الصراعات الفلسطينية الداخلية

يحذر مدير مؤسسة هاينريش بول الألمانية من تعليق آمال كبيرة على تشكيل حكومة فلسطينية موحدة التي قد تستطيع في أحسن الأحوال خلق فترة هدوء في الخلافات الفلسطينية الداخلية.

يُقال أن هناك أصوات فلسطينية عقدت آمالها بعد العملية الإنتحارية في إيلات أن تجتاح إسرائيل قطاع غزة من جديد وأن يسهم هذا الإجتياح في إنهاء الصراعات الداخلية القاضية بين الجماعتين المسلحتين فتح و"حماس". هذه "الحكاية الطريفة" – بغض النظر عن الحقيقة – توضح مدى حالة اليأس التي يعيشها كثير من الفلسطينيين بعد تفاقم الحرب الحديثة بينهم والتي راح ضحيتها في الأيام الأخيرة أكثر من ثلاثين شخصا من بينهم أطفال.

وبعد فالآمال تظل معلقة على المحادثات التي بدأت من جديد حول حكومة فلسطينية موحدة والتي ينبغي أن تنتهي في غضون أربعة عشر يوما بدءا من اللقاء الذي تم بين الرئيس أبو مازن وقائد „حماس“ خالد مشعل في دمشق الأسبوع الماضي. لقد أدت دعوة ملك السعودية للمصالحة في مكة إلى زيادة الحث على الوحدة. إلا أن رد الفعل الإيجابي من „حماس“ وفتح على هذه الدعوة – بعد فشل محاولات الوساطة الملحة من الجانب المصري - لا يشير إلى استعداد الخصوم من جديد للوصول إلى حل وسط. ومثل هذه الدعوة في مثل هذا المكان لا ينبغي أن ترفض بكل بساطة!

إن الصراع بين المتنافسين الفلسطينيين سيبقى قائما، لكنه لا يتعلق بالسياسة الفلسطينية تجاه إسرائيل ولا برد الفعل على الشروط الثلاثة التي فرضها "رباعي الشرق الأوسط". كان هذا الصراع يتركز في الأسابيع الماضية حول "التنظيم الجديد لقوات الأمن".

وبينما أمر الرئيس عباس بحل القوة التنفيذية طالب رئيس الوزراء هنية أن تكون جميع القوات المسلحة تحت إشراف وزارة الداخلية. وقد أخذ الصراع الفلسطيني الداخلي وعلى وجه الخصوص في قطاع غزة صورة مبارزة دموية بين الرجل الذي أصبح قويا داخل فتح محمد دحلان من ناحية ومن ناحية أخرى وزير الداخلية الفلسطيني سعيد صيام. كما في فيلم "الثانية عشر ظهرا"!

لا يستطيع الكثير من المراقبين السياسيين الآن أن يتخيلوا حلا سلميا لهذا الصراع حول السلطة حتى بعد أن ألغت المجموعتان المسلحتان الآن نقط التفتيش إلى حد كبير، وليست هناك بعد بلاغات عن اختطافات أو قتل عمد لذوي المناصب القيادية أو عائلاتهم.

لم تسهم التهديدات التي كررها الرئيس أبو مازن بإجراء انتخابات مبكرة في تهدئة الموقف. فمن ناحية تشعر „حماس“ أنها ستحرم ثمرة نجاحها في انتخابات يناير / كانون الأول 2006، وتعتبر المرسوم الذي توعد به الرئيس على أنه "انقلاب"، ومن ثم تهدد بمقاطعة تجعل الإنتخابات مَهزلة.

ومن ناحية أخرى فالإنتخابات المبكرة لا تتلائم مع الدستور الفلسطيني. كما أن ما صرح به أبو مازن لا يلق الكثير من الدعم داخل فتح خاصة وأن قضية الإصلاح الداخلي لفتح لم تحرز تقدما حتى الآن.

إن المقصود من وراء التهديد بالإنتخابات المبكرة هو من قبيل زيادة الضغط على المحادثات من أجل تكوين حكومة موحدة. يرى الكثير أن هذه الحكومة الموحدة قد تكون الفرصة الوحيدة لتفادي حرب أهلية. إلا أن „حماس“ قد تخطت فترة ضعفها في موسم الخريف.

وهنية يشعر أنه في موقف قوي خاصة بعد إخفاق المقاطعة المالية الغربية، وبعد القدرة العسكرية في قطاع غزة، وبعد أن أثبت الإستفتاء العام عدم فقدان شعبيته. لهذا يرى أنه لا داعي للاستسلام. وهكذا تسير المفاوضات بصعوبة شديدة.

يعتبر تشكيل الحكومة الموحدة أمرا ضروريا لإنهاء الصراع الداخلي والخروج من العزلة العالمية. وحتى إذا أدى الضغط الداخلي والخارجي إلى تكوين "حكومة وحدة وطنية" فإنه يُخشى أن تكون هذه الحكومة غير قادرة على القيام بمهامها. حتى الآن لم توجد حلول وسط قوية تستطيع التغلب على الخلافات السياسية والصراعات الفلسطينية الداخلية. والحكومة الجديدة قد تستطيع في أحسن الأحوال خلق فترة هدوء في الخلافات الفلسطينية الداخلية.

بقلم كريستيان شتيرتسنغ
ترجمة عبد اللطيف شعيب
حقوق الطبع قنطرة 2007

كريستيان شتيرتسينغ مدير مكتب مؤسسة هاينريش بول الألمانية في رام الله.

قنطرة

ظواهر تدلّ على الاستنزاف
يأمل الفلسطينيون في أن تستمرّ الهدنة الهشة التي بدأت منذ أكثر من أسبوع مدَّةً أطول من الهدنات التي سبقتها. فهل هي فرصة للسلام أم مجرَّد استراحة في دائرة العنف والدمار؟ بقلم مدير مكتب مؤسسة هاينريش بل في رام الله كريستيان شتيرتسينك