عاصمة تتلألأ من جديد....

لأمسيات عمان طعمٌ خاص في هذا الصيف، حيث يتسنى للمرء الاستمتاع بنغمات العروض الموسيقية في مهرجان صيف عمان الثقافي الثالث الذي حقق نجاحًا باهرًا، في حين يشهد المشهد الثقافي والحياة العامة عودةً للازدهار من جديد. مارتينا صبرا تستعرض جوانب المشهد الثقافي في عمان.

جانب من أحد حدائق الملاهي الأردنية، الصورة: أ.ب
مهرجان صيف عمان الثقافي الثالث احتفالية ثقافية ضخمة في الأردن

​​يُعرَف عن أهالي مدينة عمان في الواقع أنهم يؤثرون التوجُّه مباشرةً إلى منازلهم بعد انتهاء دوام العمل ليقضوا الوقت في حيزهم الخاص. بيد أن آلاف العمّانيين يتوجهون في هذا الصيف نحو حدائق الحسين وهي إحدى المناطق الخضراء الواقعة على الطرف الجنوبي للمدينة ليستمتعوا في الهواء الطلق بالعروض الموسيقية والمسرحية وبالعروض المسليّة للأطفال.

جاءت عائلات بأكملها بالحافلات للتنزّه وسماع الموسيقى. كما أن عددًا كبيرًا من السائحين القادمين من منطقة الخليج العربي انتهز الفرصة للقيام بجولات ترفيهية، ورقص الشبان اليافعون بخفةٍ على الإيقاعات الشعبية بتسريحاتٍ يغطيها "الجِل" وبقمصانٍ تبرز العضلات المفتولة وهم يضعون هواتفهم الجوالة على آذانهم.

دعم مالي حكومي

تم استقطاب هذا الجمهور المتنوع إلى "مهرجان صيف عمان الثقافي" الذي نظمته أمانة مدينة عمان هذه السنة بالتعاون مع لجنة الأردن لشؤون السياحة ووزارة الثقافة للمرة الأولى. الفعاليات الثقافية التي تقدم على منصات العرض المختلفة في حدائق الحسين كانت معدّة لتتناسب مع احتياجات الجمهور المتنوعة، حيث قدم المغنون وفرق الرقص العربية أغاني شعبية على الخشبة الرئيسة وكان بجانبها مسرح للأطفال، بينما قدِّمت عروض موسيقى الهيب هوب والروك وعروض موسيقى أردنية على عتبات المدرج الروماني المفتوح.

وبفضل الدعم المالي الكبير من قبل الدولة لتغطية أسعار التذاكر استطاع من يرغب بالحضور أن يفعل ذلك، الأمر الذي أبهج الفنانين أيضًا. "وفّر هذا المهرجان الفرصة الأولى للكثيرٍ من الزميلات والزملاء الشباب لكي يقدِّموا عروضهم أمام الجمهور الأساسي" بحسب قول المغنية الأردنية المعروفة ربى صقر التي قرأت الشعر وغنت أغاني صوفية على المسرح الروماني، وأضافت قائلة: "كنا نفضل طبعًا أن لا يخابر المستمعون باستمرار بهواتفهم الجوالة ليخبِّروا أصدقاءهم عن روعة العرض الموسيقي. لكن المهرجان من حيث المبدأ أمرٌ جيد".

"يريدون الاحتفال ويبحثون عن المسرة"

تم إعداد عددٍ وافرٍ من المنشآت الثقافية والحدائق اهتمامًا بالسياحة أيضًا، بيد أن المواطنين احتاجوا لبعض الوقت إلى أن بدؤوا بالالتفات إلى العروض المقدمة. "لم يكن الناس معتادين على الخروج"، كما تروي العازفة الموسيقية والمديرة الثقافية سوسن حبيب التي تدير وكالة عروض موسيقية في منطقة الفنانين في حي جبل اللويبدة، وتضيف حبيب قائلةً: "إلا أن جيلاً جديدًا قد برز اليوم وله احتياجاته الخاصة. الشباب والصبايا وكذلك بعض العائلات الفتية خبِروا الثقافة المعولمة بشكل كامل، وهم يريدون المسرة مثلهم مثل أقرانهم في مناطق أخرى من العالم، كما يريدون الاحتفال ويبحثون عن الأماكن التي توفر ذلك".

مؤشر لافت بشكلٍ خاص على التحول الذي جرى في الحياة العامة هي أسواق الروبابيكا التي تنظَم بمبادرات شعبية في أحياء عمان المختلفة منذ سنوات. سوق جارة في حي جبل عمان التقليدي أشهر هذه الأسواق. هنا يلتقي المرء في صباحات أيام الجمعة لتناول الفطور أو بعد الظهر لمشاهدة العروض المسرحية التي تعرض في الشارع.

مبادرات ذاتية

إطلالة على العاصمة الأردنية، الصورة: د.ب.أ
تشهد عمان نهضة عمرانية وسياحية كبيرة...

​​ثمة سوق روبابيكا آخر يديره سكان منطقة جبل اللويبدة ذاتيًا، إنه بازار الباعونية الموجود في ساحة باريس الدائرية الواقعة في نهاية الجهة الشرقية من الحي. يقدم بازار الباعونية الشِعر الحديث إلى جانب الأثاث القديم والملابس العتيقة. وهنا يبيع عماد الكتاب المشترك الأول لمجوعة تعاونية من الشعراء المحليين ويقول فرحًا: "يُباع الكتاب بشكلٍ جيد".

كما تبيع نساءٌ من الحي على البسطة المجاورة كعكات خبزنها بأنفسهن وشايًا ولفائف خبز. "يعج السوق بالناس بعد غروب الشمس" كما تروي هيام ابنة الخمس وخمسين عامًا مضيفةً: "جبل اللويبدة من أجمل أحياء عمان. وحتى وقتٍ قصيرٍ خلا لم يكن فيه أي مقهى شارع. أما اليوم فالناس سعداء بهذا التغيير الذي يجدونه، حيث يجلس رواد المقاهي هنا في أمسيات الصيف العليلة حتى الساعة الثانية فجرًا".

يتنامى دور المبادرات الذاتية والعمل الذاتي لدى العمل على إنشاء المواقع والأماكن الثقافية باضطراد. كما أن البعض أسس مشاريع مفتوحة مثل "ديوان" محمود بشارات على سبيل المثال.

مشاريع رائدة

محمود بشارات من خريجي جامعة كامبريدج وهو ملاّكٌ ميسورٌ وصاحب مزارع تجاوز السبعين من عمره، وقد كان العاهل الأردني الراحل قد منحه لقب شريف. يُعتبر محمود بشارات من محبي الظهور ومن محبي المباني التاريخية المهددة في عمان، فقد استأجر آخر مبنى قديم ينتصب في الشارع الرئيس في قلب العاصمة قبل بضع سنوات. وبغية أن يلفت الانتباه إلى أهمية الإرث المعماري فتح محمود بشارات المبنى للعموم بعد ترميم بسيط، حيث يمكن للراغبين أن يدخلوه ويتفرجوا عليه ويتحادثوا قليلاً.

يتّبع الرسام عبد العزيز أبو غزالة في "محترف الرمال" نفس النهج المرن الذي يفسح المجال للمشاركة العامة، فقد حوّل مدرسةً ابتدائيةً قديمة إلى مقهى مُحتَرَف ليقطن ويعمل فيه. بوسع المرء أن يدخل المحترف بين الساعة الحادية عشر صباحًا والحادية عشر ليلاً وذلك لستة أيام في الأسبوع ليشرب القهوة أو يشتري الرسومات أو ليشاهد هذا المحترف وحسب. يقول عبد العزيز أبو غزالة شارحًا: "هذا المكان خاص وعام في الوقت عينه، والحدود بينهما متداخلة. لا أريد ممن يدخل المبنى أن يستهلك فقط، بل أن يشارك في تكوين المكان".

الثقافة للجميع

محترف الرمال ليس إثراءً ثقافيًا وحسب فقد أمسى يدر الربح على صاحبه من خلال بيع الأعمال الفنية. بيد أن المقهى الثقافي "جفرا" القائم في وسط مدينة عمّان يبقى المشروع الثقافي الأكثر نجاحًا. يقول صاحب المقهى المصمم الشاب عزيز مشايخ: "صنعت على مدى عدة أعوام معظم الأثاث بنفسي". تطوّر المقهى ليُشغِّل حاليًا خمسين موظفًا ثابتًا. لكن ليس المال وحده هو موضع اهتمام عزيز مشايخ الذي يقول بهذا الصدد: "كان وسط عمان شبه ميت لسنوات طويلة، لذا سعيت لأن أدخل الحياة إلى قلب المدينة ولأن أخلق مكانًا يعرض فيه الفنانون الجيدون أعمالهم".

علاوةً على ذلك، يقول عزيز مشايخ إن المكان لا يجب أن يكون حكرًا على الرجال، بل لا بدّ وأن يكون مفتوحًا للجميع من عائلاتٍ وأولادٍ ورجالٍ ونساء، أكانوا مواطنين محليين أم سائحين. مشروع عزيز مشايخ ناجح حتى الآن وقد افتتح في يوليو/تموز 2008 في حي جبل اللويبدة مقهى آخر.

مارتينا صبرا
ترجمة: يوسف حجازي
قنطرة 2008

قنطرة

حفلات موسيقية لمجموعة "رم" في ألمانيا:
موسيقي أردنية تتنقل بدون جواز سفر
يسعى مبدعو الموسيقى الأردنيون الآن للوصول إلى الأوساط الموسيقية العالمية ، بعد طغيان الطابع الفولكلوري على توجهاتهم الموسيقية لفترة طويلة من الزمن. عازف البيانو والأكورديون طارق الناصر ومجموعته الموسيقية الغربية-الشرقية "رم" يعتبرون من الممثلين البارزين لهذا التوجّه. مارتينا صبرا تقدم هنا لمحة عن المجموعة بعد أنْ التقت بها في كولونيا.

رنا حسيني:
جرائم الشرف في الأردن
تُقتل ثلاثون امرأة سنويا في الأردن لأنهن يتهمن بتلطيخ سمعة العائلة. المراسلة في المحاكم الأردنية رنا حسيني تقوم بتوثيق هذه القضايا وتسعى إلى خلق نقاش حول هذه الظاهرة في المجتمع الأردني. بترا تابيلينغ تعرفنا به

المسيحيون في الأردن:
تعايش سلمي قائم على المواطنة
المسيحية دين متأصل في الأردن منذ القدم، حيث يعيش اليوم في المملكة حوالي 230 ألف مسيحي يتمتعون بكافة الحقوق التي يتمتع بها إخوانهم المسلمون العرب الآخرون. تقرير من أندريا زيغر عن تعايش المسيحيين في الأردن مع الأغلبية المسلمة.