوكاع إن من بايعوا الدولة الإسلامية أو تباهوا بها أو استفادوا منها ممنوعون من العودة إلى ديارهم.

وواصل خليف عمله سائقا لسيارة أجرة تحت حكم الدولة الإسلامية مما جعله موضع شبهة استغلال الصلات الأسرية. وقال إن ثلاثة من أبنائه في السجن لصلاتهم بالدولة الإسلامية.

ويقول حسين علي، ابن مختار بلدة خليف والمسؤول عن ملفه، إنه يتمنى عودة جميع الأسر لكن السلطات المحلية لا يمكنها ضمان سلامة خليف.

وحتى إن لم تكن موضع شبهة فإن الأسر المرتبطة بتنظيم الدولة الإسلامية تحتاج غالبا إلى القيام بعملية أكثر بيروقراطية وتكلفة لتجديد بطاقات الهوية أو غيرها من الوثائق.

وقالت تقى إنها وأفراد أسرتها ظلوا خلال الشهور الماضية يبيعون حصص الطعام التي يحصلون عليها من المخيم يحدوهم الأمل في أن يكون لديهم من المال ما يكفي لتجديد وثائقها وأن تكون قادرة على العمل.

وقال الجبوري محافظ نينوى إنه قلق من أن الأسر عاشت معا في عزلة فترة طويلة، مضيفا أن الحكومة ما زالت تبحث عن مخرج آمن لإعادة دمجهم.

وقال "عندنا الثأر موجود. ما تقدر كل العوائل (الأُسَر) أن ترجع إلى مناطقها. هذه معضلة حقيقية تواجهنا ونحاول نلاقي حلول لها". أ ف ب ، رويترز

 

[embed:render:embedded:node:38254]