تمزق داخلي يقود إلى الشهرة

حصل عبد القادر بن علي جائزة ليبريس الأدبية، أحسن برهان على الرواج الذي يلقاه الكتاب المغربيون الشباب في هولندا. إيليا براون يعّرف بابن علي واثنين من زملائه.

مؤلفون من أصل مغربي يلقون رواجا في هولندا

مضى عليها زمن طويل، طويل، لكن لا يمكن إنكارها: السنوات السبع الأولى من حياته، قضاها الكاتب الهولندي حافظ بوعزة في المغرب. كان ذلك يكفي لوضعه في صورة رائجة بوجه عام في الوقت الحاضر في هولندا. يملك المؤلفون المهاجرون، من وجهة نظر بعض كتاب المقالات الأدبية، نظرة أكثر موضوعية وأقل انحيازا إلى المجتمع الهولندي وواقع الحياة فيه أولا، وأفقا إضافيا لا يملكه زملاؤهم الهولنديون ثانيا، وهم يعانون من تمزق داخلي "بين ثقافتين" بطريقة نموذجية ثالثا، حالة ليست غريبة تماما عن روح العصر. كثيرا ما يدعى مثل هؤلاء الأدباء لتقديم قراءات، مثلا في موضوع "الإسلام والمثلية الجنسية" على سبيل المثال في أمستردام 2002. "يتخذ التعصب الذي يحاول به الهولندي فهم -المسلم- شكلا خطيرا تدريجيا." يقول حافظ بوعزة في هذه القراءة. يُتهم اي نقد للإسلام بأنه جهل. " الشيء الوحيد الذي أثرى به الإسلام هولندا هو البهاء المعماري للجوامع، وهي في هولندا بوجه عام ولادات مشوهة قبيحة."

لم تكن الثقافة التي اعتادت تبادل الود بين الثقافات المتعددة مهيأة لهذا الجدل. إلا أن المرء يفهم حدة تصريحات بو عزة فهما أفضل حين يعرف الاستغلال اليومي للكتاب من أصل مغربي لأغراض التظاهر بالتسامح التزييني. "أيا كان الموضوع الذي يختاره الكاتب - حالما يكتب بلغة هي ليست لغته الأم، ينظر إليه على أنه خروج جريء عن الموضوع -الحقيقي-"، يكتب بو عزة نفسه في مقال أدبي. مع أن الكثير من هؤلاء الكتاب، وهم في الغالب من أبناء العمال المستضافين الذين استقدموا إلى البلاد في الستينات، يرتبط بهولندا ارتباطا وثيقا ولا يكاد يكون له ارتباط ببلده الأصلي. وحافظ بو عزة قد توغل في اللغة الهولندية بطريقة لا يكاد يضاهيه فيها كاتب هولندي. استخدم في روايته "مومو" مفردات تسجل ما ينتمي إلى المجتمع الأبوي ولم تعد تستعمل في اللغة الحية، بصورة مركزة مستعينا بقاموس تاريخي، ولكن لعب أيضا بجزيئات من لغات أخرى وبخلق مفردات جديدة. وهكذا نشأت لغة متعددة الرؤية، كثيفة جدا، ودقيقة جدا على طريقتها الخاصة - والمفارقة أن لها وقعا طريفا وغريبا حقا.

جائزة ليبريس الأدبية

لا يعاني كتاب مغاربة آخرون من مشكلة بصمهم بصورة المهاجرين. يتعامل عبد القادر بن علي مثلا بطريقة ساخرة ومرحة مع ثقافة بلاده الأصلية: "كانت مدرسة القرآن صف من غرف الدرس، مخبأة، متسترة في سرداب أحد الجوامع الذي كان كنيسة من زمن طويل، طويل جدا، قبل أن توجد وسائل منع الحمل وأطفال الكونترغان وفصل غير المؤمنين من العمل بصورة جماعية، اولئك الذين التفتوا بدورهم إلى الدين بسبب ذلك"، هكذا يبدأ وصف درس الدين في رواية " زفاف عند البحر". ولد بن علي عام 1975 في إغازازن/المغرب وجاء مع والديه إلى روتردام وهو في الرابعة من عمره. يدرس اليوم التاريخ في لايدن. وقد حصل عن عمله الأخير منذ وقت قصير على جائزة ليبريس الشهيرة للأدب. ينشأ بطل الرواية مهدي في هولندا كابن لعائلة مغربية مهاجرة، ويتسبب وهو في السابعة عشرة في حمل حبيبته الأولى. يلتقي والدا الفتاة بعائلة مهدي مرتابين في البدء، إلا أن الأمر ينتهي في الآخر بالمصالحة، ويولد الطفل في ليلة رأس السنة 1999 -2000.

إن ما يبدو من الملخص نصا تعليميا جافا حول التفاهم بين الشعوب هو في الواقع خليط ملون من الأنماط الأدبية وتقاليد القص. يقفز الكاتب ساخرا حينا و رومانسيا حينا آخر من التقرير النفسي الواقعي إلى الأسطورة دون تمهيد ليدخل في نسيج العمل قصصا ريفية يهودية. رغم أن التقاء ثقافتين هو موضوع حاضر دائما، إلا أنه أقرب إلى أن يكون مناسبة لاختراع الحكايات بفرح من كونه تفكيرا عميقا.

الرواية الأولى لكاتب شاب آخر، خالد بودو المولود عام 1974 في تمسمانه، "سنة تعليمية أولى في جنة شرائح اللحم" هي نوع من روايات الطرائف. بطلها نورديب شخص لطيف لكنه عديم المهارة ولا يصلح لشيء، يستطيع بعد لأي أن يحصل على مكان عمل كمتدرب في مطبخ كبير لمطعم مختص في شرائح اللحم. يعمل هناك مع عدد آخر من المهاجرين. ينذرهم رئيسهم ميرمان، وهو شخص كثير الشكوى، أن يتحدثوا بالهولندية على الدوام. يتخيل الطباخ الشاب أثناء ذلك بمخططات ثأر تطال حتى أطفال رئيس العمل: "سيلقي بالأطفال في الغرفة المبردة، مع الأرانب الميتة والنعجة المجمدة آنا، ثم يخفض الحرارة إلى ثلاثين تحت الصفر ويوقف ميرمان أمام كتلة اللحم المفروم: يتوجب على ميرمان خلال الوقت الذي يمر حتى يكونوا قد تجمدوا أن يكون قد أتقن لغة البربر المغربية دون لكنة، ودون أن يخطئ في اللفظ أو يتعثر عند الأصوات الحلقية - وإلا سيكون أطفاله المجمدون وجبة طعام هولندية دسمة أو يتحولون إلى لحم مفروم."

ايليا براون

ترجمة سالمة صالح