هل الله مع المبدعين؟

عَرَضَ موقع islam.de بالاشتراك مع جمعية "مشغل الإبداع" حديثة التأسيس الأعمال الفائزة في مسابقة "أرِني النبي" في حفلة ختامية غير معهودة قدمت صورة مختلفة وجديدة عن إسلام منفتح على الفن والإبداع. تقرير أعدته يوليا غيرلاخ.

المغنية هوليا كانديمير
المغنية هوليا كانديمير التي عادت بعد غياب طويل على خشبة المسلرح، بحجاب شرعي

​​

تبدأ يلدز كايا Yildiz Kaja كلمتها بالعبارات التالية: "عزيزي النبي، ترافقني منذ فترةٍ طويلة رغبة الكتابة لك". طالبة الطبِّ تحمل الميكروفون متوترةً بيديها الاثنتين. المرأة النحيلة بثوبها الطويل وحجابها ذي اللون الفاتح حازت على الجائزة الثالثة في مسابقة "أرِني النبي".

ما تقوله المرأة عبر الميكروفون غير معهود. تمامًا كالحفلة التي تُلقي فيها كلمتها. تسأل موجهةً كلامها إلى المرسَل إليه: "كيف يمكنني أنْ أحبك، وقد كنت أُعاقَبُ بالضرب على أصابعي وأنا صغيرة عندما كنت أخطئ أثناء تلاوة القرآن؟ كيف يمكنني أنْ أحبك، وأخي يريد أنْ يقتلني باسم الشرف؟".

كيف يمكن لي أن أحبك؟

نادرًا ما يسمع المرء أصواتًا كهذه في الفعاليات الإسلامية. بالرغم من ذلك أو لهذا السبب تحديدًا يخون يلدز كاجا صوتها في منتصف مداخلتها. "كيف يمكن لي أنْ أحبك؟"، تتساءل وفمها يرتعش. تتدحرج الدمعة الأولى، وبين الحضور ينطلق شهيق البكاء أيضًا.

جاء قرابة أربعمائة شخص معظمهم من الشباب المسلمين إلى القاعة المركزية في مدينة دارمشتات. جاءوا يريدون مشاهدة وسماع أعمال المشاركين في المسابقة. وقد بلغ عدد من لبى الدعوة لمسابقة "أرني النبي" مائة وعشرون مشاركًا ومشاركة. كان موقع Islam.de على الانترنت قد أطلق هذه المسابقة قبل عامٍ تقريبًا. وكان في ذلك جرأة: فجروح أزمة الرسوم الكاريكاتورية التي تسبب بها نشر رسومٍ عن النبي محمد في إحدى الصحف الدانمركية لم تندمل بعد.

بهذا الصدد يقول محمد العبدلاوي، صاحب فكرة المسابقة التي نُظمت بالاشتراك مع جمعية "مشغل الإبداع": "عارض كثيرٌ من المسلمين أنْ يقوم الآن مسلمون بالذات بمسابقة كهذه". وهو يحاول بهذا أن يخفف من أجيج النقاش الحاد الذي دار حول المسابقة في منتديات مختلفة على الانترنت.

أغنية عن الرسول

تعمد معدو المسابقة أنْ يتركوا للمشاركين حرية اختيار الشكل التعبيري الذي يريدونه. فجاءت المشاركات على شكل أشعارٍ أو قصصٍ أو أغانٍ أو رسوماتٍ. "لكن لم يصور أي منهم شخص الرسول" كما يقول الرجل الحكيم للإسلام الألماني وراعي المسابقة مراد هوفمان، ويشرح السبب قائلاً: "لا يجوز ذلك بحسب التقاليد الإسلامية". ولذلك من شأن هذا كله أنْ يتوافق مع الشريعة الإسلامية. بيد أنَّ النقاد في المنتديات المختلفة على الانترنت يرون مشاكل جوهرية: إذ يعتبرون أنَّ الموسيقى والأغاني تقع خارج حدود المسموح به.

رياض الحسيني فكر بهذه القضايا طويلا. عندما كان يافعًا غنى موسيقى الراب في فرانكفورت، ويشرح الحسيني عن تطوره: "لكن ذلك لم يعد يتوافق مع أفكاري، بسبب المخدرات ووضع النساء في تلك الأوساط، ولا سيما عندما بدأت بالصلاة واكتشفت الإسلام حلاً لي". لكنه يقف اليوم على خشبة المسرح بعد انقطاع دام عشر سنوات. وحاز على المرتبة الثانية بأغنيته "يا رسول".

تكونت لجنة التحكيم من مغني الراب الإسلامي عمار114، وأحمد كرويش الذي جمع دائمًا بين الدين والفن، والمغنية والكاتبة هوليا كانديمير. اختارت اللجنة عمل أبو بكر هاين كأفضل عمل، فحاز على الجائزة الأولى، وهي رحلة إلى السعودية لقضاء فريضة الحج.

لحظتي الأبدية

يلف الصمت الجمهور عندما يصعد الرجل الثلاثيني، الملتحي، معتمرًا القلنسوة إلى خشبة المسرح. قصيدته التي تحمل عنوان "لحظتي الأبدية" تتحدث عن رحلةٍ خياليةٍ إلى الرسول". وعندما يصل أبو بكر هاين إلى المقطع الذي يحدق به في عيني الرسول لا يستطيع الجمهور أن يتمالك نفسه أكثر مما فعل. تُوزَعُ المحارم الورقية. وكذلك يمسح أبو بكر عينه. ثم يلتقط أنفاسه.

يرفع إصبعين مشيرًا بالبدء بأغنية الراب عندما يأتي للحديث عن الرسول: "يقول مُتْ! قبل أنْ يناديك الموت. مُتْ، لكي تصبح حياتك طروبا. الرسول لا يقصد لعنة العمليات الانتحارية. من يفعل ذلك إنما يخونه! هو يقصد موتَ طاغوت أنانيتك". بعيونهم المحمرَّة يهز الفتيان والفتيات رؤوسهم بالموافقة: لديه الحق. هكذا يجب أنْ تكون الأمور. "أخيرًا فعالية إسلامية تتناسب معنا!"، تقول فتاة أتت من مدينة كارلسروهة لتحضر الحفل. وتقاطعها صديقتها قائلة: "أتينا لأننا نريد أنْ نسمع شيئًا عن حبيبنا رسول الله ولأننا نحب هذا اللون الفني".

هذا اللون حديث العهد في أوساط الجالية المسلمة في ألمانيا، كما يؤكد الأمين العام للجنة المركزية للمسلمين في ألمانيا ورئيس موقع Islam.de أيمن مزيك بقوله: "لم نشهد شيئًا كهذا من قبل". ويضيف بأنَّ عددًا من المجموعات الشابة المسلمة نشأت بشكلٍ مستقلٍ عن الجمعيات الإسلامية في الكثير من المدن، موضحًا أنَّ "هؤلاء الشباب لا يريدون أنْ تقتصر أنشطتهم على ردود الأفعال على الأحداث السلبية، بل يريدون أنْ يبادروا هم بطرح قضاياهم بشكل إيجابي". وكأنَّ المسابقة لم تتسبب بزوبعة كافية.

المسلمون ونظرية المؤامرة

تحتفل هوليا كانديمير في مدينة دارمشتات بعودتها إلى الحياة الفنية. فقبل سنوات كانت المغنية قد استبدلت أضواء المسرح بالحجاب وألفت كتابًا عن ذلك، وأصبحت مثالاً يحتذى به في أوساط المسلمين اليافعين. وكأنَّ هوليا كاندمير أصيبت في اللحظة الأخيرة بالخوف من شجاعتها، فأشارت عند إلقائها التحية على الحضور إلى صفحةٍ على الانترنت، حيث يمكن للمرء أنْ يقرأ الفتاوي التي تحلِّل للنساء الغناء وعزف الموسيقى على الملأ.

بعد هذا التمهيد انطلقت بتقديم عرضها. لا يجرؤ الجمهور على الانسجام معها في الأغنية الأولى، وتهتز بعض الأقدام في الثانية، ولكنَّ الجمهور بأكمله يشاركها الغناء في الأغنية الثالثة.

مازال كل شيءٍ جديداٍ وغير معهود. الشجاعة جديدةٌ وكذلك النقد العلني لممارسات الكثير من المسلمين. والسخرية الذاتية جديدةٌ بدورها: "يقال عن المسلمين أنهم يعشقون نظرية المؤامرة" يقول محمد العبدلاوي، ويضيف: "وكان هناك العديد من النظريات التي أرادت أنْ تفسر كيفية نشوب أزمة الرسوم الكاريكاتورية. أما بالنسبة لي فأنا أعلم الآن ما وراء ذلك. رُفعت الرسوم الكاريكاتورية على الشواهد وتم تأجيج كل ذاك الغضب لكي تتاح لنا فرصة تنظيم هذه المسابقة".

بقلم يوليا غيرلاخ
ترجمة يوسف حجازي
حقوق الطبع قنطرة 2007

قنطرة

مغنو الراب الأميركيون والإسلام
رغم اعتقاد البعض بتعارض تعاليم الإسلام مع موسيقى الهيب هوب فان العديد من مغني الهيب هوب السود اعتنقوا الإسلام وراحوا يقدمون في أغانيهم المدائح للنبي والقرآن. السؤال هو: كيف يتم التوفيق بين المتطلبات الدينيّة ونصوص أغاني الهيب هوب؟ يوناثان فيشر يقدم الجواب على ذلك

لا ينبغي الإستخفاف بالإرهابيين!
عرضت المسرحية الغنائية "جهاد" للمرة الأولى في مهرجان ايدنبورغ. إنها مسرحية تسخر من الإرهاب الإسلامي، مما جعلها تواجه الكثير من الانتقادات.

عوالم الموسيقى
الموسيقى بوتقة يمتزج فيها الشرق والغرب والشمال والجنوب والحاضر والماضي. في الملف التالي نتناول تأثير السياسة والعولمة على الإبداع الموسيقي كما نقدم تجارب موسيقية من بلاد عربية وإفريقية وأوربية.المزيد ...