مسلمو تايلاند بين الجهاد والإستقلال

يحاول حالياً عشرون ألف عسكري من الجيش والشرطة نشر السلام في الأقاليم القريبة من الحدود مع ماليزيا. فاريش نور الناشط من أجل حقوق الإنسان والباحث السياسي في مركز الشرق الحديث متأكد من وقوع ضحايا أَبرياء في هذه العملية. تقرير هينريتّه فريغة

جندي تايلاندي، الصورة:AP
عنف في جنوب تايلاند: لا يمر يوم من دون اغتيال وقتل واعتداءات

​​يحاول حالياً عشرون ألف عسكري من الجيش والشرطة نشر السلام في الأقاليم القريبة من الحدود مع ماليزيا. فاريش نور الناشط من أجل حقوق الإنسان والباحث السياسي في مركز الشرق الحديث متأكد من وقوع ضحايا أَبرياء في هذه العملية . تقرير هينريتّه فريغة

يعتبر العنف في تايلاند جزءاً من الحياة اليومية، حسب قول الناشط من أَجل حقوق الإنسان فاريش نور، الباحث السياسي في مركز الشرق الحديث في برلين والذي يعنى منذ فترة طويلة بالوضع جنوب تايلاند. حيث قُتل منذ عام 2004 حوالي ثمانمائة شخص وجُرح أكثر من ألف شخص.

ويقول فاريش نور: "عندما وصل تاكسين شيناواترا قبل بضعة أعوام إلى الحكم، عقد عزمه على أن يقضي على الخطرين الكبيرين اللذين يهددان الأمن التايلاندي. كانت الحملات موجّهة من جهة إلى القضاء على تحالفات وعصابات المخدّرات في تايلاندا، ومن جهة أخرى إلى ما وصفه بتمرّد المسلمين في جنوب تايلاندا.

لقد لاقى في الحرب على مافيات المخدّرات العديد من آلاف الأشخاص حتفهم. واحتجّت فقط وسائل الإعلام ومجموعات مدافعة عن حقوق الإنسان على جور وتعسّف الحكومة. بينما كانت ردود فعل عامة الشعب إيجابية. إذ اعتبر عدد القتلى الكبير رمزاً للقوة.

وبعد ذلك وجّه رئيس الوزراء تاكسين شيناواترا اهتمامه العسكري للجنوب، وهنا تكمن الإشكالية؛ ففي الجنوب يعيش الكثير من المسلمين، الذين كانوا مواطنين بسطاء عاديين غير مجرمين. علاوة على ذلك فإن الجنوب هو معقل الحزب الديمقراطي المعارض. وبالإضافة إلى ذلك اصبحت منطقة باتاني تعاني من اعتداءات الجماعات المتطرفة الجديدة العسكرية جدًا".

إعتقال مدرسين

لا أحد يعرف على وجه الدّقة، أين يتم تدريب الشباب المسلّحين. ركّزت الشرطة والجيش على المدارس الدينية في باتاني. إذ تم في شهر تشرين الأول/أكتوبر من العام الماضي اعتقال ستة مدرِّسين في أحد المدارس الدينية، بتهمة إعداد المجاهدين الشباب عقائديًا من أجل الجهاد ضد أغلبية السكان الهندوسية في تايلاند.

لاقى ستة وثمانون متظاهر مصرعهم في مظاهرة أمام مركز الشرطة، الذي احتجز فيه المدرسون الستة. لقد صُدم المواطنون المسلمون لموت هذا العدد الكبير من الأشخاص المسالمين، على حد قول فاريش نور. ويوضح قائلاً، تحتوي المدارس على أشياء مختلفة، ولكنها ليست مراكز تجنيد للمتطرفين الإسلاميين.

وعلاوة على ذلك فإننا نعرف حق المعرفة، أن هذا الأمر هو مسألة محلية في جنوب تايلاند. كما أننا نعرف أيضًا، أنه يتم تدريس إسلام تقليدي معتدل جدًا في المدارس الموجودة في هذه المنطقة.

لم يسعَ أبدًا الماليزيّون الذين يعيشون في جنوب تايلاند، إلى تبنِّي الإسلام المطبوع بطابع عربي. ولهذا السبب لم تكلل بالنجاح البرامج الممولة بأموال عربية في باتاني.

كما أَنّ المسلمين التايلانديين يقفون موقفًا ينتقد الوهّابية المنشرة في السعودية. قد يكون الإسلام الذي يُدَرَّس في المدارس الدينية في جنوب تايلاند محافظًا ومتخلِّفًا، بيد أَنّه ليس عنيفًا قط.

الخلايا الإرهابية

تعد هذه المنطقة منذ سنين منطقة خالية من القانون. حيث اتّخذ الشيوعيون الماليزيون في الماضي من الغابات البعيدة ملاذاً لهم، كما كان الانفصاليون يختبؤون في الأدغال في الستينات والسبعينات. وعدا ذلك لا تكاد توجد منطقة في تايلاند، يكثر فيها عدد العاملين في أجهزة المخابرات كما هي الحال في سونغكلا وبتاني ويالا. ومع ذلك فإن مراكز الحكومة تقف عاجزة إزاء ظاهرة الخلايا الإرهابية العاملة بمعزل عن بعضها البعض:

"في البدء، خاصة بعد الاعتداء على بالي، كان يوجد الكثير من النظريات حول مصدر هذه الجماعات ومن الذي يموِّلها. كان المقاومون في الستينات والسبعينات انفصاليين، كانوا يكافحون من أَجل استقلال باتاني.

بيد أَنّ الهدف الذي يسعى من أجله مسلحو اليوم يختلف تمام الاختلاف. عادة ما يكونون شبابًا تايلانديون لم يبلغوا العشرين من العمر، كما لا توجد إشارات تشير إلى تمويل خارجي. وهم لا يحتاجون أيضًا إلى الكثير من المال للقيام بهجماتهم واعتداءاتهم.

تقع كل الحوادث في المنطقة وهم يستخدمون أسلحة رخيصة الثمن. يطلقون الرصاص من مسدسات وبنادق رخيصة أو يقطعون رؤوس البشر. لا يوجد لديهم أشياء باهظة الثمن كقاذفات الصواريخ أو القنابل. نحن نتحدّث هنا عن مجموعة صغيرة فعَّالة، لا تحتاج إلى الكثير من المال لإنفاقه على فرق القتل الخاصة بها".

وعلى عكس الانفصاليين، الذين كانوا يكافحون من أجل استقلال إقليم باتاني ويقاومون الجيش والشرطة، فإن الشباب الإسلاموين المتطرفين المسلحين العدوانيين يقتلون جيرانهم. والجديد في العنف الذي يشهده جنوب تايلاند، أَنّه يتم قتل مدنيين أبرياء من أصحاب محلات وفلاحين فقراء ومعلِّمين ورهبان بوذيين دون تمييز. يقول فاريش نور، المشكلة هي أَنّه لا يمكن لأحد أن يجري معهم مفاوضات سلام، ذلك لأَنّ لا أحد يعرف مع من يمكن التفاوض:

"إن جنوب تايلاند فقير جدًا وينتشر فيه الفساد وسوء إستخدام السلطة منذ فترة طويلة، بواسطة ثلّة من أصحاب الإمتيازات المحليين والجيش والشرطة. كذلك تكثر انتهاكات حقوق الإنسان. حيث أدت كل هذه الأمور، إلى أن يتخذ الشعب موقفًا معادياً شيئاً ما من الحكومة. إذ أَنّ السكان في هذا الإقليم يشعرون بأنهم يعاملون في بلدهم كأشخاص من الدرجة الثانية. لذلك فإن ما يقلقني أساساً، أن الوضع سيستمر على ما هو عليه. لا يمر يوم في جنوب تايلاند من دون اغتيال وقتل، ومن دون اعتداءات".

أضف إلى ذلك أَنّ الشعب تعلَّم أن لا يرى شيئاً، ولا يسمع شيئاً وأن يحتفظ لنفسه بالأسرار - سيّان أكانت تتعلّق بتجارة المخدِّرات أو بعمليات أجهزة المخابرات أو بالإرهاب.

بقلم هينريتّه فريغه
ترجمة رائد الباش
حقوق الطبع دويتشه فيلله 2005
©

قنطرة

حركات قوية تنشد الإستقلال في مندناو وآتشه وبتاني
الإسلام المتطرف يشكّل حاليا العنصر المغذي للنزعة الانفصالية في جنوب شرق آسيا ح وهو يحل محل الشيوعية التي ساهمت في السابق من خلال كفاحها المسلح ضد القوى الاستعمارية في كل دول جنوب شرق آسيا تقريبا في نيل الاستقلال. تحليل مانفريد ريست