انفجار بيروت شرَّدَ نحو 300 ألف شخص منهم نحو 84 ألف امرأة في سن الإنجاب وحوالي 4600 حامل

قبل قرابة السبعة أشهر، كان خبر حمل رنا منيمنة من أفضل ما سمعته هذا العام 2020، لكن على وقع أزمة اقتصادية حادة ثم انفجار بيروت المروّع، بات الخوف على ابنتها التي لم تولد بعد رفيقها الدائم.

وتقول رنا (25 عاماً)، صاحبة الملامح الخجولة التي تنتظر ولادة طفلتها الشهر المقبل، خلال وجودها في مركز صحي في منطقة الباشورة في بيروت، لوكالة فرانس برس "قبل الانفجار كنت أحضّر لولادة طفلتي الأولى بحماسة، ومن بعده توقّفت عن ذلك كلياً. اكتفيت بما لديّ وبثياب مستعملة من الأقارب".

وتضيف "فكرت بتوفير المال بدل إنفاقه على شراء الثياب والأغراض لها، ربما احتجنا إلى السفر أو احتاجت الطفلة إلى مستلزمات طارئة قد لا نتمكن من توفيرها" في ظل الأزمة الاقتصادية المتسارعة.

خلال انفجار المرفأ الذي تسبّب بمقتل أكثر من 190 شخصاً وإصابة أكثر من 6500 آخرين بجروح، كانت رنا مع زوجها في منزل عائلته في بيروت. تروي كيف أنها ورغم إصابتها بالهلع، بادرت إلى مساعدة قريبة أصيبت بينما كان الجميع في حالة ذهول. لكن بعد ذلك "سقطت على الأرض من شدة الرعب. كنت مصدومة وخائفة".

ورغم مرور نحو شهرين على الانفجار الذي لم يتعافَ اللبنانيون منه بعد، ما زالت الصدمة ترافق رنا. وتوضح "في كل لحظة أخاف من وقوع انفجار جديد. إذا سمعت صوت سيارة مرتفع أو دوي ما، أخاف بشدة".

وتسبّب الانفجار بتشريد نحو 300 ألف شخص، بينهم وفق صندوق الأمم المتحدة للسكان، نحو 84 ألف امرأة في سن الإنجاب (15-49 عاماً) يحتجن الدعم لتلبية احتياجاتهن الانجابية والصحية، وفق ما تشرح مديرة الصندوق في بيروت أسمى قرداحي لوكالة فرانس برس.

وتشير إلى تقديرات تفيد بأن بين النساء اللواتي تشردن "نحو 4600 امرأة حامل بحاجة إلى الخدمات الخاصة بالحوامل وخدمات الولادة وما بعد الولادة".

والصدمة التي خلّفها الانفجار ليست فقط ما تعاني منه رنا، فيما يشهد لبنان أسوأ أزماته الاقتصادية التي رفعت عدد الذين يعيشون تحت خط الفقر إلى أكثر من نصف السكان، مع تراجع قدرتهم الشرائية وتدهور قيمة الليرة.

- "رزم كرامة" -

وباتت رنا، التي يعمل زوجها كتقني معلوماتية، تتردّد إلى مركز صحي مجاني، للاطمئنان على مراحل نمو طفلتها لعدم قدرتها على تحمّل كلفة المعاينة في عيادة خاصة.

على غرار رنا، تعتمد نساء كثيرات على مراكز صحية ومستوصفات تدعمها منظمات عالمية لإجراء فحوصات أو الحصول على استشارات أو حتى مستلزمات النظافة الشخصية، خصوصاً بعد تضرر عشرات المراكز الطبية وخروج ثلاث مستشفيات على الأقل من الخدمة إثر الانفجار.

 

 

داخل عيادة نقالة تابعة لجمعية المقاصد، وهي واحدة من ثلاث عيادات حرّكها الصندوق منذ الانفجار، تستقبل القابلة القانونية هبة خضري (34 عاماً) عشرات النساء، بينهن عدد كبير من الحوامل.

وتقول لوكالة فرانس برس أثناء توقف العيادة في منطقة البسطا "تعاني الحوامل من مشكلات عدة بينها عدم قدرتهن على متابعة أوضاعهن في عيادات خاصة".

وتتحدّث عن معاينتها حالات عدة على غرار "المعاناة من طلق مبكر أو نزيف أو نفسية متعبة للغاية" خصوصاً في الأيام التي تلت الفاجعة. وبعد إجراء الصور فوق الصوتية والفحوصات في العيادة النقالة، يتمّ تحويلهن إلى مراكز صحية للمتابعة.

خلال حوالي سبعة أسابيع، استفادت وفق الصندوق 600 إلى 700 امرأة من خدمات العيادات النقالة.

والاقبال على هذه العيادات ليس للمعاينة فحسب، بل لطلب لوازم النظافة النسائية خصوصاً الفوط الصحية التي ارتفع ثمن أصناف عدة منها تستورد من الخارج.

وتوضح الخضري "لوازم النساء الصحية لا تعدّ أولوية لدى العائلات" التي ترزح تحت ظروف اقتصادية ضاغطة.

ويعمل صندوق الأمم المتحدة للسكان مع شركائه على توزيع رزم لوازم صحية على الفئات الأكثر احتياجاً.

وتشرح قرداحي أن الصندوق وزّع "أكثر من 35 ألف رزمة كرامة تحتوي الفوط الصحية ومستلزمات النظافة" للواتي تشردن من منازلهن لعدم قدرتهن على توفيرها.

- "أخشى انفجاراً آخر" -

ويركّز الصندوق حالياً جهوده وفق قرداحي على "دعم بعض المستوصفات وتوفير الاحتياجات وبعض المعدات، على أن نوظف عدداً أكبر من القابلات حتى نلبي احتياجات النساء في المناطق التي تضررت بقطر 5 – 6 كيلومترات من موقع الانفجار".

الشهر الحالي، استفادت اللاجئة السورية ريما جاسم (33 عاماً) من خدمات الرعاية الصحية لولادة طفلتها حلا.

داخل غرفة صغيرة متواضعة لا تكاد مساحتها تبلغ مترين مربّعين، على سطح مبنى يطل على المرفأ في محلة الباشورة قرب وسط بيروت، تفترش ريما مع أطفالها الأربعة الأرض. تضع رضيعتها في سرير صغير بينما تغط في نوم عميق.

وسارعت ريما، التي فرّت مع عائلتها من شمال سوريا قبل أعوام عدة، إلى مركز طبي إثر الانفجار لخشيتها من أن تفقد طفلتها قبل ولادتها "جراء الرعب والخوف".

وتقول "منذ الانفجار، لم أنم.. أراه أمام عيوني في كل لحظة وأخشى من أن يحدث انفجار آخر"، هي التي جاءت الى بيروت بحثاً عن الأمان.

وما تأمله اليوم أن "يكون مستقبلهم (الأطفال) أفضل منا وأن تهدأ الأوضاع في سوريا وربّما نعود إليها".

وبينما تأمل ريما العودة الى بلدها، إلا أن جلّ ما تتمناه رنا بعد ولادة طفلتها الشهر المقبل هو المغادرة.

وتقول لوكالة فرانس برس "أشعر أنه لا مستقبل لي ولعائلتي في هذا البلد، هذا إذا نجونا وبقينا على قيد الحياة". أ ف ب