بقايا الأمل في ظلّ الحرب والتهجير

تقوم الحكومة الإيرانية منذ عدَّة أشهر بإبعاد عشرات الآلاف من اللاجئين الأفغان. وكثيرًا ما يتعرَّض الأفغانيون في وطنهم لخطر أوضاع أشبه بحالة الحرب ولكن تهدِّدهم في كلِّ الظروف الأحوال الاقتصادية البائسة. وتحاول منظَّمة غير حكومية تقديم مساعدات اقتصادية في ظل هذه الأوضاع المتوتِّرة. مارتين غيرنر أعدّ هذا التقرير من مدينة هرات الأفغانية.

لاجئون أفغان، الصورة: مارتين غيرنر
لاجئون أفغانيون عند معبر حدود "سلامي گالي" في ولاية هرات - حيث يتم يوميًا إبعاد مئات من اللاجئين الأفغان.

​​تهب الرياح حارة عند معبر "سلامي گالي" Eslameghale الحدودي وتعصف بالرمال إلى عيون الناس. وبين طوابير مركبات النقل يسير ببط في هذا الجو الحار الناس زرافات زرافات؛ يدفع الكثير منهم أمامهم عربات يدوية مترجرجة، كُدِّست فوقها كلّ ممتلكاتهم، من أغطية وبطانيات وألعاب للأطفال. وثمة نساء محجَّبات يحملن على أيديهن أطفالاً صغارًا؛ يتصبَّب العرق من جبينهن ومعظمهن يبدون متعبات ومنهكات القوى. والمركبات التي تسير ببطء بجانبهن تنقل بضائع عبر الحدود.

وهذه البضائع في وضع أفضل من وضع الناس. فمنذ عام تقوم الحكومة الإيرانية بإبعاد الأفغانيين المقيمين في إيران بصورة شرعية أو غير شرعية. وتذكر الحكومة الإيرانية أنَّ سبب ذلك يعود إلى الضغط الناتج بسبب اللاجئين القادمين من العراق. وعلى الأرجح فأن الحكومة الإيرانية ترغب على أقل تقدير من خلال إبعاد الأفغانيين في زعزعة استقرار هذا البلد الجار، حسب شعار "ما يصيب الحكومة الأفغانية يصيب أيضًا الولايات المتحدة الأمريكية". وهذه السياسة تحوّل آلاف من اللاجئين الأفغانيين إلى جموع يتم تحريكها هنا وهناك لأسباب سياسية.

"لقد تحتَّم عليّ بين ليلة وضحاها أن أجمع أمتعتي وأن أترك أسرتي في إيران"، مثلما يروي رجل شاب عند معبر الحدود.

وعلى الجانب الأفغاني من الحدود ينتظر بعض العاملون في منظمة مساعدة اللاجئين HELP في رياح رملية تحت وطأة شمس الظهيرة. ويبادرون اللاجئين العائدين بالكلام. يقول كبير أحمد الذي يعمل في هذه المنظمة: "نحن نهتم على عكس وكالة غوث اللاجئين التابعة للأمم المتحدة أيضًا بالعائدين الذين لا يمتلكون أوراقًا ثبوتية".

آفاق من أجل فاقدي الأمل

عائلة أفغانية ، الصورة: مارتين غيرنر
مير حمزة (على اليمين) مع أسرته في مركز إغاثة منظمة مساعدة اللاجئين Help. يريد مير حمزة ذو الـ46 عامًا العودة بعد تعليمه المهني إلى هلمند من أجل زراعة أرضه.

​​تسير الشابة سميرة البالغة من العمر 22 عامًا والتي ترتدي حجابًا أخضر اللون وحيدة مع طفلها. إذ انفصلت في إيران عن زوجها المدمن على المخدِّرات. وتوفِّر لها منظمة مساعدة اللاجئين Help بعد إجراء أوَّل حديث معها السكن والطعام. وفي المقابل يجب عليها المشاركة في دورة مهنية تستمر أربعة أشهر.

"يهدف برنامجنا إلى فتح آفاق مهنية يستفاد منها في سوق العمل على الأقل لألف شخص من العائدين الأفغانيين"، مثلما يقول ألفرد هورن Alfred Horn مدير المكتب الأفغاني لمنظمة مساعدة اللاجئين Help في مدينة هرات، الذي يضيف قائلاً: "يتعلَّم العائدون مهنة من أجل الاعتماد على أنفسهم والتمكّن من إعالة أسرهم".

يعيش البشتوني مير حمزة البالغ من العمر ستة وأربعين عامًا منذ خمسة أسابيع مع زوجته وأطفاله الستة في سكن العائلات التابع لمنظمة مساعدة اللاجئين Help. ومير حمزة عمل سبعة أعوام في البناء في مدينة أصفهان الإيرانية، حيث كان يعمل في صب قطع الخرسانة الثقيلة وحملها. ويداه مليئتان بالجراح.

"منحتني السلطات الإيرانية مهلة يومين من أجل جمع أمتعتي. واضطررت إلى ترك الكثير من حاجاتي. ولم يدفع لي آخر صاحب عمل عملت لديه راتبي"، حسب قول مير حمزة.

المساعدة للمحتاجين باعتبارها نشاطًا معادٍ للدولة

الصورة: مارتين غيرنر
تعليم مهنة الخياطة في ورشة منظمة مساعدة اللاجئين Help. بعد أربعة أشهر من التعليم المهني يفترض أن يصبح هؤلاء الشباب قادرين على إدارة محلاتهم الخاصة.

​​توجَّه مير حمزة عندما كان ما يزال في إيران إلى منظمة الإغاثة التي تتعامل في إيران مع منظمة مساعدة اللاجئين Help. عن هذا منسِّقة تعمل في مشروع الإغاثة تريد عدم ذكر اسمها بسبب نشاطات منظمتها التي تعتبر حساسة سياسيًا: "نحن نقوم بتسجيل الذين يأتون إلينا؛ وبهذا لا يعودون من دون حماية قانونية على الأقل حتى إبعادهم".

يعدّ العمل بالنسبة للعاملين الإيرانيين في منظمة مساعدة اللاجئين Help مثل السير على حبل. فمن الممكن رسميًا اعتبار كلِّ مساعدة عملية للأفغانيين عملاً معادٍ للدولة. لذلك اضطر المعاونون الإيرانيون إلى إغلاق مكتب منظمة مساعدة اللاجئين Help في إيران لفترة مؤقتة.

ويتقاسم مير حمزة مع أسرته في هرات حجرة تبلغ مساحتها 15 مترًا مربَّعًا. وتتعلَّم زوجته الآن حرفة يدوية فنية. أما هو فيذهب كلما أمكنه ذلك إلى بستان يتم فيه تعليم العائدين أساسيات الزراعة.

أمل ومساعدة للبدء

الصورة: مارتين غيرنر
يتم في إيران تشغيل معظم اللاجئين الأفغانيين في قطاع البناء. ويتعلَّم بعض العائدين الأفغان مهنة ميكانيكا السيارات.

​​يقول مير حمزة متفائلاً: "يوجد لدي في منطقتي الريفية هلمند قطعة أرض صغيرة. والأرض هناك خصبة كما أنَّني أريد العودة إلى هناك". ومير حمزة هرب قبل سبعة أعوام من الطالبان. والآن عادت الحرب من جديد إلى بعض أجزاء ولاية هلمند. لكنه يضيف أنَّه غير خائف من العودة: "لا توجد حرب في قريتي. لكن هناك نقص في الماء. وأنا أحتاج إلى مضخة وآمل من أجل ذلك في الحصول على مساعدة لكي أبدأ".

ثمة فرص طيبة. فبعد التدريب المهني في هرات تتولى منظمة إغاثة أفغانية تتعاون مع منظمة مساعدة اللاجئين Help رعاية العائدين لأربعة أشهر أخرى. وثم يحصل مير حمزة على مبلغ إجمالي يبلغ خمسمائة وستين دولار أمريكي، أي على سبعين دولار أمريكي لكلِّ فرد من أفراد أسرته.

يقول ألفرد هورن: "يمكن لمشروعنا في أفضل الأحوال أن يصنع خلال ثمانية أشهر من الأشخاص، الذين كانوا قد فقدوا الأمل، حتى فترة قصيرة أشخاصًا ناجحين". غير أنَّ هذا العمل ليس سهلاً. ومير حمزة لا يأتي في كلِّ يوم لحضور الدروس المهنية؛ إذ إنَّه يعمل بجانب ذلك عامل بأجر يومي في مدينة هرات. يقول مير حمزة: "أستطيع فقط على هذا النحو شراء ملابس لأطفالي وتسديد ديوني".

مارتين غيرنر
ترجمة: رائد الباش
حقوق الطبع: قنطرة 2008

قنطرة
حوار عن استقلالية الصحافة في أفغانستان:
"وسائل الإعلام قادرة على تغيير البلاد"
يتعرَّض الصحفيون في أفغانستان إلى ضغوطات كبيرة؛ إذ تعتبر الرقابة الذاتية جزءً من حياتهم اليومية وحتى الآن لا توجد في أفغانستان أية صحيفة يومية مستقلة يتم نشرها في عموم البلاد. ساماندر رحيم الله، رئيس نقابة الصحفيين الأفغان المستقلة تحدَّث في حوار مع مارتين غيرنر عن الإجراءات الضرورية لأفغانستان.

عملية إعادة الإعمار في أفغانستان:
الحاجة إلى المزيد من الشفافية
هناك مؤشرات بأن الدول المانحة والمنظمات الإنسانية قد بدأت تفقد اهتمامها بأفغانستان، وذلك بعد أن تحققت ولو على الورق الأهداف التي وضعتها اتفاقية بيترسبيرغ (تيمنا بهذا الموقع الكائن بالقرب من مدينة بون) في ديسمبر/ كانون الثاني 2001 . ولكن سيحسم في الأشهر المقبلة السؤال حول ما إذا كانت عملية إعادة إعمار البلاد ستتسم بالنجاح على الأجل الطويل أم لا. تقرير مارتين غيرنير.

مدير "مجلس سنليس" إيمانويل رينرت:
الأمر يتعلق بالتنمية وليس بمكافحة المخدرات
تشكل زراعة الأفيون ستين بالمائة من إجمالي الدخل القومي الأفغاني ولم يكتب حتى الآن لإية مبادرة بالنجاح للحد من زراعة الأفيون والتجارة بها وبمشتقاتها. هل يمكن أن يكون السماح الرسمي بزراعة الأفيون وإخضاعه لمراقبة الحكومة في أفغانستان هو الحل؟ حوار مع إيمانويل رينرت