كتاب ييي

ينتشر الأمازيغ في دول المغرب العربي، ويعود تاريخهم إلى ما قبل الإسلام. وتجمع اللغة الأمازيغية بينهم، وإن كانت تتوزع بين لهجات عدة. وتسعى جمعيات تدافع عن الهوية الأمازيغية للحصول على اعتراف أكبر ورسمي بهؤلاء السكان الأصليين.

من منافع العولمة وربما من مخاطرها أيضا تفكيك الكيانات الكبيرة القارة ذات البنى المغلقة والنبش في جذورها من أجل الوصول إلى تلك الإثنيات الصغيرة المغيبة التي بدأت هوياتها تتمزَّق أو تختفي في ظل الهيمنة القومية والدينية للمجتمعات التقليدية ومجتمعات ما قبل الحداثة. النتائج المترتبة عن هذا التفكيك هو إعادة الاعتبار لهوية هذه الأقليات والكشف عن ثقافاتها التي طمست لاعتبارات دينية وأيديولوجية ولغوية.

من جانب آخر ولجهة المخاطر التي تفرزها هذه التحولات بدأ الكثير من الجماعات المهيمنة التي ينتظم تحت سطوتها عدد كبير من الأقليات بدق ناقوس خطر التفكُّك الذي عصف من قبل بدول كبرى كانت، ذات يوم، تشكِّل قطباً في المعادلة العالمية، ونقصد به الاتحاد السوفييتي السابق.
 

ليس بمقدور المرء إن يتكهَّن بما سوف يجري في الأيام القادمة، ولكن بمقدوره أن يتصوَّر حجم الحرائق التي سوف تنتج من جرَّاء الشرر الذي بدأ يتطاير هنا أو هناك، خصوصاً في العالم العربي والشرق الأوسط الذي بدأت حرائقه فعلاً تنطلق من العراق وسورية وليبيا الذي يتحول إلى محرقة يوماً بعد يوم. التجليات بدأت تظهر في على شكل مؤتمرات تقيمها الأقليات برعاية دول أوروبية تؤمن بتعدد الثقافات والأديان واللغات. وقد حدث فعلاً وإن أقيم مؤتمر للأقباط في زيورخ، وتبعه آخر للأقليات في العاصمة البلجيكية بروكسل، وسوف تتبعه مؤتمرات كثيرة طالما كانت مطالب هذه الأقليات معقولة. ولكن هل هذه المطالب معقولة في نظر الدول الشمولية؟

 تاريخ الريف
 الأمازيغ أو سكان الريف المغاربي من الأقليات الكبيرة في المغرب العربي لكن لا أحد يعرف شيئا مهما عن الثقافة الأمازيغية في الثقافة العربية، باستثناء كونهم مسلمين وساهموا بفتح إسبانيا عن طريق القائد الأمازيغي طارق بن زياد أو (لذريق). أما في الثقافات الأخرى، والأوروبية منها تحديداً، فإنهم يعانون من المشكلة ذاتها؛ إذ يوجد على سبيل المثال في هولندا وحدها أكثر من ربع مليون أمازيغي وفق عمدة لاهاي السيد ديتمان، الذي كتب مقدِّمة الكتاب، معظمهم لا يعرفون شيئاً عن هويتهم الثقافية، والنظرة الغالبة عنهم من قبل الهولنديين أنهم عرب مسلمون من المغرب. وقد بدأوا يتعرضون ببطء إلى الأسلمة والتعريب مما يجعلهم يتخلَّون عن هويتهم الأمازيغية. لكن صدور آيث ورياغر (قبيلة من الريف المغربي) للأنثروبولوجي الأميركي دافيد مونتغمري هارت المترجم من الإنكليزية إلى الهولندية، سيحدث انقلاباً في حياة الجيلين الأمازيغيين الثاني والثالث في هولندا كما يتصوَّر آباء الثقافة الأمازيغية في الأراضي المنخفضة.

فقد كلَّفت جمعية الديمقراطيين المغاربة كلاً من الصحافية سيسك دي بور (المقيمة حالياً بالحسيمة) والسيدة كريستين فرانكين (مترجمة في مجال الأنثروبولوجيا الثقافية)، بترجمة هذه الدراسة المهمة من الإنكليزية إلى الهولندية.
 أنجز هارت دراسته هذه في فترة حاسمة من تاريخ الأمازيغ ـ الريفيين ـ مستفيداً من علاقته الجيدة مع الريفيين والأسبان، معتمداً، في ذلك، على معطيات ميدانية موثوق بها، ووثائق مهمة، ومراجع قيمة بفضل تمكُّنه من اللغات الأمازيغية والإنكليزية والإسبانية والفرنسية. ولعلَّ ما جعل هذه الدراسة تحظى بالتميز، بالإضافة إلى العوامل السابقة، هو تخصيص المؤلِّف أطول فترة ممكنة للدراسة الميدانية موظِّفاً احترافيته كأنثروبولوجي متمرِّس، ومتبنياً حياداً قلَّ نظيره في مثل هذه الدراسات. هذا علاوة على ندرة الدراسات والأبحاث القيمة المنجزة حول المنطقة وشعوبها.
 تعد هذه الدراسة ذات قيمة علمية وأهمية قصوى بالنسبة للدارسين المتخصصين أو عموم القراء، أمازيغيين أو غيرهم، والمقيمين منهم بالمغرب أو خارجه. وتكفي الإشارة بهذا الخصوص إلى ما قاله في حق الكتاب وصاحبه العديد من الدارسين المرموقين. إذ وصف جرمان عياش (دايفيد هارت) بأنه أفضل خبير بالحياة الريفية الأمازيغية. واعتبر أرنست كيلنر دراسته على أنها الوصف الأكثر شمولية ودقة المتوفر اليوم حول التنظيم الاجتماعي للريفيين وثقافتهم. وصنَّفها هنري مونسون ضمن أجود الدراسات الإثنوغرافية التي أنجزت إلى يومنا هذا حول أمازيغيي المناطق الجبلية بالمغرب.
من جهته، وسمها بول رابينو كمساهمة هامة في مجال الإثنوغرافيا المغربية، ودراسة غنية معززة بالوثائق والمعطيات الميدانية، معتبراً البحث بحق من الكتب النادرة في عهدنا هذا، مضيفا أنه ''سيبقى من المراجع الأساسية لكل المهتمين بالدراسات حول المغرب والقبلية بشكل عام''. وتوج كارلتون في تقييمه لهذا المؤلَّف الضخم بالقول: إنه عبارة عن وصف وتحليل شاملين للثقافة الريفية كما تتجسد في آيث ورياغر كفضاء وزمان ومجموعة. ولا غرو، فمن الصعوبة بمكان العثور على دراسة إثنوغرافية أكثر دقة وتفصيلاً كهذه حول مجموعة أخرى في أفريقيا إن لم نقل في العالم برمته.

من الهولندية إلى العربية
من هنا تبرز أهمية هذا العمل الذي كانت تشكل اللغة التي كتبت به عائقا حالَ دون الإطلاع عليه من طرف العديد من المعنيين بموضوعه. والآن بعد ترجمته ستتمكَّن شرائح واسعة من الاستفادة من مادة غنية ستساهم بدون شك في تحسين فهم الريفيين وغيرهم للجذور الثقافية والتاريخية لهذا المجتمع الذي ترك بصمات واضحة على تاريخ المغرب ككل، والذي أسيء فهم أو تأويل بعض تصرفاته أحياناً لعدم معرفته عن قرب. تحمل الترجمة العربية قيمة مضافة تعود إلى إغنائها بمقدمة جديدة صحح من خلالها هارت العديد من الهفوات السابقة، مستفيدا من
انتقادات زملائه، ومن نضجه كدارس، ومن وقت إضافي لمراجعة التصورات والآراء المتسرعة. هذا بالإضافة إلى إعادة قراءة فريق المترجمين للمادة المقدمة وتصحيح بعض المعطيات أو إغنائها بفضل ارتباطهم بمحيط الدراسة الجغرافي والبشري والثقافي واللغوي.
 بالفعل، إن ترجمة هذا المؤلَّف إلى الهولندية، والذي يعتبر من بين أحسن الدراسات العلمية التي تمت على الريف المغربي، سيساهم لا محالة في تنوير الجيل الثاني والثالث من الشباب المغربي الهولندي الباحث باستمرار عن هويته الثقافية وبالخصوص طلاب المعاهد والجامعات. كما ستستفيد منه مؤسسات البحث الهولندية المهتمة بمجال التعدُّد الثقافي والمجالس البلدية داخل المدن الكبرى والمدارس الثانوية للتعرف أكثر على منطقة الريف التي وفد منها معظم المهاجرين المغاربة إلى هولندا.

قام بترجمة الكتاب ثلاثة من الأساتذة المغاربة وهم الدكتور محمد اونيا والأستاذ عبد المجيد عزوزي والأستاذ عبد الحميد الرايس.