مؤتمر الكراهية....ملتقى العنصرية

قدم "مؤتمر مناهضة أسلمة بلداننا"، الذي عُقد في العاصمة الفرنسية باريس مؤخراً لليمينيين المتطرفين ومناهضي الإسلام منبراً رحباً لطرح نظريات مؤامرة جديدة وللتوجه بالخطب التي تحث على كراهية المهاجرين المسلمين. بيرنارد شميد في قراء لخلفيات هذا المؤتمر وأهدافه.

مظاهرات في باريس ضد مؤتمر الكراهية، الصورة خاص
"المسلمون هم الأشرار، فهم يقومون بإغراق أوروبا عددياً ومن ثم احتلالها، كما أنهم يسلبون السكان المحليين أماكن عملهم، وهم مجرمون وإلى غير ذلك من الأوصاف"، محور مناقشات مؤتمر مناهضة الإسلام.

​​ لا شيء يعلو على إيجاد عدو مشترك من أجل ربط العلاقات بين الناس الذين لا تجمعهم عادة ربما أشياء أخرى كثيرة. وإلا فما الذي يجمع بين ناشطة نسائية وبعض أفراد قبائل الأمازيغ من شمال إفريقيا الذين يولون أهمية كبيرة لمسألة عدم اعتبارهم من العرب واليمينيين المتطرفين من مشجعي كرة القدم المشاغبين لنادي باريس سان جيرمان ومرشح رئاسي من الفاشيين الجدد؟

إن وجود عدو مشترك يقود إلى تقاربات غير متوقعة البتة، وتعريف هذا العدو واضح للغاية: المسلمون هم الأشرار، فهم يقومون بإغراق أوروبا عددياً ومن ثم احتلالها، كما أنهم يسلبون السكان المحليين أماكن عملهم، وهم مجرمون وإلى غير ذلك من الأوصاف.

ولا يرى المرء كل يوم هؤلاء الأشخاص والمجاميع المذكورة آنفاً جالسين في قاعة واحدة، كما حدث في يوم السبت الماضي 18 كانون الأول/ ديسمبر 2010 في الدائرة الثانية عشرة من العاصمة باريس. واجتذب "مؤتمر مناهضة أسلمة بلداننا" قرابة 1000 شخص من مختلف أرجاء أوروبا ومتداخيلن حلو ضيوفاً من روسيا والولايات المتحدة الأمريكية، ذلك المؤتمر الذي استمر على مدار يوم بأكمله.

هيمنة يمينية

ماري لوبان
"إن اليسار خان المبادئ العلمانية. كما أن اليمين عرف أن ليس كل الثقافات لها قيمة متشابهة، بل إن الثقافة الغربية متقدمة على غيرها بسبب مكانة المرأة فيها".

​​ وتم الترحيب بالضيوف والعناية بهم من خلال تقديم ساندويتشات لحم الخنزير والنبيذ الأحمر من قبل رابطة "التضامن الفرنسي" Solidarité des Français اليمينية المتطرفة. وهذه المجموعة، التي تنتمي إلى المنظمة الفاشية الجديدة "كتلة الهوية" Bloc identitaire، لفتت الانتباه خلال السنوات المنصرمة من خلال تقديم الطعام للفقراء: فقد دعت المشردين في باريس خلال فصل الشتاء إلى المشاركة وجبة تناول "حساء لحم الخنزير"، الأمر الذي لم يتقبله المسلمون واليهود منهم على حد سواء.

ومنظمة "كتلة الهوية" نفسها كانت ممثلة في المؤتمر من خلال "مرشحها للرئاسة" أرنو غوين، وبرئيسها فابريس روبرت، وقدم كلاهما مداخلة في المؤتمر. ولم يكن من الأمور العادية اليومية في هذا الحفل أن تقوم آن زيلنسكي، رفيقة سابقة للكاتبة الوجودية الفرنسية سيمون دي بوفوار بالشهادة على أن أقوال السياسية اليمينية المتطرفة ماري لوبان "لم تكن تتضمن أي شيء جارح".

واعتمدت زيلنسكي في ذلك على تصريحات ابنة جان ماري لوبان، سياسي فرنسي رئيس ومؤسس حزب الجبهة الوطنية، في العاشر من كانون الأول/ ديسمبر 2010: إن المرأة التي ستصبح مستقبلاً على أكثر التقديرات رئيسة للجبهة الوطنية، تحدثت أمام قرابة 300 شخص من أنصارها في ليون. ولأن فرع الحزب في هذه المدينة يعد من أكثر الأحزاب تصرفاً ويضم بين صفوفه أشخاصاً اعترفوا علناً بأنهم نازيون ومعادون للسامية، أرادات ماري على ما يبدو أن تكون سخية في تصريحاتها.

وخلال حديثها أبرقت السياسية الفرنسية وأرعدت ضد أولئك الذين يريدون الحديث على الدوام "عن الحرب العالمية الثانية" وعن احتلال فرنسا من قبل ألمانيا النازية. كما أشارت إلى أنه يوجد "احتلال راهن"، يجب على المرء معالجته عوضاً عن تلك الأحاديث المتكررة. وهذا هو في الحقيقة احتلال "أجزاء من مجالنا الإقليمي"، ذلك الاحتلال الذي يمارسه المسلمون، الذين يصلون في الشوارع تحت سماء فرنسا حقيقة أو تظاهراً. وهذا الأمر يتم في الشوارع في الدائرة الثامنة عشرة من باريس، بسبب التجمع المكاني الكبير الذي تضيق به المساجد من جهة. ومن جهة أخرى دأبت الجالية الإسلامية هناك على الصلاة في الشوارع تظاهراً. وتابعت المجاميع العنصرية والأشخاص العنصريون هذه الأحداث في الأشهر الماضية، وتم توثيقها بدقة بعض صفحات الإنترنت الخاصة.

أوروبا- "صحراء روحية وفكرية"

أوسكار فرايزنغر ، الصورة ا.ب
فرايزنغر هو أحد نواب حزب الشعب السويسري وكان صاحب مبادرة الاستفتاء الذي أُجري في سويسرا في تشرين الثاني/ نوفمبر 2009، لمنع منارات المساجد

​​ ماري لوبان نفسها لم تشترك في المؤتمر، لكنها قالت مؤخراً خلال مقابلة تلفزيونية بُثت على قناة LCI، إنها لم تستطع الحضور لسبب واحد فقط، لأنها كانت منشغلة تماماً بالحملة الانتخابية داخل الحزب. وأضافت لوبان: "ألقى السياسي السويسري أوسكار فرايزنغر في المؤتمر خطبة مثيرة للاهتمام". فرايزنغر، وهو أحد نواب حزب الشعب السويسري، كان أهم ضيف في المؤتمر. وكان السياسي السويسري صاحب مبادرة الاستفتاء، الذي أُجري في سويسرا في تشرين الثاني/ نوفمبر 2009، لمنع منارات المساجد والاستفتاء الذي أُجري في تشرين الثاني/ نوفمبر من هذا العام "لترحيل" المجرمين و"المتلاعبين في مساعدات الضمان الاجتماعي" من الأجانب.

وعند الظهر ظهر فرايزنغر في المؤتمر بصحبة مجموعة حكومية من الحراس الشخصيين. واستعرض في خطابه أن "الإسلام والشيوعية" تربطهما مشتركات كثيرة، فكلاهما "نظامان شموليان جماعيان"، ولذلك فقط يوجد تحالف بين المسلمين واليساريين. لكن المشكلة الرئيسية تكمن في أن المهاجرين المسلمين يأتون إلى أوروبا ويجدون "صحراءً فكرية وروحية"، "لأننا لم نعد واثقين من هويتنا الخاصة".

إن اسم ماري لوبان الغائبة عن المؤتمر كان يجابه بالتصفيق الحار لأكثر من مرة من قبل المشاركين، إحداها كان بمناسبة أقوال آن زيلنسكي، التي حاولت تبرير قربها من اليمين المتشدد بالقول: إن اليسار خان المبادئ العلمانية. كما أن اليمين عرف أن "ليس كل الثقافات لها قيمة متشابهة"، بل أن الثقافة الغربية متقدمة على غيرها بسبب مكانة المرأة فيها.

وباعتبارها المتحدثة الوحيدة جوبهت الناشطة النسائية من أغلبية الجمهور بصيحات الاستنكار حين ذكرت أنها اشتركت في عام 1970 في الحملة ضد تشريع إجهاض الحمل. لم يأخذ الكثير من الحاضرين قضية المبادئ العلمانية على محمل الجد تماماً، وبالنسبة إلى عدد منهم كانت العلمانية تمثل غطاء مريح في المقام الأول من أجل التحريض على المسلمين بشكل خاص والمهاجرين إلى أوروبا بشكل عام. وبحسب معلومات صحيفة لوموند الفرنسية كان من المقرر أن يكون "الضيف البارز" عمدة ضاحية مونتفيرميل، كزافير لوموين. وعلى الرغم من أنه معروف بكونه معادياً متعصباً للإسلام ومدافعاً عن "الغرب المسيحي"، لكنه حقيقة ليس من المدافعين عن العلمانية

إجهاض "للسكان الأصليين البيض"

إن الكاثوليكي اليميني المنتمي إلى حزب الوحدة المحافظ UMP، يعد كذلك أحد معارضي الإجهاض والطفل المدلل لسلفه في هذا المنصب بيير بيرنارد، الذي أشترك في تموز/ يوليو 1996 في جنازة بول توفييه، قائد الميلشيا خلال فترة حكومة فيشي في فرنسا إبان الاحتلال الألماني. لوموين لم ينأ بنفسه في أي وقت من الأوقات عن معلمه السياسي، لكنه على الرغم من ذلك لم يشارك في المؤتمر، فقد تدخلت قيادة حزب الوحدة ومنعت نواب الحزب من المشاركة في المؤتمر أو حضوره، كما أشتكى منظموه.

ولكن اشتكى منظمو المؤتمر بشكل خاص من "ثمن الهجرة إلى فرنسا"، التي قدمها مستشار الأعمال ومناصر سياسة الدمج بين الاقتصاد والاجتماع جان-باول غورفيتش بجداول عددية مفصلة. وعلى حد زعمه يكلف المهاجرون الفرنسيين 38 مليار يورو سنوياً، وهو أدعاء لم يتمكن من غورفيتش من إثباته بأي شكل من الأشكال.

لكنه على الرغم من ذلك جوبه بموجة من التصفيق حاله في ذلك حال رينيه شتاتكيفيتس من حزب "الحرية" والذي جاء من برلين للمشاركة في المؤتمر. وصب شتاتكيفيتس جام غضبه على "التداعي الثقافي المنظم" وعلى "السياسيين البارزين"، الذين لا يفكرون إلا في مصالحهم الخاصة. كما جوبهت خطبة الكاتب رانو كامو بالتصفيق الحار هو الآخر، الذي سُحب في نيسان/ أبريل 2000 أحد كتبه الصادرة عن دار فايارد للنشر بسبب احتوائه على فقرات معادية للسامية.

وأوضح كامو في حديثه خلال المؤتمر أن المهاجرين في فرنسا يمثلون جزءا من "خطة كبيرة لإبدال سكان فرنسا" من خلال كثرتهم العددية. وهؤلاء المهاجرين أخذوا بذلك المطلب الشجاع، الذي طرحه المسرحي الألماني بيرتولت بريشت وكان ذا سخرية لاذعة في أوانه، لجعل "أنفسهم شعباً جديداً". بالمناسبة: إذا ما المرء المجرمين من أصول أجنبية على أنهم "ليسو مخادعين، بل جنوداً"، فإن "عدم الأمان غير المحتمل" سيمثل جزءا من حرب تهدف إلى إجهاض "السكان الأصليين البيض".

بيرنارد شميد
ترجمة: عماد مبارك غانم
مراجعة: هشام العدم
حقوق النشر: قنطرة 2011

قنطرة

"من الذي يخشى من الإسلام؟"- نقاش بين كيليك وطارق رمضان:
مسلم أقل إسلاما ليكون أوروبيا أفضل؟
هل يشكِّل الإسلام جزءًا من الواقع الأوروبي أم تهديدًا قادمًا من الشرق؟ يدور في أوروبا منذ أعوام جدال ساخن حول تحديد مكان الإسلام في الحياة العامة، حيث عقد مؤخرا في برلين مؤتمر جمع شخصين يعتبران من أكثر الشخصيات جرأة في هذا الجدال - عالمة الاجتماع التركية الألمانية، نجلا كيليك والباحث السويسري المختص بالعلوم الإسلامية، طارق رمضان. سارة ميرش حضرت المؤتمر وتطلعنا على أهم النقاشات التي دارت فيه.

لقاء بين يورغن هابرماس وطارق رمضان:
"لا وجود لأوروبا من دون المسلمين"
لقاء مثير بين يورغن هابرماس وطارق رمضان للحديث عن الإسلام وأوروبا ومواطنيها لم يعد دمج المسلمين الذين هاجروا إلى أوروبا يشكِّل منذ فترة طويلة مشروعًا، بل واقعًا - حسب رأي طارق رمضان. لكن على الرغم من ذلك يتحتَّم دائمًا على المهاجرين إثبات ولائهم لأوروبا. والآن التقى في مؤتمر عقد مؤخرًا الفيلسوف الألماني يورغن هابرماس مع الشخصية الإشكالية طارق رمضان، الذي يعد أحد أهم ممثلي المسلمين في أوروبا. كيف سيكون في المستقبل شكل العلاقة بين أوروبا والحداثة والإسلام؟

ملاحظات حول الإسلام الأوربي:
هل الإسلام الأوروبي ذوبان وإندماج أم تأقلم وتلائم؟
ستفقد مقولة الإسلام الأوروبي رواجها لدى الجمهور وذلك عندما سينظم المسلمون نمط حياتهم في أوروبا وفقا لمسارالاندماج. بدأت عبارة "أوروإسلام"(الإسلام الأوربي) تسري على الأفواه من جديد. فهي تبرز مجددا عندما تتوتر العلاقة بين الأغلبية في المجتمعات غير المسيحية والجالية الإسلامية في أوروبا. مدير معهد الشرق الألماني بهامبورغ أودو شتاينباخ يلقي الضوء على إشكالية هذا المصطلح وخلفياته السياسية