فلنسلّح المجرم: عن الأكاديمية الألمانية والقضية السورية

By ياسين الحاج صالح

يقترح ميشائل لودر، وهو "باحث مختص بشؤون الشرق الأوسط والعالم الإسلامي"، على الغرب أن "يتواصل" مع بشار الأسد و"يدعمه عسكريا" في مواجهة داعش. موقع "قنطرة" الألماني الذي نشر مقابلة مع لودر في 27/5/2105، وصفه بأن له "حضور قوي في الندوات الحوارية في مختلف وسائل الإعلام الألمانية والأوروبية".

 

هذا خبر محزن جدا لي ككاتب سوري معارض للنظام الأسدي في طوري الأب والابن، ومناهض لداعش وأشباهها. كنت آمل أن يحوز ذوو "الحضور القوي" في "وسائل الإعلام والندوات الحوارية" قدراً أكبر من الحس الأخلاقي، أفتقده كليا في ما قاله السيد لودر، المختص بشؤوننا الشرق أوسطية.

 

سألاحظ، بداية، أن هذه قد تكون أول مرة على الإطلاق يدعو فيها خبير غربي إلى دعم النظام السوري عسكريا. ضد من؟ ليس في مواجة إسرائيل التي تحتل أرضا سورية اليوم، وقصفت مواقع سورية مرارا في السنوات السابقة وفي أي وقت وجدته مناسبا، بل في مواجهة داعش التي احتلت مدينة تدمر في شهر أيار الماضي.

 

الباحث الألماني لا يقول في مقابلته إن هناك مقاتلون للنظام السوري غير داعش، ولا طبعا أن داعش لم تنتزع من يد النظام غير تدمر، وأن كل ما انتزعته قبل ذلك، وهو مساحة كبيرة في سورية، كان من يد مقاتلي النظام الآخرين الذي حرروا مناطق من البلد بثمن باهظ. وبينما يقر أن بشار الأسد مجرم، يدعو لودر إلى تسليح هذا المجرم بالذات.

 

ترى، هل سيكتفي المجرم الذي يرتدي ربطة عنق بقتال داعش بالسلاح الغربي؟ ألا يحتمل أن يقاتل غيرها، ليس إسرائيل بالطبع، لكن معارضيه الآخرين، وربما يوجه جيشه الهمجي ضد إدلب وحلب والغوطة الشرقية ودرعا؟ المجرمون تعريفا هم من يرتكبون الجرائم، و"مجرم" لودر المذكور قتل أو تسبب خلال أربع سنوات ونيف في قتل فوق ربع مليون سوري، وفي تهجير 4,1 مليون خارج سورية، منهم الألوف في ألمانيا اليوم، وفوق 7 ملايين داخل البلد.

 

ومعلوم عن هذا "المجرم" أنه بين بداية الثورة السورية في آذار 2011 وآب 2013، قتل 11 الف معتقل تحت التعذيب في مقراته الأمنية ومشافيه التعذيبية، وأنه استخدم غازن السارين ضد محكوميه مرارا، ومنها ما أوقع 1466 سوريا في الغوطة الشرقية خلال ساعة واحدة من فجر 21/8/2013، مدنيون في أكثريتهم الساحقة، وأن هذا "المجرم" نفسه يستخدم براميل متفجر تحدث دمارا وقتلا هائلين ضد المناطق الخارجة على سيطرة نظامه، وأنه ارتكب العديد من المذابح التي يستطيع السوري المتوسط أن يعد عشرة منها، وأنه وضع نظامه تحت الحماية الإيرانية مقابل رهن أملاك الدولة، وأنه فتح الباب لميلشيات حزب الله اللبناني التابع لإيران، ولميليشيات عراقية وأفغانية (خلافا لما يقول الباحث الأكاديمي لودر الذي بلغ مرتبة من الخبرة أن يقول إنه ليس في سورية ميلشيات شيعية غير حزب الله- ربما عليه أن يسأل مواطنه كريستوف رويتر في هذا الشأن). 

 

حيال هذا الوضع، المرء يغرى بالسؤال عمن يكون أشد إجراما، من ارتكب هذه الجرائم الموصوفة للتو، أم من يدعو إلى تسليحه والتواصل معه؟ لكن لنقاوم هذا الإغراء الأخلاقي، ونحاول من خلال طرح أسئلة ثلاثة ومحاولة الإجابة عليها تقييم كفاءة لودر الأكاديمية: 1) هل بشار الأسد معاد لداعش؟ 2) هل يريد بشار مواجهة داعش؟ 2) هل يستطيع بشار مواجهة داعش؟

 

قبل أيام كشف التحالف الدولي من أن نظام بشار عمل كقوة طيران لداعش وقصف مناطق الثائرين على النظام الذي يقاومون داعش أيضا في مناطق حلب الشرقية والشمالية. هذا ليس لأن بشار يحب داعش، الرجل لا يحب غير المليارات، وأن يبقى في الحكم الذي ورثه عن أبيه إلى الأبد. لكنه يعرف أن هناك سوقا غربية مزدهرة تطلب اختصار الصراع السوري إلى مواجهة بين نظامه "المجرم" وبين داعش، وهو يبذل جهده لتوفير عرض يلبي هذا الطلب، من أجل نيل شرعية غربية تعوض عن شرعيته الداخلية المفقودة.

وجود مجموعات مقاتلة أخرى، نشأ بعضها في خط مستقيم عن الاحتجاجات الشعبية السلمية، وطور بعضها نزوعا إسلاميا متفاوتا في تشدده، لكن ليس منها ما هو ليس ضد بشار وداعش معا، يشوش مخطط بشار/ لودر، لذلك لا بد من سحقه بالقوة (بشار) أو التجاهل (لودر).   

 

كنت شخصيا في الرقة بين صيف وخريف 2013 وقت كانت تتسع سيطرة داعش على المدينة. خلال ذلك الوقت كنت شاهدا على البراميل المتفجرة ترمى فوق المدينة غير مرة، وعلى قتل 19 ولداً في مطلع تشرين 2013 في المدينة بفعل قصف طائرات "المجرم"، بينما لم يتعرض مبنى المحافظة الكبير، وكان مقر داعش، لضربة حجر. هذا المقر قصفه التحالف الدولي في أول أيام حربه في سبتمبر الماضي.  

ما دامت هناك مقاومة لبشار، وما دام نظامه يتعرض لضربات مقاتلين سوريين، سيبقى بشار في حاجة قوية لداعش التي تتكون قياداتها ومعظم مقاتليها من لا سوريين، عرب وأوربيين، غير قليل منهم محدثو إسلام (هر لودر، إن أردت التوثق فاسأل الصحفي الفرنسي نيكولا هينان الذي بقى 10 شهور مخطوفا عند داعش!). فقط إذا أخمدت كل مقاومة مسلحة أخرى، وقتل بشار عشرات الألوف، واعتقل عشرات الألوف ليقتلهم تحت التعذيب، ودمر مدنا وبلدات إضافية، وهجّر بضعة ملايين آخرين من السكان، وكفل الغرب مثلما يريد لودر بقاء نظامه وأمده بالسلاح، وقتها فقط يمكن لبشار أن يواجه داعش.

 

لكن لنفترض أن الحكومات الغربية سلحت نظام بشار وتواصلت معه، فهل يستطيع فعلا القضاء على داعش؟ فشل النظام في مواجهة مجموعات "الجيش الحر" ضعيفة التسليح منذ خريف 2011، وحيث حصل أن تلقت مجموعات مقاتلة شيئا من السلاح، كان جيش بشار يندحر بسهولة، وهذا لأنه جيش فاسد، منحط، لا قضية له. فهل يستطيع نظام كهذا الوقوف في وجه داعش التي تقول أميركا بالذات إن المواجهة معها قد تستمر لسنوات، وتزايد وزيرة خارجية أستراليا بالقول إنها قد تستمر لأجيال؟ النظام يعرف جيدا أنه لا يستطيع الدفاع عن نفسه، ولذلك وضع نفسه تحت الاحتلال الإيراني.

 

فهل هذه أشياء تغيب عن بال الباحث الأكاديمي لودر؟ هل هو ببساطة مخطئ في التشخيص؟ أم أن الرجل لا يبالي بأن توضع سورية تحت الاحتلال الإيراني، وأن تكون مساحة لحرب لا تنتهي، فوق لا مبالاته بمصير السوريين؟

 

إن كان مخطئا في التشخيص، وهو الباحث الأكاديمي، فهذا سيء جدا، لكن يمكن الحد من أضراره بإظهار جهل الرجل، ودعوة "وسائل الإعلام والندوات الحوارية" إلى عدم استضافة شخص جاهل. أما إن كان يعرف ما يقول، ولا يبالي بأن يقتل السوريين بعشرات الألوف ومئات الألوف، وأن تدمر سورية كلها وتقع تحت احتلال أجنبي، فهذا أسوأ، وهو يعيد الشرعية إلى السؤال: من هو المجرم، يا ترى؟ من يقتل ويعذب ويستخدم السلاح الكيميائي والبراميل المتفجرة ضد محكوميه؟ أم من يقول يجب تسليح هذا المجرم؟ 

 

وقبل ذلك سؤال بسيط: ما رأي الأكاديميا في ألمانيا بمن يقول فلان مجرم بحق شعبه، لكن لمصلحتنا نحن، فلنسلحه ونتواصل معه! 

 

 

ياسين الحاج صالح

 

حقوق النشر: قنطرة 2015