سوريا- من دولة مارقة إلى شريك؟

تشهد العلاقات السورية الأوروبية حراكا سياسيا نشطا وتحولا كبيرا في المواقف، لاسيما في ضوء بوادر الانفراج في العلاقات بين دمشق وواشنطن في عهد الإدارة الأمريكية الجديدة وذلك بعد سنوات من العزلة التي فرضتها إدارة الرئيس بوش السابقة على دمشق. كريستين هيلبريغ تستعرض طبيعة هذه العلاقات والتغيرات.

الأسد
تغير لغة الخطاب الأوروبي تجاه دمشق بعد ظهور بواد انفراج بين دمشق وواشنطن

​​ حاولت الإدارة الأمريكية السابقة عزل سوريا عن المجتمع الدولي، حيث تم تصنيفها من قبل إدارة الرئيس بوش السابقة على أنها "دولة مارقة" ضمن ما أطلق عليه "دول محور الشر". بعد ذلك وفي عام 2004 أقر الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش عقوبات اقتصادية في حقها. ثم قام في عام 2005 باستدعاء مارغريت سكوبي، سفيرة بلاده في دمشق، وذلك في مؤشر على تدهور العلاقات بين واشنطن ودمشق.

لكن اليوم، ومع إدارة الرئيس الجديد باراك أوباما، بدت بوادر الانفراج تظهر على العلاقات بين البلدين. فمنذ انتخاب أوباما رئيسا وحتى يومنا هذا توجهت خمسة وفود من الكونجرس الأمريكي إلى دمشق للقاء الرئيس بشار الأسد. وعند ختام المباحثات تمت الإشادة بروح الانفتاح التي ميزتها. وفي مطلع مارس/ آذار من العام الجاري أرسل البيت الأبيض أول مبعوثيه الرسميين إلى العاصمة السورية، وتعلق الأمر بجفري فيلتمان، مساعد وزيرة الخارجية الأميركية بالوكالة لشؤون الشرق الأوسط ودان شابيرو مستشار الرئيس الأمريكي للأمن القومي، وأوكلت إليهما مهمة الاطلاع على الوضع في سوريا، حيث صرحا عقب لقائهما بوزير الخارجية السوري، وليد المعلم، بأن المحدثات كانت "بناءة".

الأولويات الأمريكية

بيد أن مدير مركز الشرق للدراسات الدولية في دمشق، الدكتور سمير التقي، شكك في قدرة الإدارة الأمريكية على الدفع بعملية السلام في الشرق الأوسط، معتبرا "أن السوريين مستعدون لتقديم المساعدة من أجل تحسين الوضع في المنطقة، لكن وفق مشروع جاد وخطة سلام حقيقية". وحسب التقي، يركز الأمريكيون حاليا على إدارة الأزمة وتهدئة الأوضاع في المنطقة عوض البحث عن حل شامل للأزمة. وفي المقابل يشتد يوما بعد يوم اهتمام واشنطن بإيران وأفغانستان ومنطقة الخليج، وذلك على حساب الصراع العربي- الإسرائيلي. ويضيف الباحث السوري "يجب على الحكومة السورية توخي الحذر وعدم الكشف عن كل الأوراق الاستراتيجية".

ساركوزي والأسد، الصورة: ا.ب
ساركوزي ينهي عزلة دمشق مع الغرب بقيامه مطلع أيلول/سبتمبر2008 بأول زيارة له إلى سوريا.

​​ وانطلاقا من أن التحالف مع إيران يشكل أحد أهم ركائز الاستراتيجية السورية، فكرت واشنطن بداية الأمر في بلورة خطط تستطيع عبرها إبعاد دمشق عن فلكها الإيراني. لكن المختص في القضايا السورية بمكتب "إدارة الأزمات"، البريطاني بيتر هارلينغ يستبعد أن تواصل إدارة أوباما هذا النهج الساذج حسب قوله وذلك كون "واشنطن تسعى إلى التأثير على ديناميكية العلاقات السورية الإيرانية، وهذا ما حدث سلفا. إذ إن سوريا تحاول حاليا تعزيز علاقاتها مع شركاء آخرين، مثل تركيا وقطر وفرنسا وبعض دول الاتحاد الأوروبي، لكن من دون أن تسيء إلى علاقاتها مع طهران".
السوق السورية تتطلع إلى استثمارات أوروبية

تطور العلاقات السورية الأوروبية

وتشهد العلاقات السورية- الأوربية دفعة قوية في الفترة الحالية، وخير دليل على ذلك الزيارة التي قام بها مؤخرا الرئيس السوري بشار الأسد إلى كل من سلوفاكيا والنمسا، والتي تعد وبعد سنوات من العزلة مع الغرب الزيارة الثانية إلى أوروبا، بعد تلك التي قادته صيف 2008 إلى فرنسا إثر دعوة وجهها إليه الرئيس نيكولا ساركوزي لحضور قمة الاتحاد المتوسطي، والتي شكلت منعطفا جوهريا لعودة دمشق إلى المجتمع الدولي. ويمكن القول، إن سوريا اقتربت من أحد أهم أهدافها في سياستها الخارجية، ألا وهو توقيع معاهدة الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، التي ستفتح أمامها المجال بعد ذلك لإبرام اتفاقية التبادل الحر والشراكة المعمقة.

ويأتي هذا بعد أن جُمدت هذه المعاهدة لسنوات طويلة. لكنها اليوم صيغت بشكل نهائي وتنتظر فقط المصادقة عليها من قبل الدول السبعة والعشرين الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. وتطمح سوريا إلى تعزيز علاقاتها الاقتصادية مع الدول الأوربية. فاقتصادها بحاجة ماسة إلى استثمارات قوية تقوم بها شركات أوروبية. ومن أجل ذلك، اصطحب الرئيس السوري، بشار الأسد، ما يقرب عن خمسين من ممثلي الشركات السورية في أثناء زيارته إلى سلوفكيا والنمسا. كما رافقه كل من عامر حسني لطفي، وزير الاقتصاد والتجارة، وعبد الله درداري، نائب رئيس الوزراء السوري وأحد كبار المكلفين بإصلاح النظام الاقتصادي السوري.

بيد أن أمل سوريا في أن يلعب الاتحاد الأوروبي دورا أكبر في عملية سلام الشرق الأوسط بقي بعيد المنال. وفي حوار أدلى به إلى صحيفة "دي بريسه" النمساوية، تحدث الرئيس السوري عمّا أسماه "خضوع غير مشروط" للأوربيين تجاه الولايات المتحدة، مضيفا "إذا كان الساسة الأوروبيون وبعد زيارتهم دمشق يعودون إلى ديارهم، لكي ينتظروا ما سوف يقوم به الأمريكان، فمن الأجدى أن نجري مباحثات مباشرة مع الأمريكيين عوضا عن الأوربيين".

مستقبل عملية السلام الشرق أوسطية

نتنياهو
المفاوضات الإسرائيلية السورية حول الجولان قد تشهد تراجعا في عهد نتنياهو بخلاف سابقه أولمرت

​​ وبشأن المفاوضات مع إسرائيل، فإن دمشق تصر على أن تلعب واشنطن دور الوسيط. وفي العام المنصرم لعبت تركيا هذا الدور في مفاوضات غير مباشرة. إلا أن الحكومة الإسرائيلية، ذات التوجه اليميني جعلت من مسألة إعادة الجولان إلى سوريا أمرا مستبعدا، حسب جانبلات شكا، مدير القسم السياسي في صحيفة الوطن السورية، الذي يقول: "نحن أمام إدارة أمريكية ترغب في فتح قنوات الحوار مع دول العالم بأسره ، لكننا في ذات الوقت أمام حكومة إسرائيلية يمينية متطرفة، يريد وزير خارجيتها مقايضة السلام بشعار السلام، وليس الأرض مقابل السلام". وبالتالي لا يتوقع أحد في العالم العربي حدوث اختراق في الصراع الشرق أوسطي، حتى وإن كان الرئيس الأمريكي اليوم هو باراك أوباما.

ومن جهة أخرى وبعيدا عن ملف الشرق الأوسط، لم يعد هناك ما يمكنه التشويش على العلاقات السورية- الأوروبية. ومن المنتظر أن تتحول معاهدة الشراكة بين سوريا والاتحاد الأوروبي إلى واقع ابتداء من الصيف القادم، خصوصا عند انتقال مهمة الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي إلى السويد، البلد الذي طالما دعا إلى الحوار بين أوروبا جيرانها في الجنوب، وذلك عكس جمهورية التشيك الرئيسة الحالية للإتحاد الأوروبي.

كريستين هيلبريغ
ترجمة: وفاق بنكيران
حقوق الطبع: دويتشه فيله 2009

قنطرة

الحوار مع سوريا
ضرورة تستدعيها متطلبات المرحلة
تلعب سوريا دوراً محورياً في الشرق الاوسط، لذلك فإن الحوار معها يخدم المصالح الأوروبية والإسرائيلية على الرغم من صعوبته. كما أن تحقيق السلام يعني ضمان المصالح المشروعة لكل الأطراف، ما يعني استعادة الجولان المحتلة منذ عام 1967 في حال سوريا، وفق تحليل فولكر بيرتيس.

اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وسوريا:
"الحوار بديلا للضغط"
على عكس السياسة الأمريكية تجاه سوريا، تحبذ أوروبا خيار توثيق عرى العلاقات مع دمشق وذلك في إطار اتفاقية الشراكة. وبعد إجراء الانتخابات البرلمانية في لبنان ستتخذ آخر خطوة لازمة وهي موافقة كافة وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي. تقرير مانويلا رومر من دمشق.

آفي بريمور في نظرة للسلام مع سوريا:
مفتاح السلام بيد دمشق
في ضوء التأكيدات الرسمية لمسئولين سوريين وإسرائيليين وأتراك أن دمشق وتل أبيب تجريان مفاوضات في أنقرة برعاية تركية يرى السفير الإسرائيلي السابق لدى ألمانيا آفي بريمور أن التوصل إلى اتفاقية سلام شاملة بين البلدين يعد الطريق الأمثل للحد من النفوذ الإيراني المتنامي في المنطقة وإبعاد دمشق عن أحضان طهران.