"من لا يؤمن بالمعجزات ليس بواقعي"

في مايو / أيار 2008 يبلغ عمر دولة إسرائيل ستون عاما. وسوف يكون الاحتفال بعيد الميلاد مصحوبا بكلمات المدح والأحكام المسبقة. ميشا بروملك، العالم في شئون التربية والمقيم في مدينة فرانكفورت، امتلك الجرأة على انتقاد الصهيونية بصورة غير هجومية. ميشائيل برنر يقدم قراءة لتصورات بروملك.

ميشا بروملك، الصورة: دويتشه فيله
تعتبر مقالة برومليك هي أول إجابة ألمانية يهودية ممنهجة ردا على بعض الأصوات الناقدة لإسرائيل من قِبل يهود أمريكا وغيرهم في الغرب

​​ يعتبر الجدل الحالي بين اليهود حول شرعية دولة إسرائيل هو نقطة الانطلاق، وتعتبر مقالة برومليك هي أول إجابة ألمانية يهودية ممنهجة ردا على بعض الأصوات الناقدة لإسرائيل من قِبل يهود أمريكا وبريطانيا وفرنسا في السنتين الأخيرتين. وعلى الرغم من أن الكاتب يُبدي رأيه صراحة فيما يتعلق بسياسة الاستيطان الإسرائيلية وانتهاك حقوق الإنسان، إلا أنه تنصل بوضوح من فكرة رفض الاعتراف بإسرائيل التي ينادي بها مشاهير المفكرين أمثال توني يوت أو ألفريد غروسر. والأحكام المسبقة الأخلاقية لهؤلاء المفكرين التي كثيرا ما حظيت بالثناء في محيط اللغة الألمانية على أنها كسر للتابوه فقد طرحها بروملك في سياق آخر.

خرق للمحرمات

يرى بروملك أن هذا لا يعتبر خرقا للمحرمات، لأن في داخل إسرائيل تدور منذ مدة مناقشات حامية حول كل المواضيع الحساسة. ولا علينا إلا أن نتناول الصحيفة اليومية "هاآرتس" الإسرائيلية الرائدة. فعلى النقيض من المفكرين الغربيين بنقدهم "الكتابي"، كما يسميه بروملك، أثبت زملاؤهم الاسرائيليون الشجاعة الأدبية بالفعل وهم "في الحصار". ولا عجب أن بروملك يؤيد مَيْل توني يوت إلى فكرة قيام دولة فلسطينية يهودية مشتركة، إلا أنه يعيب عليه افتقاده للواقعية في هذه الحالة بعينها. وعندما لا يرغب التّشيك والسّلاف في العيش سويا في دولة واحدة، وعندما تصبح دول سِلمية مثل كندا وبلجيكا مهددة بالتفكك – ناهيك عن الوضع في البلقان – فالحديث عن دولة قومية "مُرمّمة" ليس إلا كلاما منمقا. وأن يفتح اليهود والعرب – خاصة بعد صراع دام عقود طويلة – كجماعة ثنائية مثالية فصلا جديدا في عالم الدول، يقع في أُذن بروملك موقعا حسنا لكنه غير واقعي.

كما عارض بروملك بوضوح "إعلان برلين" المسمى "شالوم 5767"، الذي كتبه سبعون ممن يعتنقون اليهودية، ومن ضمن ما طالبوا فيه رفع الحصار الاقتصادي عن السلطة الفلسطينية برئاسة حماس آنذاك. ويصف بروملك الموقّعين على الإعلان بالغباء فيما يتعلق بميثاق حماس المعادي للسامية، الذي يصف اليهود بالمتآمرين العالميين كما في "برتوكولات حكماء صهيون".

تعددية غير أخلاقية

علاوة على ذلك يطلب بروملك تفهّم المخاوف الاسرائيلية جرّاء ما ينادي به الرئيس الإيراني علانية بمحو إسرائيل والتكهنات بقرب تحقيق هدفه عن طريق برنامجه النووي. كما يلوم بروملك على من ينتقدون على وجه الإجمال التصرفات الإسرائيلية غير الأخلاقية بأن حججهم غير أخلاقية.

​​من جانبه قدم بروملك تحليلا غاية في الدقة حول المواقف اليهودية الناقدة للصهيونية في المائة سنة الماضية، بدءا من "هيرمان كوهين" و"فرانس روزنتسفايغ"، مرورا بـ"حنا آرنت" و"ليو شتراوس" إلى "إميل فكنهايم" ووزيرة التربية والتعليم الاسرائيلية "يولي تامير"، واختيار هذه المجموعة قد يصيب البعض بالدهشة. مما يُلفت الإنتباه هنا ترجيح كفة المفكرين الألمان اليهود في حين أن المفكرين من شرق أوروبا- الذين لهم تأثير قوي على الحياة في إسرائيل ويمارسون النقد ضدها – لا يكاد يوجد لهم ثِقل يُذكر. وهل من الممكن أن يتجاهل المرء في نقد الصهيونية نصف المجتمع الإسرائيلي الذي ينتمي إلى العالم العربي؟ قد لايتفق المرء مع كل استنتاجات بروملك، إلا أنها تعتبر أفضل نموذج بلغة ألمانية للجدل الدائر منذ مدة في البلاد الأخرى.

في النهاية أوهام

تعتبر الصهيونية عند بروملك حركة قومية، لا يمكن فهمها إلا في سياق القرن التاسع عشر، ولكنها تختلف في نقاط جوهرية عن عقيدة الدول الأوروبية الامبريالية والاستعمارية، ونقاد الصهيونية يرمونها بأنها امبريالية واستعمارية أيضا. لم يأتِ المستوطنون اليهود لأسباب اقتصادية ولكنهم فروا من العداء الأوروبي لليهود. إنهم كانوا رعايا مظلومين وفي كثير من الأحيان شباب أصحاب مبادئ من قيصرية الروس، ولم يكونوا البته صيادي غنائم من وسط الدول الأوروبية المستعمرة.

في النهاية أوهام. يرى بروملك أن بناء مستقبل الشرق الأوسط لا بد وأن يكون بمساعدة أوروبا. وهو يطالب بانضمام إسرائيل إلى الاتحاد الأوروبي، على الرغم من أنه يعي بُعد هذا التصور عن كل أشكال السياسة الواقعية. هكذا يختم كتابه بمقولة تُقتبس كثيرا عن دافيد بن غوريون: "من لا يؤمن في هذا البلد بالمعجزات فليس بواقعي".

ميشائيل برنر
ترجمة: عبد اللطيف شعيب
صحيفة نويه زوريشر تسايتونج 2008

ميشا بروميك: نقد الصهيونية. هامبورغ 2007، دار نشر أوروبييشه أنشتالت
قنطرة

ما بعد الصهيونية
هل أصبح تيار "مابعد الصهيونية" في خبر كان؟
هل انتهى تيار "ما بعد الصهيونية"؟ منذ بداية الانتفاضة الفلسطينية وصوت هذا التيار المنتقد للسياسة الإسرائيلية آخذ في الخفوت. فماذا حدث لهذا التيار؟ بقلم جوزيف كرويترو.

تسييس الإبادة الجماعية
الهولوكوست من منظور عربي
وجدت تصريحات الرئيس الإيراني التي كررها علنا والتي يشكك فيها بمذابح الإبادة الجماعية (الهولوكوست) ضد اليهود أصداء متضاربة في العالم العربي. هناك من أيده في دعواه، ولكن المثقفين الحصفاء من العرب استنكروا هذه النظرة التحريفية. مقال بقلم فخري صالح.

الصهاينة العلمانيون:
"على أوروبا أن تدرك مسؤوليتها"
يستضيف المعهد العلمي في برلين حاليا أمنون راز-كراكوتسكين، أستاذ التاريخ في جامعة بن غوريون – بير السبع. يوسف حجازي تحدث معه عن الأسطورة الصهيونية وتصوره عن الدور الأوربي في أزمة الشرق الأوسط.