دولة الخلافة الثانية..دولة «اللّاسيادة» ودولة «الّلا مواطن»

إذا كانت دولة الخلافة في فكر الإسلام السياسي تعدّ نفسها النقيض والضدّ بالنسبة إلى الدولة الحديثة، فإنّها، بالضرورة، دولة «اللّاسيادة» من جهة أولى، ودولة «الّلا مواطن» من جهة ثانية.

بالهدف التعريفي نفسه الذي وجّه محاور الفصل الأوّل من الكتاب، يهتمّ هذا الفصل الثاني بالتعريف بأطروحة الإسلام السياسيّ في الدولة. وفي هذا السياق يشرح العلوي منزلة الدولة في التصوّر العامّ للإسلام السياسيّ. وهي منزلة تتمثّل في اعتبار الدولة الإسلاميّة ليست مجرّد مسألة مصلحيّة كما هي حالها في التراث الإسلاميّ السنيّ، إنّما هي تتحوّل عندهم إلى فريضة دينيّة وأصل من أصول الدين، يتعيّن القتال من أجلها. تمثّل هذه المنزلة للدولة الإسلاميّة، وما تقتضيه من وسيلة عمليّة قصوى هي القتال من أجلها، المبدأين الأساسيّين للإسلام السياسيّ في الدولة. وهما مبدآن يشرح العلوي دواعيهما النظريّة في تفكيرهم، ونتائجهما العمليّة. فأمّا دواعي اعتبار الدولة فريضة يتوقّف عليها إيمان المؤمن، فمردّه ارتباطها بالتوحيد عندهم، فلمّا كان التوحيد عندهم لا يتوقّف على الإيمان القلبيّ، إنّما هو يقتضي تنفيذه العمليّ بتنفيذ شريعة اللّه في الحياة، فإنّ الدولة الدينيّة تصبح عندهم وسيلة وشرطاً واقعيّاً ضروريّاً لإحلال التوحيد في الواقع، باعتباره في تصوّرهم شرط تحرّر البشر من كلّ شكل للاستعباد. وعلى هذا الأساس فإنّ الدولة المطلوبة دولة دينيّة، نموذجها هو دولة الخلافة، وكذلك فإقامتها تقتضي عداء الدول اللّادينيّة، كما يصبح الجهاد فريضة، يختزل معناه في القتال من أجلها.

إنّ هذه المعاني المتعلّقة بمنزلة الدولة وصورتها وما تقتضيه من وسائل عمليّة، تمثّل كليّة التحليل المعروض في هذا الفصل. وهو تحليل يستكمله بالتساؤل حول دواعيها عندهم في شكل إجابة عن أسئلة ثلاثة تتوزّع عليها الفقرات الكبرى لهذا الفصل. يتمثّل السؤال الأوّل في الاستفهام عن سبب اعتبارهم الخلافة شكلاً لهذه الدولة المطلوبة، فأمّا الجواب، فهو أنّ الخلافة في نظرهم هي الشكل السياسي الوحيد الذي يتأسّس على غايات الدين، لأنّه يمثّل النيابة التامّة عن النبيّ، وهي فضلاً عن ذلك دولة جامعة لكلّ الأمّة، تستعيد تجربتها النموذجيّة في عهد الخلفاء الرّاشدين. وبهذا فهي نقيض الدولة الإقليميّة اللّادينيّة المفرّقة لأمّة المسلمين. وأمّا السؤال الثاني، فقد تعلّق بدواعي قولهم بضرورة عداء الدول القائمة والمجاهرة بهذا العداء. وخلاصة إجابته عن هذا السؤال، تتمثّل في شرح مبدئهم الذي يعبّرون عنه بالزوج المفهوميّ الوهابي الولاء والبراء، باعتباره تبعة للتوحيد، فالولاء لدولة الإسلام والبراءة من دولة الكفر في نظرهم، لا يتوقّفان على الاعتقاد القلبيّ إنّما هما مجاهرة وفعل يتحوّل معهما الجهاد إلى قتال. ههنا يتعلّق السؤال الثالث بسبب اعتبارهم القتال شكل الجهاد المفروض عينيّاً على كلّ مسلم ضدّ الدولة القائمة. وفي معرض إجابته يشرح العلويّ الطبيعة الاختزاليّة لتصوّرهم للجهاد مقارنة بالتراث الفقهيّ الإسلاميّ القديم، بل تأكيدهم على الطبيعة الترهيبيّة التي يجب أن يتميّز بها ذلك الجهاد، وما بذلوه من جهد في تبرير مختلف أشكاله العنيفة، بما في ذلك العمليّات الانتحاريّة. إنّ التبرير العقائديّ للجهاد القتالي، وقد ربطوه بضرورة الدولة للتوحيد، هو الذي يمنحهم مداخل التشريع لكلّ أشكاله الإرهابيّة.

للاطلاع على البحث كاملا المرجو  الضغط هنا