بداية جديدة من دون صور عدائية؟

يرى المعلق بيتر فيليب أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما جاد في سياسته؛ فقد أعلن عن استعداده لإجراء محادثات مع طهران، مستغلا عيد "النوروز" ورأس السنة الفارسية الجديدة ليعرض على إيران بداية جديدة في العلاقات.

صورة رمزية
هل يشكل عرض أوباما فاتحة لعلاقات جديدة مع طهران؟

​​ كانت مجاملات باراك أوباما لإيران أقلّ أهمية من وصف الشعب الإيراني بصفة الأمَّة الحضارية، فمثل هذا الوصف كان يُسمع أحيانًا حتى من فم جورج دبليو بوش الذي كان وعلى الرغم من ذلك يتعامل مع إيران باعتبارها جزءًا من "محور الشرّ". بيد أنَّ الأهم هو الصراحة والوضوح اللذان أعلن بهما باراك أوباما عن أنَّ هناك بطبيعة الحال مجموعة من الاختلافات في وجهات النظر بين الولايات المتَّحدة الأمريكية وإيران وأنَّه رغم ذلك مستعد ومصمِّم على التعامل مع هذه المسائل عبر الطرق الدبلوماسية.

" حوار يتسم بالندية"

ويبدو أنَّ استراتيجية باراك أوباما تكمن في "التقارب النديّ". فقد أعلن الرئيس الأمريكي أنَّ المرء لا يستطيع التوصّل إلى أي شيء من خلال الاقتراحات التي يتم إصدارها من فوق أو حتى من خلال الأوامر والعقوبات. بل إنَّ المرء يصل على أبعد تقدير إلى نقيض ذلك، بحيث أنَّ الطرف الآخر يشعر بأنَّه مُتجاهل ومُهان ومُحتقر. ولهذا السبب بالضبط يُعْرِض الطرف الآخر عن كلِّ المغريات.

ومن الممكن أنَّ عبارات باراك أوباما وجدت لدى الكثيرين من الإيرانيين آذانًا صاغية، إذ إنَّ الكثيرين من الإيرانيين يوجِّهون أبصارهم على كلِّ حال منذ فترة طويلة إلى الولايات المتَّحدة الأمريكية، كما أنَّهم لا يرغبون في شيء أكثر من إعادة بناء العلاقات مع الولايات المتَّحدة الأمريكية. ولكن أيضًا عبارات الاسترضاء والمجاملة التي وردت من واشنطن تثير في الأوساط السياسية في طهران الريبة والشكّ وتثير على أقلّ تقدير رفضًا مؤقتًا.

إيرانية تتابع خطابا لأوباما، الصورة: ا.ب
الشعب الإيراني تلقى رسالة أوباما بإيجابية

​​ ومثلما بيَّن المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران، آيات الله علي خامنئي منتقدًا باراك أوباما في كلمة له ألقاها في مدينة مشهد بمناسبة حلول رأس السنة الفارسية؛ حيث قال إنَّ أوباما لا يستطيع تهنئة الإيرانيين بالسنة الجديدة واتِّهامهم في الوقت نفسه بدعم الإرهاب والعنف.

ولم يكن المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران يريد فهم أنَّه تحدَّث هنا عن الاختلافات في وجهات النظر - هذه الاختلافات التي تحدَّث عنها أيضًا باراك أوباما؛ أي دعم إيران لحزب الله وحركة حماس وكذلك الاشتباه بأنَّ إيران تسعى من خلال برنامجها النووي إلى امتلاك أسلحة نووية.

وخامنئي أشاد قبل ذلك بيوم واحد فقط بمواصلة تطوير البرنامج النووي الإيراني باعتباره إنجازًا عظيمًا حقَّقته إيران في العام الماضي وقال إنَّ التراجع في هذا الصدد يعتبر لهذا السبب أمرًا غير متوقَّع من قبله. ويبقى السؤال مطروحًا عمَّا إذا كان سوف يعطي على الرغم من ذلك الضوء الأخضر لإجراء اتِّصالات مباشرة في مختلف القضايا؛ على الرغم من الاختلافات في المواقف ووجهات النظر بين واشنطن وطهران.

مصالح مشتركة

خاميئي، الصورة: ا.ب
"يخشى إيديولوجيو "الجمهورية الإسلامية" من أنَّ التقارب من الولايات المتَّحدة الأمريكية يمكن أن يقوِّض أساس عقيدة دولتهم ويفرغها من الداخل".

​​ ومن الممكن والأجدر أن يحاول المرء الاعتماد على المصالح المشتركة. ومثل هذه المصالح موجودة أيضًا؛ إذ توجد لدى الولايات المتَّحدة الأمريكية وإيران مبدئيًا مصالح متشابهة في العراق - وأكثر من ذلك - في أفغانستان. فمن الطبيعي أن يعم الهدوء أخيرًا هذين البلدين وأن لا يعودان يظهران بمظهر الأعداء المزعجين - ليس بالنسبة للجارة إيران ولا بالنسبة لباقي دول العالم. وإذا ما تسنى إبراز هذه المصالح المشتركة - مثلاً في مؤتمر أفغانستان المزمع عقده في لاهاي، فلماذا لا يفترض عندئذ الخوض في المسائل والقضايا المختلف عليها؟

وتبقى ثمة أمور كثيرة مرهونة بالثقة المتبادلة ولكن يبدو أنَّ هناك نقصًا في هذه الثقة. وبطبيعة الحال يوجد في طهران على وجه الخصوص سبب وجيه آخر للإبقاء على الصور العدائية؛ فعلى ما يبدو يخشى إيديولوجيو "الجمهورية الإسلامية" من أنَّ التقارب من الولايات المتَّحدة الأمريكية يمكن أن يقوِّض أساس عقيدة دولتهم ويفرغها من الداخل. ولا شكّ في أن هذه العقيدة تستمر في الحياة من خلال تصوير الولايات المتَّحدة الأمريكية بصورة عدائية.

بيتر فيليب
ترجمة: رائد الباش
حقوق الطبع: دويتشه فيله 2009

بيتر فيليب خبير في شؤون الشرق الأوسط، يعمل رئيسًا لمراسلي مؤسسة دويتشه فيله وقد عمل ثلاثة وعشرين عامًا مراسلاً لدويتشه فيله في القدس.

قنطرة

أوباما وسياساته الشرق أوسطية:
دبلوماسية "أوبامية" جديدة على إيقاعات شعار التغيير؟
حسب رأي الخبير وأستاذ العلوم السياسية توماس يِيغَر لا يمكن توقّع قيام إدارة الرئيس أوباما بإحداث تغييرات جذرية في سياستها الخارجية تجاه الشرق الأوسط. غير أن الأمر الأكثر أهمية هو إن كانت السياسة الخارجية الأمريكية سوف تتَّبع مسارًا سياسًيا جديدًا مختلفًا عن الحرب على الإرهاب.

السياسة الأمريكية تجاه إيران:
هل ستخلق واشنطن طالبان جديدة في إيران؟
تموِّل الولايات المتحدة الأمريكية نشاطات سرية في إيران من أجل إسقاط النظام الحاكم في طهران. وفي ذلك تقوم واشنطن بدعم جماعات من المفترض أن تُصنِّفها في الظروف العادية كجماعات إسلاموية وإرهابية. بيتر فيليب في قراءة تحليلية للإستراتيجية الأمريكية تجاه طهران.

حوار مع هانس بليكس حول الملف النووي الإيراني:
"المفاوضات المباشرة بدل سياسة العقوبات"
يرى هانس بليكس، الرئيس السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرِّية IAEA أنه لا بد من إجراء محادثات مباشرة مع طهران إزاء برنامجها النووي واعتماد سياسية الحوافز كمخرج لهذا الملف الشائك. توماس لاتشان تحدَّث إلى هانس بليكس حول تعامل الغرب مع إيران وموقف الإدارة الأمريكية الجديدة من الملف النووي الإيراني.