رحلة في متاهات الحب

قبل خمسين عاماً نُشرت رواية "التنبل" ليوسف أتيلغان للمرة الأولى، واليوم تقوم دار نشر "أونيون" السويسرية بإعادة طبعها في إطار سلسلة "المكتبة التركية". وتعتبر الرواية نموذجاً للأدب الحداثي في القرن العشرين. فولكر كامينسكي قرأ الرواية قراءة نقدية.

الروائي يوسف أتيلغان
ولد الروائي يوسف أتيلغان عام 1921 في منسيا في غرب أنطاليا وعمل مترجما ومحررا في عدد من دور النشر التركية. توفي عام 1989

​​"س" شاب قلق، محب للشجار، وفي بعض الأحيان يتصرف بجلافة – رجل له عيوبه وأخطاؤه البارزة. هو يصف نفسه بأنه "تنبل" ومستمتع بالحياة، غير أن حياته في الحقيقة لا تعرف شيئاً اسمه الاسترخاء وعدم فعل شيء. إنه يجوب شوارع المدينة الكبيرة طولاً وعرضاً والقلق يملؤه، يقتني لوحات من الفنانين، ويتعرف على عائشة، الرسامة الشابة، التي يبدأ معها علاقة حب متقلبة. "س" مثقف أيضاً، يقرأ كثيراً، ويعشق الذهاب إلى السينما والمسرح، إنسان دائم النقد لمحيطه، وهو يتهم الآخرين بأنهم يعيشون حياة متأقلمة "مثل النمل".

غير أن القارئ يسأل نفسه عن السر الذي يدفع بالبطل إلى أن يتجول دون كلل في شوارع أسطنبول الصاخبة، أن يستقل الترام من أقصى المدينة إلى أقصاها متنقلاً من مقهى إلى آخر دون أن يجد مستقراً.

سر البحث الدائم

أضحت رواية أتيلغان اليوم من كلاسيكيات الأدب التركي. عندما صدرت طبعتها الأولى قبل خمسين عاماً انقسمت آراء النقاد حولها. بعض الأصوات ارتفعت آنذاك تتهم الكاتب بتجاهل النواحي الاجتماعية، وتسليط الضوء فحسب على شعور الفرد بالغربة. غير أن هذا تحديداً هو ما يجعل الرواية اليوم جذابة للقراء.

تبدو الرواية في طبعتها الجديدة – وبفضل الترجمة الممتازة التي أنجزتها أنتيه باور – حداثية على نحو مدهش. بفضل تسليط الضوء على "س"، الشاب المتمرد غير المتأقلم مع المجتمع، يرسم الكاتب صورة لإنسان ممزق. "س" يختار سلوكاً متباهياً بحياة التنبلة والفراغ التي يعيشها، ولكن سرعان ما يتضح للقارئ أن تجواله المستمر القلق ليس إلا تعبيراً عن حالته النفسية وأن هناك سراً يكمن وراء ذلك.

البحث عن المرأة

يقص أتليغان أحداث الرواية بلغة صافية وعلى لسان ضمير الغائب، كما أنه يعرض لوجهة نظر أخرى عبر الرسائل واليوميات التي يبثها في ثنايا الرواية. وهكذا ترد بعض المقاطع على لسان الطرف الآخر، أي على لسان عائشة صديقة "س" وعلى لسان غولر. بعد فترة يدرك القارئ أن "س" ما زال يبحث عن امرأة ما، وأنها يلاحق هذه المرأة المجهولة في شوارع أسطنبول، بينما تبدو "هي" كشبح يطارده "س". يجلس "س" في المقهى منتظراً على أحر من الجمر أن يراها تمشى في الشارع، وعندما يعتقد أنه وجد المرأة، يقفز من مقعده ويغادر المقهى مندفعاً إلى الشارع.

غلاف رواية التنبل
تشكل رواية "التنبل" نموذجاً للأدب الحداثي

​​لا يستطيع "س" أن يتفرغ لهذا البحث المضني إلا بالاستناد على الثروة التي تركها له أبوه والتي تتيح له ألا يجري وراء لقمة عيشه. هذا الأب هو في الوقت نفسه المفتاح الذي يقود القارئ لفهم هذا الهوس الغريب لـ"س".

سبب هذا السلوك القهري صدمة عاشها س في طفولته، وهو ما زال يعاني من عواقب تلك الصدمة التي تقود خطواته من حيث لا يدري. بحثه المتطرف عن المرأة يُذكّر على نحو ما بفيلم "فرتيغو" لألفريد هتشكوك الذي أُخرج في الوقت نفسه تقريباً (1958). في الفيلم كما الرواية فإن صدمة نفسية هي الدافع لهذا البحث المعذب. يقود البحث إلى الماضي إلى أن ينكشف سر الصدمة، وهو ما يمثل ذروة الرواية.
ذات يوم يحكي "س" لصديقته عما حدث في طفولته: فقدَ س أمه عندما كان في عامه الأول. نشأ في كنف والده وتحت رعاية خالته الحنون زهرة التي تغدو له مع الأيام أماً بديلة. في يوم ما يراقب "س" أباه – السكير وزئر النساء – وهو يغوي الخالة زهرة. عندما يلاحظ الأب أن ابنه يراقبه، يتملكه الحنق ويضرب ابنه ويجرحه. منذ تلك اللحظة يكره س أباه، وعندما يتوفى الأب يشعر الابن بالراحة.

أوديب التركي

رواية التنبل
غلاف النسخة التركية من رواية التنبل

​​بعد هذه الكارثة - التي تبدو بالطبع لقارئ اليوم متكلفة في تقليدها لقصة أوديب، غير أنها تتماشى مع ذوق العصر آنذاك – يبدأ "س" تجواله القلق. يلتحق بالجيش، غير أنه يفشل، فيبدأ رحلاته. يوماً بعد يوم يزداد ميله إلى تناول الخمر في المواقف الصعبة – تماماً كوالده الذي لا يريد على أي حال أن يشبهه. كما أنه يواصل تراث الأب في بحثه الدائم عن المرأة، وإن كان س يبدو متشوقاً بالفعل إلى الحب الحقيقي.

في نهاية الرواية يدرك القارئ المأساة التي يعيش فيها "س"، ويعرف لماذا يصعب عليه أن يحيا حياته بحرية وأن يشكلها كما يريد، ولماذا لا يستطيع أن يجد مستقراً في اللحظة الآنية. تحسن دار نشر أونيون صنعاً عندما تعيد نشر هذه الرواية الكلاسيكية ضمن "المكتبة التركية". وتشمل الطبعة الجديدة تعقيباً غنياً بالمعلومات بقلم يوكسل بازاركايا لا يقتصر على تقديم معلومات عن حياة يوسف أتيلغان وأعماله وحسب، بل يتضمن أيضاً تلخيصاً للرواية ورؤية لتحليلها.

فولكر كامينسكي
ترجمة: صفية مسعود
قنطرة 2008

قنطرة

نظرة عامة على السياسة الثقافية الخارجية التي تنتهجها تركيا:
نادي الشعراء القوميين الموتى
تميل السياسة الثقافية الرسمية التركية إلى السير إلى الخلف والتعبير بلسان حال الدولة؛ حيث لا يوجد مكان للحداثة، إذ أن كل ما تفعله تركيا ومن دون تمييز هو تقديم أَحصنة خشبية طروادية ودراويش يرقصون في مولويّات من أَجل نشاطات العلاقات العامة الدعائية. تعليق بقلم كلاوس كرايزَر

اورهان باموك وجائزة السلام:
مواقف شجاعة وأدب رفيع
تسلم أورهان باموك، الذي يعد من أشهر كتاب الجيل الجديد في تركيا، جائزة السلام 2005 لاتحاد الناشرين الألمان في باولس كيرشه في فرانكفورت. وفي كلمة التكريم أشار الشاعر والمترجم زارتوريوس إلى أن أعمال الكاتب هضمت كل التيارات الأدبية الفائتة وتمزج على نحو رائع الأساليب الشرقية بالغربية. تقرير سمير جريس

الأدب التركي وحضوره في البلاد الناطقة بالألمانية:
تقصير المثقفين والأدباء الأتراك
رغم حصول الكاتب التركي أرهان باموك على جائزة السلام الألمانية 2005، إلا أن الأدب التركي يظل شبه مجهول في البلاد الناطقة بالألمانية. هل يعود ذلك إلى طبيعة الدور الذي ينهض به الأدب في تركيا، أم إلى مستواه الفني؟ تحقيق أولي روتفوس وأخيم فانسيِنْ.