شعور بالتهميش وتوتر اجتماعي

من المقرر إجراء استفتاء في كينيا في أواخر هذا العام حول إصدار دستور جديد، يتضمن أيضا الاعتراف بالشريعة. ويرى مراقبون أن هذا الاعتراف يتيح للمسلمين الفرصة لتحقيق الاندماج الاجتماعي. تقرير هنريت فريغه

مسلمون في كينيا، الصورة:أ ب
تشكل نسبة المسلمين في كينيا حوالي 12 – 20 بالمائة من مجموع السكان.

​​

تشكل نسبة المسلمين في كينيا حوالي 12 – 20 بالمائة من مجموع السكان وفي تنزانيا تتراوح التقديرات بين 35 و 45 بالمائة. وينشط في كلا البلدين مبشرون مسيحيون محافظون ووعاظ مسلمون ينتمون إلى المذهب الوهابي مما يؤدي إلى شحذ التوتر القائم بين المسلمين وبقية السكان هناك.

ولا يسع احتواء هذا التطور إلا من خلال تعزيز الجهود الرامية إلى تحقيق اندماج المسلمين. تلك خلاصة دراسة تابيا شارر وشنفي أحمد اللذين يبحثان في مركز الشرق الحديث التابع لجامعة هومبولت في برلين في موضوع الدعوة الإسلامية في شرق أفريقيا، وقد عادا لتوهما من رحلة أبحاث طويلة في المنطقة.

تمر كينيا في حالة غليان داخلي على الرغم من أنها تعتبر مقارنة بدول أفريقية كثيرة أخرى تزعزعت أركانها وانهارت بوقع الحروب الأهلية معقلا للاستقرار. ومن المقرر إجراء استفتاء في أواخر هذا العام في كينيا حول إصدار دستور جديد، ومن النقاط المطروحة للتعديل الاعتراف بالشريعة.

يعيش المسلمون في كينيا في المناطق الساحلية على وجه خاص. وهم يقومون تقليديا بتسوية قضاياهم العائلية بأنفسهم. ففي ما يسمى "محاكم القضاة" يتم التفاوض وفقا لأحكام قانون العائلة الإسلامي حول الطلاق والخيانة الزوجية والنزاعات المتعلقة بالإرث.

ويتم تعيين القضاة من قبل الطائفة الإسلامية بالتنسيق مع الجهات الحكومية. والجدير بالذكر أن قاضي القضاة شخص منفتح، فقد دعا إلى استخدام الواقي في كينيا المبتلية بمرض الإيدز.

الخوف من التهميش

وانقسمت الصفوف نتيجة للخلاف الراهن المشتعل حول الدستور إلى معسكرين متنازعين إلى أقصى حد. المعسكر الأول يرفض إقامة التشريع الديني بجانب التشريع الدنيوي أما المعسكر الآخر فيريد توسيع نطاق الشريعة الإسلامية. وتضع باحثة الإثنولوجيا تابيا شارر المطلب الثاني في سياق اجتماعي أكبر:

"في رأيي تشكل رغبة المسلمين في منحهم اعترافا مؤسسيا أمرا ضروريا لكونهم كثيرا ما شعروا بالتهميش. وهذا الاعتراف يتيح لهم مؤكدا الفرصة لتحقيق الاندماج الاجتماعي."

لا تخالج المسيحيين وحدهم مشاعر الخوف حيال رفع مقام المحاكم الإسلامية. فمثال نيجيريا يوضح الأخطار النابعة من ذلك كتوجيه العقوبات الصارمة للصوص وللنساء المتهمات بارتكاب الخيانة الزوجية. وفي نظر شنفي فإن من الأفضل إبقاء وضعية محاكم القضاة كما هي عليه الآن:

"بناء على وجهة نظري فإن الأمر يرتبط بموضوع الهوية أكثر من ارتباطه بالقانون. فمسلمو كينيا اعتبروا هذه المحاكم دوما جزءا من الهوية الإسلامية مما جعلهم يعتنون بأمرها. أما إذا تم اليوم تصويت حول الدستور فإن ذلك سيؤدي إلى إدماج محاكم القضاة في بنود الدستور.

ولا يمكن إلغاء هذا المحاكم وبالتالي منع المسلمين من معالجة قضاياهم العائلية أمام القضاة المسلمين. فمحاكم القضاة جزء لا يتجزأ من حياتهم، حتى ولم يجر ذكرها حتى اليوم في الدستور."

دعوة إسلامية وتبشير مسيحي

وازدادت نسبة المسلمين في كينيا وتنزانيا في غضون السنوات العشرين الماضية. وقد اتسمت الثمانينيات خاصة بتكثيف متزايد لأعمال الدعوة الإسلامية. وكان مصدر الدعم المالي السعودية وسلطنة عمان.

"تلقى الوعاظ من الشباب تعليمهم في كينيا وتنزانيا ثم أوفدوا فيما بعد لغرض التأهيل إلى دول أخرى كالسعودية وإيران ومصر. معظم هؤلاء الوعاظ وهابيون في حالة كينيا. لكن هذا المذهب الإسلامي يتناقض مع أشكال الإسلام التقليدي والإقليمي المنتشر في شرق أفريقيا. ففي كينيا يوجد الكثيرون من أنصار الصوفية وغيرها من المدارس المحلية الأفريقية."

دوافع اعتناق الإسلام

بحثت تابيا شارر في أسباب اعتناق السكان للإسلام. من الأسباب التي تعرضت لها هيمنة النزعة المادية على الحياة ورغبة الناس بالتالي بالانفتاح نحو القيم الروحية:

"تحدثت حول ذلك مع أفراد ينتمون إلى الطبقة الوسطى على وجه خاص، ورأيت أن دافع "التحوّل الفكري"، إن جازت تسميتي هذه، هو العامل الرئيسي وراء ذلك. لقد اهتموا بالدين منذ مدة طويلة، وفي بعض الحالات استغرق هذا التطور أكثر من عقد كامل ومن بعد ذلك قرروا اعتناق الإسلام.

وهم يرون في الإسلام الدين الحقيقي الأصيل. فقد ظهر بعد المسيحية، وهو أكثر أصالة منها حيث أن محمد هو خاتم الأنبياء. هؤلاء الأشخاص يودون سلك الطريق السليم ويبحثون عن ممسك يجنبهم دخول جهنم بعد الموت. هذه بالتأكيد نقطة كبيرة هامة للغاية في إطار النقاش الدائر حول هذا الأمر."

يدور في كلا البلدين، كينيا وتنزانيا، صراع حضاري بين وهابيين سعوديين من جهة وبين كنائس أمريكية مسيحية محافظة من جهة أخرى. كلا الطرفين يستخدم بهدف الدعوة والتبشير حججا دنيوية مادية للغاية.

وهذا يتضمن الوعد بمنح قروض ميسرة للسكنى وبناء الكنائس في مواجهة المساجد والعكس على حد أقوال هذين العالمين. وفي النهاية يحسم الأمر لصالح الإسلام وذلك ليس فقط لكون تكاليف السكنى أدنى من الطرف الآخر:

"أعتقد بأن الأمر يتطلب دمج المسلمين في المجتمع بغض النظر عن إجراءات مكافحة الإرهاب قصيرة الأجل. فهم ما زالوا عرضة للتهميش مما يزيد درجة الإحباط لديهم. وهذا الحال يجري توظيفه من قبل مجموعات معينة تعمل على كسب الشباب خاصة لأفكار الإرهابيين.

ومن السهل كثيرا تعبئة الشباب ضمن شرائح اجتماعية تشعر بأنها تعامل كمواطنين من الدرجة الثانية مما يزيد درجة الإحباط لديها. من هنا تنشأ اتحادات تقتصر على المسلمين الشباب وحدهم. فكل إجراءات مكافحة الإرهاب ومحاربة "محاكم القضاة" كفيلة بشحذ أحاسيس عدم الارتياح لدى المسلمين."

شنفي أحمد و تابيا شارر يعتقدان بأنه لا يمكن احتواء التطرف الديني إلا من خلال تكريس الاندماج السياسي والاجتماعي والاقتصادي.

وكمثال على ذلك يشيران إلى الجامعة الإسلامية في تنزانيا وهي مؤسسة علمية منفتحة وحديثة توفر للشباب المسلمين خاصة فرصة الدراسة الجامعية. ومن المقرر إنشاء جامعة شبيهة في كينيا، وقد تم شراء الأراضي اللازمة لذلك، ولم يتبق إلا الاعتراف الرسمي للدولة بها.

هنرييت فريغي
DW-World.deحقوق الطبع
ترجمة عارف حجاج

المسلمون في جنوب إفريقيا
تنحدر غالبية المسلمين في جنوب إفريقيا من أصل هندي أوإندونيسي، كانوا خلال القرون الماضية عبيدا، ومعتقلين سياسيين فيما بعد. تقرير ألموت شيلبيبر عن بو كاب، حي المسلمين في مدينة كابتاون

اقتصاد إسلامي في دولة علمانية
ما هي المبادئ الاقتصادية التي تتبعها الجالية الإسلامية في جنوب إفريقيا؟ هل تلتزم بالأسس الإسلامية أم تتبع قوانين الرأسمالية؟ بحث شامل صدر أخيرا في برلين.