لماذا يقف الغرب مكتوف اليدين أمام الأزمة السورية؟

لم يأت مشروع قرار مجلس الأمن الأخير إلا بمناشدات جديدة لوقف أعمال العنف في سوريا. هذا التطور يعكس مدى تعقيد الأزمة السورية، التي تتشابك فيها الكثير الملفات الإقليمية والدولية، مما يعني طول أمد المواجهة السورية. دانيل شيشكفيتيس يلسط الضوء على هذه القضية.



وصف الناشط السياسي حسن عبد العظيم، مشروع القرار الذي قدمته كل من بريطانيا وفرنسا وألمانيا والبرتغال لمجلس الأمن، بالغير مجدي، فهو يخلو حسب رأيه من أي قرارات بشأن تعقب المحاكم الدولية للمتورطين في انتهاكات لحقوق الإنسان. مسودة القرار جاءت بمجرد مناشدات، بدلا من اتخاذ إجراءات حاسمة مثل فرض حظر على الأسلحة أو تعليق عقوبات شاملة، وذلك رغم تقديرات الأمم المتحدة، التي تشير إلى مقتل نحو 2700 شخص جراء الحملات القمعية، التي يشنها النظام السوري ضد المتظاهرين منذ بدء الاحتجاجات في منتصف آذار/مارس الماضي.


موسكو .. حارسة النظام


الصورة د ب ا
روسيا الحليف العسكري لسوريا

​​الحليفان الروسي والصيني، هما من يقفا وراء تراجع المجتمع الغربي عن اتخاذ موقف حاسم من الأزمة السورية وتخلي مجلس الأمن عن قرار فرض عقوبات على النظام السوري. ويقول الكسندر رار من معهد السياسة الخارجية، بأنه لا يجب أن ننسى أن روسيا هي الحليف العسكري الغير مباشر لسورية: "سوريا هي أهم قاعدة للقوات البحرية الروسية في البحر المتوسط، كما أن سوريا وإيران من أهم المشترين للأسلحة الروسية. إن أي فرض حظر على الأسلحة سوف يؤدي إلى تكبد صناعة التسليح الروسية خسائر هائلة".


بالإضافة إلى ذلك فإن روسيا ترى في الغرب وفي الإتحاد الأوروبي منافساً لها في منطقة الشرق الأوسط، ولا سيما بعد تدخلهما العسكري في ليبيا. السبب الثالث الذي يفسر موقف روسيا المدافع عن النظام السوري يكمن في وجهة النظر الروسية والتي ترى عد م وجود البديل للرئيس بشار الأسد، كما يؤكد الخبير السياسي رار: " الخبراء الروسيون يرون أن رحيل الأسد قد لا يجلب الإستقرار بالضرورة، بل قد يؤدي إلى العكس. فروسيا تخشى من صعود القوى الإسلامية المتطرفة".


وعلى عكس الموقف الغربي من الاحتجاجات الليبية، فإن الغرب يستبعد الخيار العسكري لإنهاء الأزمة السورية، فتأثيرات التدخل العسكري في ليبيا تبقى محدودة على المنطقة العربية. وذلك على عكس الحالة السورية، التي قد يؤدي اعتماد الحل الأمني فيها إلى اختلال التوازنات الإقليمية. وحول هذه المأزق يقول ميشائيل باور، خبير الشرق الأوسط في مركز بحوث السياسة التطبيقية في جامعة ميونيخ : " بالنسبة للغرب فإن العقدة تكمن في التداعيات التي قد يحدثها التدخل العسكري في سوريا على دول الجوار كالعراق أو على الوضع اللبناني أو على الصراع العربي الإسرائيلي، والتي لا يستطيع أحد التنبؤ بها، فهذه الدول هي بؤر توتر في المنطقة، ولهذا فهناك تخوف من زعزعة استقرار المنطقة بأسرها".


سوريا.. قنبلة موقوتة !


بالإضافة إلى ذلك، فإن النسيج الإجتماعي السوري يتميز بتداخل وتنوع طوائفه العرقية والدينية، فهناك الأقلية العلوية، والتي ينحدر منها الرئيس بشار الأسد، والتي تشغل المناصب الرئيسة في الجيش والدولة وهناك الطائفة السنية والتي تشكل الأغلبية، وهناك الأكراد، الذين ينتمون أيضاً للطائفة السنية، والدروز والمسيحيون. ويقول ميشائيل باور بأن التوترات الطائفية كانت تخيم دائماً على وحدة المجتمع السوري وأن شبح الإنزلاق إلى حرب الأهلية يهيمن يوماً بعد يوم على الأزمة السورية: "حركة الانشقاقات داخل الجيش السوري آخذة في التصاعد. المنشقون يحاربون الجيش وهناك تخوف من الانزلاق إلى حرب أهلية واسعة النطاق، قد لا تنعكس عواقبها الوخيمة على سوريا فحسب، بل على المنطقة برمتها".


الأمريكيون يسلكون الطريق الدبلوماسي

الصورة د ب ا

​​
أما الولايات المتحدة فقد قررت هذا الأسبوع الانسحاب من المشاورات حول مشروع القرار الأممي، معربة بذلك عن خيبة أملها من طبيعة مسودة القرار، كما افادت المصادر الدبلوماسية. الولايات كانت قد قررت منذ فترة اعتماد سياسة التأثير المباشر والتحرك في قلب الأحداث. ومن هذا المنطلق اجتمع السفير الأمريكي بدمشق، روبرت فورد، عدة مرات مع المعارضة في سويا.
وفي يوم الخميس الماضي، اجتمع السفير الأمريكي مع المعارض السياسي حسن عبد العظيم في منزله، الذي رشقه مؤيدون للأسد بالحجارة. وفي هذا السياق جاء رد فعل الحكومة السورية مشحوناً باتهامات تصف الحكومة الأمريكية بأنها "تحرض على العنف". وكان السفير الأمريكي قد قام في شهر يوليو/ تموز الماضي بزيارة مدينة حماة، معقل المعارضة السورية والمحاصرة من قبل القوات السورية، حيث استقبله سكان المدينة بحفاوة. وفي أعقاب هذه الزيارة حاول مؤيدون للرئيس بشار الأسد اقتحام السفارة الأمريكية بدمشق، ولكن قوات الأمن استطاعت الحيلولة دون ذلك.


من هو المتحدث باسم المعارضة السورية ؟


وعلى الصعيد الداخلي يبذل معارضي النظام السوري جهودهم من أجل إيجاد إستراتيجية مشتركة، ففي أوائل شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، قررت المعارضة السورية في اجتماعها في مدينة اسطنبول التركية تأسيس مجلس وطني يمثل كل التيارات الدينية والعلمانية ومكون من 140 عضواً، 70 منهم من معارضة الداخل. ويقول الخبير بشئون الشرق الأوسط، ميشائيل باور، بأنه من المبكر التكهن بقدرة هذه النواة على توحيد صفوف المعارضة السورية: " هناك عدة مجموعات تعارض نظام الأسد، وهذا هو الشيء الوحيد، الذي يجمع بينها، وحتى الآن فإن ممثليها في الخارج لم يتركوا انطباعا بأنهم متماسكون حقاً" وأضاف "التحدي الحقيقي يكمن في توحيد حركات المعارضة تحت سقف تنظيمي موحد والتحدث بصوت واحد".


ويبدو أن الوصول إلى هذا الهدف تقف أمامه الكثير من المعوقات، فالمعارضة السورية مستهدفة من دولة البوليس، التي تستخدم أجهزة الآمن القمعي المخابراتي لوئد أي صوت معارض. وفي ظل هذه الظروف فإن معظم النشطاء يتواصلون عن طريق شبكات التواصل الاجتماعي بأسماء مستعارة. وهذه المعضلة هي جزء من مشكلة الغرب في التعامل مع المعارضة، التي لا يعرف هويتها حتى الآن.



دانيل شيشكفيتيس
ترجمة: مي المهدي
مراجعة: حسن زنيند
حقوق النشر: دويتشه فيله 2011