مشرف "بطة عرجاء" في مواجهة استحقاقات المرحلة

الفوز الذي أحرزته أحزاب المعارضة في الانتخابات البرلمانية في باكستان غيّر كثيرا من معالم الخارطة السياسية الحزبية في البلاد . هذا التغيير قد يمكن حزب الشعب وحزب الرابطة الإسلامية من تشكيل ائتلاف من شأنه العمل على عزل الرئيس برويز مشرف من منصبه. عرفان حسين من لندن في قراءة لدلالات هذه الانتخابات.

الفوز الذي أحرزته أحزاب المعارضة في الانتخابات البرلمانية في باكستان غيّر كثيرا من معالم الخارطة السياسية الحزبية في البلاد . هذا التغيير قد يمكن حزب الشعب وحزب الرابطة الإسلامية من تشكيل ائتلاف من شأنه العمل على عزل الرئيس برويز مشرف من منصبه. عرفان حسين من لندن في قراءة لدلالات هذه الانتخابات.

الرئيس الباكستاني، الصورة: أ.ب
مشرف أضحى رئيسا فاقدا للأمل والصلاحية، وفق نظرة عرفان حسين

​​يعدّ الأصوليون الذين خاضوا الانتخابات البرلمانية عن "اتحاد مجلس العمل" من أكبر الخاسرين في هذه الانتخابات. تمكّن تحالف الأصوليين المكوّن من اتحاد الحزبين الإسلاميين الكبيرين، حزب "الجماعة الإسلامية" وحزب "جمعية علماء الإسلام"، بالإضافة إلى بعض الأحزاب الأخرى ذات النزعة الدينية اليمينية، من حصد عدد كبير من مقاعد البرلمان في الانتخابات التي أجريت في عام 2002 على مستوى المحافظات والأقاليم.

لقد اعتقد حينها الكثير من الباكستانيين أنَّ الفوز الذي حققه اتحاد مجلس العمل عام 2002 كان مفتعلاً من قبل جهاز الاستخبارات العسكرية، الذي يلعب دورًا مهمًا في معظم الانتخابات الباكستانية. لكن الآن مُني اتحاد مجلس العمل بهزيمة ساحقة أمام الحزبين العلمانيين، "حزب عوامي الوطني" و"حزب الشعب الباكستاني".

من المتوقّع أن يقوم الآن حزب عوامي الوطني وحزب الشعب الباكستاني بتشكيل حكومة ائتلافية في المنطقة الشمالية الغربية الواقعة على الحدود مع أفغانستان. لن يجري ذلك من دون أن يترك آثارًا هامة بالنسبة للحرب على الإرهاب ضدّ الطالبان في هذه المنطقة القبائلية.

صراع على الصلاحيات

أما الحزب الآخر الذي شعر بسخط الناخبين فهو الجناح المنشق عن حزب الرابطة الإسلامية. تم تشكيل هذا الحزب قبيل انتخابات 2002 لكي يخدم مشرف باعتباره أكبر شريك في ائتلاف حكومي. بيد أنَّ الانتخابات الأخيرة حمكت على هذا التجمّع بالهزيمة وقللت من شأنه، إذ إنَّ معظم مرشحيه عوقبوا من قبل الناخبين على غلاء المعيشة وارتفاع أسعار المواد الغذائية وانقطاع التيار الكهربائي وإمدادات الغاز.

باكستانيات في طريقهن إلى مراكز الاقتراع في بيشاور، الصورة: أ.ب
المعارضة الباكستانية استطاعت توظيف السخط الشعبي العام من سياسات مشرف لصالحها

​​لكن يبدو أنَّ الخاسر الأكبر من بين الجميع هو مشرف بالذات؛ فقد ضعف مركزه من خلال إجباره على التنحي عن منصب رئاسة هيئة أركان الجيش بسبب الضط الجماهيري وصار يتحوّل الآن وبشكل متزايد إلى"بطة عرجاء" - نظرًا لفقدانه قدرته واقتراب نهاية حكمه.

تحوّل مشرف خلال عام واحد فقط من رئيس للبلاد وقائد عام للقوات المسلحة كان يبدو أنَّه الرجل الأقوى في باكستان إلى رجل وحيد فاقد للسلطة والأمل. فمن الأفضل له الآن أن يتنازل عن منصبه بدلاً من إقدامه على الدخول في جدال معدوم الأمل مع الحكومة القادمة. غير أنَّ الحكام المستبدين لا يُعرفون على الإطلاق باستقالتهم من مناصبهم بنزاهة واحترام.

الفائز الأكبر في هذه الانتخابات هو حزب الشعب الباكستاني، الذي سوف يترأس من دون شكّ الحكومة الائتلافية في إسلام أباد. كذلك تمكّن حزب الشعب الباكستاني من الفوز في المناطق الريفية الواقعة في إقليم السند مسقط رأس بينظير بوتو، حيث ساعد الناس الحزب في الحصول على أغلبية واضحة.

فوز حزب نواز شريف

حصد نواز شريف، زعيم حزب الرابطة الإسلامية الذي عاد إلى البلاد من منفاه، أكبر عدد من المقاعد النيابية في منطقة البنجاب التي تعتبر أكبر إقليم في باكستان. على الأرجح أنَّ حزب رابطة نواز شريف الإسلامية سوف يقوم بتشكيل ائتلاف في هذا الإقليم. إنَّ الهزيمة الساحقة التي مني بها برويز مشرف في هذا الإقليم بالذات، الذي كان يعدّ حتى ذلك مركز سلطته، تعتبر إهانة من نوع خاص بالنسبة له ولحلفائه.

سوف تعكس في المستقبل معالم البرلمان الباكستاني مواقف أغلبية الباكستانيين وآراءهم، إذ إنَّ حزب الشعب الباكستاني يعتبر حزبًا تقدميًا وعلمانيًا، في حين يعدّ حزب الرابطة الإسلامية بزعامة نواز شريف حزبًا مكانه في وسط الأطياف السياسية. لقد نجح الحزبان في التعاون مع بعضهما بعضا؛ فمن الممكن أن تحصل الباكستان أخيرًا على حكومة مستقرة وقوية - حكومة هي في أمس الحاجة إليها.

كان الكثير من الناس ينتابهم الخوف قبل إجراء هذه الانتخابات بفترة قصيرة من أنَّ الحكومة الحالية - نظرًا إلى النتيجة التي كانت متوقّعة - ستحاول التلاعب بالانتخابات، الأمر الذي كان سيؤدّي إلى إثارة سخط الجماهير واستيائهم، مثلما كانت الحال بعد اغتيال بينظير بوتو في الـ27 من شهر كانون الأوال/ديسمبر الماضي.

انتخابات نزيهة

لكن ظهر الآن أنَّ مشرف قد أوفى بوعده بأنَّ الانتخابات ستجرى بنزاهة وحرية. تولى مراقبة مسار الانتخابات 200 مراقب انتخابي أجنبي، معظمهم من دول الاتحاد الأوروبي، حيث أكّد أكثرهم عدم حدوث تجاوزات وخروقات كبيرة.

بيد أنَّ العملية الانتخابية لم تخلو من أعمال العنف؛ ففي يوم الانتخابات بالذات وأثناء المعركة الانتخابية قُتل حوالي مائة شخص، عشرة منهم فقط في الـ18 من شهر شباط/فبراير. كذلك اغتيل رميًا بالرصاص عشية إجراء الانتخابات مرشّح في مدينة لاهور عن حزب الرابطة الإسلامية بزعامة نواز شريف. قيل إنَّ المتورّطين في الكثير من هذه الحوادث هم ناشطون في حزب الرابطة الإسلامية جناح قائد أعظم الموالي لبرويز مشرف.

أحد رجال الشرطة الباكستانية يحرس أحد مراكز الاقتراع في لاهور، الصورة: د.ب.ا
رغم الإجراءات الامنية إلا أن عددا من الاشخاص قتلوا في حوادث متفرقة في أثناء عملية الاقتراع

​​هناك صعوبة في تشكيل ائتلاف بين حزب الشعب الباكستاني وحزب الرابطة الإسلامية بزعامة نواز شريف؛ تكمن هذه الصعوبة في مطالبة نواز شريف باستقالة برويز مشرف قبل كل شيء وباشتراطه إعادة قاضي القضاة افتخار شودري إلى منصبه، الذي أقاله منه مشرف في شهر تشرين الثاني/نوفمبر الماضي.

لا يحظى كلا الطلبين بالأولوية القصوى لدى حزب الشعب الباكستاني. فبدلاً من ذلك يتحدّث زعيمه، آصف زرداري أرمل الراحلة بينظير بوتو، عن مصالحة وطنية وقد صرّح عدة مرات بأنَّه لا يفكّر بالانتقام لاغتيال زوجته - لا شككّ في أنَّ هذا الموقف رفع من مكانته.

كذلك يتبيَّن أنَّ الانتخابات تعتبر على العموم شفافة، لا سيما وأنَّ الجنرال اشفاق كياني، الرئيس الجديد لهيئة أركان الجيش الباكستاني، اعتزل العمل في السياسة. فقد أعلن بصراحة أنَّه لن يلعب أيّ دور سياسي، الأمر الذي سيمنح أخيرًا السياسيين الباكستانيين فرصة لتحررهم من قيود الجيش، التي كانوا مقيدين بها طيلة استحواذ الجيش على السلطة.

رئيس غير واقعي

قام الغرب بتقديم الدعم لمشرف باستمرار منذ الحادي عشر من أيلول/سبتمبر، وذلك لأنَّ القادة الغربيين كانوا واثقين من أنَّ "الحرب على الإرهاب" لا يمكن أن تُخاض بنجاح إلاَّ بمساعدة الجيش الباكستاني. كان مشرف يتمتّع بأهميته بالنسبة للسياسة الدولية، التي جعلته مهمًا إلى تلك الدرجة، بحيث أنَّه صار في آخر المطاف يعتقد بأنَّه ضروري ولا غنى عنه بالنسبة لباكستان وحتى للعالم.

على الأرجح أنَّ جنون العظمة هذا جعله غير قادر على رؤية الواقع بشكله الصحيح. فمن الممكن فقط على هذا النحو تفسير إعرابه قبل يوم من إجراء الانتخابات عن ثقته وتفاؤله بالإضافة إلى تنبّؤه بفوز حزب رابطته الإسلامية - جناح قائد أعظم.

من الواضح أنَّ الدور الذي سوف يلعبه مشرف، حتى وإن كان الوقت لا يزال من دون شك مبكرًا للحديث عن انتهاء دوره السياسي، سوف يكون أقل بكثير من دوره السابق، إذا كان ينوي البقاء رئيسًا للبلاد. ففي الدستور الباكستاني لا تمنح للرئيس مهام تنفيذية، بل مجرّد مهام تمثيلية، بصفته رمزًا للدولة. يبقى علينا أن ننتظر إذا كانت أنانيته تسمح له بتسليم السلطة إلى رئيس الوزراء الجديد.

عرفان حسين
ترجمة: رائد الباش
حقوق الطبع: قنطرة 2008

قنطرة

الباكستان مهددة بالحرب الأهلية:
جنرال تحت ضغط الأحداث
أظهرت الأحداث الأخيرة التي وقعت في الباكستان هشاشة الوضع السياسي القائم في الباكستان والرفض الشعبي للدكتاتورية العسكرية التي يمارسها الرئيس مشرف. تقرير كتبه برنارد امهاسلي عن تطور الأوضاع هنااك.

باكستان: ورقة الجنرال الأخيرة
لعبة الجيش المزدوجة
قام الرئيس الباكستاني مشرف السبت الماضي بفرض حالة الطوارئ مبررا خطوته تلك بحالة العنف السائدة في البلاد. إلا أن الأمر كله ربما كان محاولة لتفادي الحكم المتوقع صدوره ضد رئاسته من قبل المحكمة العليا واستباقا له. تعليق توماس بيرتلاين.

ضغوط على الرئيس الباكستاني مشرف:
ضائع بين كل الجبهات!
يتعرض الرئيس الباكستاني مشرف الآن الى ضغوط من جميع الجهات بعد العملية الدموية التي قادها ضد متطرفي المسجد الأحمر. الإسلاميون يعتبرونه عميلا أميركيا والليبراليون يرونه دكتاتورا لا تهمه سوى السلطة. تعليق كتبه توماس بيرتلاين.