السعودية بين الحداثة والعقيدة الوهابية المتشددة

الوهابية دين الدولة في المملكة العربية السعودية حيث يخضع إيقاع الحياة اليومية لها. وفي الوقت الذي ينتقد فيه كثير من العلماء المسلمين هذا النظام، لا يتفهم كثيرون من داخل السعودية أوجه الانتقاد، كما يوضح ملهم شعلان في تقريره التالي.

By ملهم الملائكة

يلحظ زائر السعودية تأثير التعاليم الصارمة للعقيدة الوهابية على حياة الناس، فقائمة الممنوعات الطويلة تطال مختلف جوانب الحياة اليومية، فالمرأة على سبيل المثال ممنوعة من قيادة السيارة ومن السفر ومغادرة البيت لوحدها، ويمنع الاختلاط بين الجنسين في الأماكن العامة، ولا يوجد في البلد مسارح ودور سينما.

 

ويسهر على تطبيق قائمة الممنوعات "شرطة المطاوعة" التابعة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي تستمد شرعيتها من تفسير سلفي- وهابي لآيات القرآن. وعندما تكتشف هذه الشرطة مخالفة تقوم بمنعها أو تبليغ جهاز الشرطة العادي بها. كما تثير ممارسات شرطة المطاوعة الكثير من الانتقاد والجدل في الأوساط السعودية وفي الخارج بسبب انتهاكاتها لحقوق الإنسان.

 

ويبرر صناع القرار في السعودية مهام شرطة المطاوعة بوجود الحرمين الشريفين في مكة والمدينة المنورة كما يقول الكاتب المصري في الشؤون الإسلامية مؤمن المحمدي. ويضيف المحمدي بأن "نفس الحجة تتخذها المملكة لعدم تطبيق نموذج الدولة الحديثة على الدولة السعودية".

 

منع الأحزاب السياسية

 

بناء على التعاليم الوهابية يمنع تشكيل الأحزاب السياسية في السعودية. ولا يوجد برلمان منتخب في البلاد، هناك فقط مجلس شورى يتم تعيين أعضائه من قبل الملك وتقتصر مهامه على تقديم النصيحة والاستشارة.

 

عضو مجلس الشورى السعودي السابق محمد آل زلفة يقول في حديث معنا إن منع تشكيل الأحزاب في بلاده لا يعني غياب الحريات: "هناك غياب للتنظيمات والأحزاب السياسية في السعودية، رغم وجود سعوديين انتسبوا في أوقات سابقة لأحزاب قومية عربية مثل حزب البعث العراقي أو السوري"، ويضيف زلفة: "غير أن الناس يتمتعون بقدر من حرية التعبير عن آرائهم ويدعون للإصلاح في مجالسهم ومقاهيهم دون خوف، وهي حرية أكبر من المتوفرة في سوريا والعراق أيام البعث".

 

الأنشطة الديمقراطية موضع عقاب

 

لكن عبد العالي رزاقي، الأستاذ بكلية العلوم السياسية في الجزائر، لا يتفق مع ما ذكره زلفة. فقد أورد أمثلة لأشخاص تجرءوا على مطالبة الملك السعودي بالإصلاح فكان جزاؤهم "صدور أحكام مثيرة للاستغراب بحقهم. الطبيب سعود المختار حكم عليه بالسجن 30 سنة وبالإقامة الجبرية 30 أخرى، لأنه عقد جلسات ديوانية في حضور رئيس حزب جزائري تحدث فيها عن ضرورة إصلاحات دستورية تسمح بإنشاء أحزاب وجمعيات ". عضو مجلس الشورى السعودي السابق محمد آل زلفة يرى في هذا السياق أن المجتمع السعودي مجتمع محافظ يعارض كل جديد، وعليه فإنه ليس من السهل إقناع المتشددين فيه بضرورة التغيير.

 

محظورات الحياة الثقافية والدينية

 

تفتقر الحياة الثقافية في السعودية للمسارح ودور السينما وعروض الأزياء وغيرها من أنشطة ثقافية أخرى. وفي هذا البلد لا يجد الزائر دور عبادة لأتباع الديانات الأخرى كالمسيحية واليهودية. محمد آل زلفة عزا ذلك إلى "عدم وجود مسيحيين أصلا في المملكة، أما بالنسبة لليهود فقد عاش في المملكة بضع مئات منهم قبل أن يغادروها إلى إسرائيل، وبالتالي فإن وجود المعابد ينتفي لعدم وجود العباد" على حد قوله، ولكن ماذا بالنسبة لملايين العاملين من غير المسلمين في المملكة، هؤلاء حسب زلفة "يمكنهم التعبّد في بيوتهم الخاصة دون حرج أو مانع، إلا أنه لا يحق لهم بناء دور عبادة".

 

وتعارض تعاليم الوهابية رسم وجوه وأجساد الأشخاص وتعليق صورهم باعتباره مظهرا من مظاهر الشرك وتقليد الخالق، لكن كل من يزور المملكة يرى صور العاهل السعودي تملأ الساحات وتعلق حتى على السيارات، وهو ما يثير تساؤلات بشأن المعايير المرعية بين الرعية وبين الطبقة الحاكمة، وقد ردّ آل زلفة على ذلك بالقول " بعض الفئات المتشددة تعارض نشر الصور، ولكن الصور مباحة للجميع، ومن حيث المبدأ الحكومة تقول أنت حر فيما تريد". وأضاف آل زلفة في سياق متصل: "كل المراجع والشيوخ يظهرون على شاشات التلفزة ويضعون صورهم على مواقعهم الشخصية ، والتحريم محدود في دوائر غير رسمية".

 

استنساخ القرن السابع

 

لكن مؤمن المحمدي يرى بهذا الشأن أن "الوهابية تقوم على فكرة استنساخ القرن السابع، وهي تحاول تثبيت عام 11 هـ لحظة وفاة النبي لتكون النموذج، حتى وإن كان ذلك ينزعها من سياقها التاريخي وعليه، فإنهم يتأسون بمشهد فتح مكة، وهو مشهد لا يجوز بالنسبة لي التفكير فيه بمعزل عن الصراع بين الأرستقراطية القرشية ورسالة النبي محمد التي عارضتها منذ البداية إلى حد الاقتتال. في تلك اللحظة كان هناك عداء واضح لغير المسلمين، واحتقار لعقائدهم وعباداتهم".

 

وفي سياق متصل ذهب المحمدي إلى القول: " اختلط حكام السعودية بثقافات أخرى، وتعاملوا مع جنسيات مختلفة، ويريدون تقليد ما يشاهدون في الدول الأخرى، أو على الأقل مجاراته، لكنهم مدركون أن بقاءهم كحكام مرهون ببقاء الصورة التقليدية للملكة باعتبارها أحد حصون "الشريعة"، من ثم فإنهم يراقبون الناس للتأكد من إتباعهم النموذج، لكنهم لا يؤمنون بضرورة إتباعهم هم شخصيا لهذا النموذج".

 

 

ملهم شعلان

تحرير: ابراهيم محمد

حقوق النشر: دويتشه فيله 2014