الجيش المصري.. تشبث بالماضي أم عجز عن استيعاب الحاضر؟

أسئلة كثيرة تطرح في مصر بشأن الطريق الذي تسلكه ثورة 25 يناير خاصة في ظل اتهامات الجيش لحركة 6 ابريل بزرع الفتنة بين الشعب والقوات المسلحة، اتهامات تعيد للأذهان عقلية النظام السابق في تعامله مع المحتجين، كما يرى مراقبون. يوسف بوفيجلين تابع هذه القضية.

 

تشهد الساحة المصرية حاليا حالة من التوتر لا سابق لها بين "الثوار" والمجلس الأعلى للقوات المسلحة، ومما زاد الأمر تعقيديا وقوع احتكاكات، نهاية الأسبوع الماضي، بينهما في حي العباسية بعد أن مُنع المحتجون من الوصول إلى مقر المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي يحكم البلاد منذ الإطاحة بحكم حسني مبارك. وجاءت الاشتباكات في العباسية بعد ساعات من اتهام المجلس العسكري لمجموعات من المتظاهرين في التحرير، بينهم حركة 6 ابريل المطالبة بالديمقراطية، بزرع الفتنة بين الشعب والقوات المسلحة. ورغم خيبة الأمل من المنحى الذي سارت عليه الأحداث، إلا أن المحتجين تعهدوا بمواصلة الضغط من اجل التغيير.

ويندد المتظاهرون بما وصفوه ببطء المجلس العسكري في تحقيق أهداف الثورة والإسراع في محاكمة رموز النظام السابق وعلى رأسهم مبارك والقصاص من "قتلة الشهداء" ووقف من يوصفون بأنهم فلول النظام السابق من تدمير مكتسبات الثورة.

رحل مبارك .. والذهنيات الباقية

الصورة د  ب ا
"جمعة الانذار الاخير" أكدت أن المعتصمين قادرون على إعادة التعبئة حتى لمواجهة قيادات المجلس العسكري

​​

يجمع الكثير من المراقبين بوجود قلق كبير في الساحة المصرية على مستقبل البلاد السياسي في الفترة القادمة، في ظل ظهور بعض المؤشرات التي توحي بأن سقوط نظام مبارك لم يترتب عليه سقوط الممارسات التي كانت تميزه، ولعل أكبر دليل على ذلك ـ كما يقول المراقبون ـ هو تعامل بعض أفراد المجلس العسكري مع منتقديهم، كما حدث مع حركة "6 ابريل" وما حدث مع بعض الناشطين والإعلاميين على غرار الإعلامية دينا عبد الرحمن التي كان قد أوقف برنامجها الشهير على قناة دريم إثر استضافتها لحلقة نقاش شهدت توجيه انتقادات لاذعة للمجلس الأعلى للقوات المسلحة الحاكم في مصر.

ويقول الدكتور نبيل عبد الفتاح، من مركز الأهرام للدراسات الإستراتيجية، في حوار مع دويتشه فيله "إن هناك أساليب قديمة في إدارة المرحلة الانتقالية وفي كيفية إنتاج خطاب سياسي يختلف جذريا عن ما كان يحدث من قبل، أي في ظل حكم الرئيس السابق حسني مبارك". ويضيف بالقول "للأسف الشديدة البيانات العسكرية وبعض تصريحات أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة لا تزال تعكس الذهنية القديمة التي تشير إلى الجماهير الثائرة بأن شيئا لم يتغير وبان بعض هؤلاء الذين يشكلون أعضاء المجلس العسكري يعبرون عن نفس الذهنية القديمة، فهم لم يستوعبوا لحد اللحظة طبيعة التغير النوعي الذي طرأ في تاريخ مصر منذ 25 يناير الماضي وطبيعة القوة الجديدة وأساليب تفكرها".

ويتهم المجلس الأعلى للقوات المسلحة الحركة المطالبة بالديمقراطية والتي ساعدت على إطلاق الانتفاضة التي أطاحت بمبارك، بـ"زرع الفتنة بين الشعب والقوات المسلحة". وردت الحركة الشبابية بتوزيع بيان على الصحافيين نفت فيه اتهامات المجلس. وأضافت "حق التظاهر السلمي الذي انتزعته الثورة المصرية مكفول لكل المصريين، ولا يجوز لأي طرف التعدي علي هذا الحق"، مؤكدة على إصرارها على سلمية الثورة، وعدم التحريض ضد أي جهة.

الجيش ـ لحماية الثورة أم لحكمها؟

الصورة د ب ا
شباب الثورة المصرية يخشى من ثورة مضادة قد تهدد تحقيق أحلامه

​​

لكن يبدو ان شباب الثورة حرصوا على الفصل بين الجيش كمؤسسة وطنية تحظى بإجماع شعبي وبين أعضاء المجلس الأعلى كقيادة قد تخطئ وقد تصيب. في هذا السياق يقول اليجاه زروان، الخبير في مجموعة الأزمات الدولية، إن "الشباب المعتصم في ميدان التحرير قاموا بتوجيه انتقادات إلى قادة المجلس العسكري وبالضبط إلى المشير طنطاوي" لا إلى المؤسسة العسكرية ككل. ويضيف زروان في مقابلة مع دويتشه فيله، "يريد الثوار أن تتحقق مطالبهم وذلك انطلاقا من إدراكهم بأن التغيير مازال في بدايته، وأن مسار الثورة يبدو طويلا"، وهو الأمر الذي عجل بعودة الاعتصامات إلى ميدان التحرير.

المشير حسين طنطاوي، قائد المجلس الأعلى للقوات المسلحة الحاكم في مصر، والذي خرج في خطاب بمناسبة ثورة 23 يوليو 1952، وهو الانقلاب العسكري الذي أطاح بالملكية، أكد التزام الجيش بالديمقراطية متعهدا بتمهيد السبيل لأسس "ترسيخ أركان الدولة الديمقراطية التي تعزز الحريات وحقوق المواطنين من خلال انتخابات برلمانية حرة ونزيهة ووضع دستور جديد للبلاد وانتخاب رئيس جمهورية يختاره الشعب".

هذه التصريحات التي جاءت في هذه المناسبة رأى فيه البعض أن الجيش يريد التأكيد على أن دور المؤسسة العسكرية مازال قويا في رسم معالم السياسة المصرية كما حدث في فترة ما بعد الملكية، لكن انطلاقا من مقولة أن الثورة تملي سياستها يقول الدكتور نبيل عبد الفتاح، من مركز الأهرام للدراسات الإستراتيجية، "المطلوب الآن جيش يحمي الثورة، لا يحكمها، فالعملية الثورية التي تمت في 25 يناير كانت تهدف إلى استعادة أولا فكرة الكرامة والحرية الإنسانية ، وثانيا العدل الاجتماعي، وهو ما يعني على الأرض تغيير جذري للنظام السابق بما فيها الذهنيات التي كانت تسير المؤسسات".



يوسف بوفيجلين
مراجعة: عبده جميل المخلافي
حقوق النشر: دويتشه فيله 2011