زعامة قديمة بأثواب جديدة

بعد استقالة الزعيم السابق لحزب الشعب الجمهوري التركي دنيز بايكال عقد جناح القوميين المعارضين آمالهم على كمال كليجدار أوغلو. لكن هل سيتمكن أوغلو من القيام بتغيير منهجي، من شانه إخراج الحزب من جموده السياسي. ديتر زاوتر يسلط الضوء على أبعاد هذا التغيير وآفاقه في المشهد السياسي التركي.

زعيم المعارضة التركية الجديد كمال كليجدار أوغلو، الصورة: ا.ب
إلى أي اتجاه سيسر حزب الشعب الجمهوري بزعامة كمال كليجدار أوغلو، الذي قدم الكثير من الوعود كخلق ديمقراطية في السياسة الداخلية للحزب وبرواتب تقاعدية مرتفعة

​​ هل يشكل تولي كمال كليجدار أوغلو زعامة حزب الشعب الجمهوري نقطة البداية فحسب، أم أنها نهاية تجديد حزب الشعب الجمهوري؟ وكيف سينتهي التغيير الذي بدأ كـ"حرب أهلية بيضاء" (كما وصفته جريدة وول ستريت جورنال) في الخارطة الحزبية في تركيا؟

يجب أن لا يُسهب المرء في وصف ذلك، لكن غياب البديل عن حزب العدالة والتنمية الحاكم وغياب المعارضة في البرلمان التركي، يشكل سبباً حاسماً يقود إلى الكثير من العيوب والأوضاع السيئة وإلى القصور الذي يعتري المشهد السياسي في تركيا. لذلك يأمل الكثير من المعارضين في داخل تركيا وخارجها في صورة جديدة لحزب الشعب الجمهوري، أي في "ديمقراطية اجتماعية جديدة في تركيا".

والشخص الذي تُعقد عليه الآمال يُسمى كمال كليجدار أوغلو، الذي يبلغ من العمر 61 عاماً. أنخرط كليجدار أوغلو منذ عقود في العمل السياسي، وأصبح في بعض الأحيان في الصف الأول لشخصيات حزب الشعب الجمهوري، وتراجع إلى الصف الثاني في أوقات أخرى. إن كمال كليجدار أوغلو يُعد حتى وقت قريب جندي الحزب المطيع، الذي قبل ذات مرة بتحجيم الرئيس السابق للحزب دنيز بايكال له، بعد أن أبدى رأياً مختلفاً عن رأي زعامة الحزب.

على أي حال فقد صوت لصالح كليجدار أوغلو 1.189 من أصل 1.200 من مبعوثي الحزب، على الرغم من أنه لم يتمكن من الترشيح، إلا بعد أن أُجبر دنيز بايكال على الاستقالة بعد نشر شريط فيديو فاضح من غرفة نومه. ولا يكاد يشك أحد في أن تصوير الفيلم ونشره كان مكيدة، دُبرت لبايكال من صفوف حزبه، لذلك يسميه الأعضاء المعارضون لترأسه الحزب، ببروتوس المتآمر. وعلى أي حال من الأحوال، فإن هذا الأمر يعد لطخة في صفحة الرئيس المجدد.

إصلاح الحزب يكتنفه الغموض

أنصار الحزب، الصورة: ا.ب
الموقف من الأكراد والانضمام إلى الاتحاد الأوروبي من الأسئلة الشائكة التي يتوجب على أوغلو الإجابة عنها.

​​ وعلى الرغم من ذلك يراهن الكثيرون على كليجدار أوغلو، باعتباره الشخص الوحيد الذي تمكن من تحدي حزب العدالة والتنمية في الانتخابات بجدية. ففي الانتخابات المحلية التي جرت في العام الماضي زاد كليجدار أوغلو من نصيب حزب الشعب الجمهوري من أصوات الناخبين في اسطنبول من 29 إلى 37 في المائة. ولم يفز عمدة المدينة قادر توباس، المنتمي إلى حزب العدالة والتنمية، في النهاية إلا بفارق 500 ألف صوت من مجموعة سبعة ملايين. يأمل مبعوثو حزب الشعب الجمهوري في أن يُنهي انتخاب رئيسهم الجديد سلسلة طويلة من الهزائم الانتخابية، وهذا الأمر بالذات دفعهم إلى تغيير ولائهم لرئيس الحزب السابق بسرعة كبيرة. ووعد الرئيس الجديد للحزب في أنه سيحصل في الانتخابات القادمة على 40 في المائة من الأصوات على الأقل.

وهذا الأمر لا يبدو طوباوياً، إذا ما عرف المرء أن جميع استطلاعات الرأي أظهرت وجود أغلبية ترغب في وجود حزب جديد في تركيا. ويأمل كليجدار أوغلو في أن يتمكن من استغلال هذا الوضع الانتخابي لصالحه. ولكن كيف سيتمكن من ذلك؟

لم يتضمن خطابه بمناسبة توليه منصبه أي إشارة إلى ذلك، فثمانين في المائة مما قاله كليجدار أوغلو كان يمكن لرئيس الحزب السابق دنيز بايكال أن يقوله: "كلا" للإصلاحات الدستورية المرتقبة، لأن حزب العدالة والتنمية يريد من خلالها السيطرة على القضاء. ولم يتضمن الخطاب إشارة واحدة إلى نفوذ العسكريين في المجتمع، وإلى الديمقراطية وحرية الرأي وإلى آلاف الإجراءات القضائية بحق الصحفيين. كما أنه تجاهل تماماً "المسألة الكردية"، ولم يعلق عليها إلا بحديثه عن وجود منطقة متخلفة اقتصادياً في جنوب شرق تركيا.

أما فيما يتعلق بالسياسة الخارجية فإن وجهة نظره بخصوص انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، لا تختلف عن رؤية دنيز بايكال: من حيث المبدأ فإن الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي يعتبر مهماً، لكنه لا يعامل تركيا بعدالة. وفي قضية قبرص لم يقم إلى بانتقاد الناخبين في الجزء التركي من الجزيرة، حين يقول إن حزب العدالة والتنمية أطاح بالرئيس السابق محمد علي طلعت. كما أنه تجاهل تماماً موضوع المصالحة مع أرمينيا، وبسبب ذلك دعاه منتقدوه بعد خطابه بـدينز كليجدار أوغلو، بدلاً من كمال كليجدار أوغلو

"الجيش منار للديمقراطية"

الجيش التركي، الصورة: ا.ب
هناك تحول في تركيا في الموقف من الجيش الذي ظل يعتبر حامي الدولة الكمالية.

​​ وفي زعامة الحزب الجديدة تم تنحية أكثر من نصف أنصار دنيز بايكال. أما عن شخصيات الزعامة الجديدة للحزب، فقد شيع عن أحدهم، وهي نوران يلديز، قولها إنها ترى في الجيش "مناراً للديمقراطية". كما ضمت زعامة الحزب الجديدة العديد من الشخصيات التي تُحسب على التيار القومي اليميني، كما يقول منتقدو كليجدار أوغلو من صفوف حزب الشعب الجمهوري.

ويبدو أن الرياح لا تهب على أشرعة الحزب، بل ما زالت تتجاذبه الصراعات القديمة، إذ إضافة إلى ذلك لم تُعد قائمة المرشحين لزعامة الحزب بصورة ديمقراطية. فقد تم على الفور تأجيل التصويت الخاص بنظام ديمقراطي جديد للحزب رة أخرى، على الرغم من أن كمال كليجدار أوغلو لم يتوقف من قبل عن اطلاق وعوده بإيجاد ضوابط جديدة للحزب تقوم على أساس ديمقراطي. وهكذا عانق رئيس الحزب المخلوع غيلةً دنيز بايكال من شرفة منزله بواسطة هاتفه النقال "حزب الشعب الجمهوري الجديد"، قائلاً: يجب دعم زعامة الحزب الجديدة، ويخشى الكثيرون أن يكون هذا الأمر تهديداً.

أما البعض الآخر، الذين يتمنون وجود معارضة قوية لحزب العدالة والتنمية، يعطون الزعامة الجديدة لحزب الشعب الجمهوري فرصة جديدة قائلين إنه لا يمكن تغيير الحزب بالكامل في ليلة وضحاها، وإن كليجدار أوغلو تعمد عدم الخوض في الجوانب الإشكالية بشكل خاص، وإن تشكيل زعامة الحزب الجديدة تحول في أي حال من الأحوال دون انقسامه.

ومن المؤكد انه سيتضح قريباً، إلى أي اتجاه سيسر حزب الشعب الجمهوري بزعامة كمال كليجدار أوغلو، الذي قدم الكثير من الوعود كخلق ديمقراطية في السياسة الداخلية للحزب وبرواتب تقاعدية مرتفعة وبتحسين أجور العاملين في القطاع العام وبضمان عائلي يشمل الجميع على سبيل المثال. وبينما يثير كل هذا صداع البعض، يقول البعض الآخر إن زعامة الحزب تغيرت، لكن كمال كليجدار أوغلو لم يتغير.

وكان أحد الوعود المهمة أنه سيبدأ على الفور بتشكيل حكومة ظل لحكومة حزب العدالة والتنمية. ويبدو أن هذا الأمر لا يتعدى أحد خيارين، أولهما أن زعيم الحزب الجديد أراد أن يفوز في انتخابات زعامة الحزب من خلال كسب ولاء بعض شخصيات الحزب عن طريق التلويح لهم بمناصب ما. وثانيهما أنه يريد بالفعل العمل على تطوير خطط ومقترحات بديلة في ظل حيز العمل المهم للحكومة الحالية في تركيا.

وإن صح هذا الخيار فإنه سيعد بالفعل تطوراً ثورياً. وفي هذا السياق يقول رئيس الحكومة الحالي رجب طيب أردوغان باسماً: "هكذا إذاً، إن الزعيم الجديد لحزب الشعب الجمهوري يريد الاهتمام بمشاكل الشعب ومكافحة البطالة؟ إن كان يريد فعل ذلك حقيقة، فليقل لنا كيف؟

ديتر زاوتر
ترجمة: عماد مبارك غانم
مراجعة: هشام العدم
حقوق النشر: قنطرة 2010

يعمل ديتر زاوتر مراسلا حرا للتلفزيون البافاري منذ عام 1981. وفي الفترة من 1992 إلى 2005 رأس أستوديو القناة الأولى للتلفزيون الألماني في اسطنبول وأنتج في هذه الفترة قرابة خمسين فيلماً وثائقياً عن إيران وتركيا. وأكثر من عشرة أفلام منها سلطت الضوء على مدينة اسطنبول. ومنذ ذلك الوقت يقيم زاوتر كصحفي حر وكاتب ومصور في اسطنبول.

قنطرة

دور الجيش التركي في الحياة السياسية التركية:
حارس الدولة الأتاتوركية في إطار"ديمقراطية-عسكرية"
ينظر معظم المواطنين في تركيا إلى دور الجيش بشكل إيجابي، إذ لم تطمح القوات المسلحة التركية قط لإقامة حكم دكتاتوري عسكري كما هو الحال في معظم الدول العربية، وفق لؤي المدهون في تحليله لطبيعة دور المؤسسة العسكرية التركية.

كتاب راينر هرمانّ "إلى أين يسير المجتمع التركي":
الدولة الكمالية- فكرة التجانس القومي الوهمية
يعد كتاب راينر هرمانّ "إلى أين يسير المجتمع التركي" تشخيصا دقيقا للتحولات الاجتماعية التي يعيشها المجتمع التركي وتعبيرا عن التداخلات السياسية والاقتصادية والعسكرية المعقدة في تركيا في ظل صراع بين النخب القديمة والجديدة. سيمران كايا يستعرض هذا الكتاب.

صورة تركيا في العالم العربي:
من جار منبوذ إلى جار منشود
شهدت صورة تركيا في محيطيها العربي والإسلامي تغيراً جذرياً منذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى سدة الحكم ورفض البرلمان التركي المشاركة في الحرب على العراق. كما ساهمت السياسة الخارجية التركية المعتدلة تجاه القضايا العربية في تغيير ملحوظ لإدراك الشارع العربي ونخبه الحاكمة لتركيا المعاصرة وفق تحليل يوسـف الشـريف، مدير مكتب "الجزيرة" في أنقرة.