سباغيتي بصلصة إيرانية

"غرفة لشخص واحد" هي أحدث مسرحية للمؤلف والمخرج كوهستاني. إنها كوميديا سوداء تظهر كيف تحاول أم ما دفن إبنيها بعد أن قام أحدهما وهو إنتحاري نباتي بتفجير مطعم للأكلات السريعة. عرض كتبته فهيمة فرساي التي شاهدت المسرحية في كولونيا.

​​

مطعم أكلات سريعة و قبر وحوض غسيل وسرير. تلك هي المواقع الأساسية التي تدور داخلها أحداث المسرحية الجديدة للمؤلف والمخرج الإيراني الشاب أمير رضا كوهستاني. "غرفة لشخص واحد" هو عنوان المسرحية، وهو عنوان يعكس على أفضل وجه تركيبة البناء المسرحي المثير.

عملية انتحارية

يتم تفجير المطعم من طرف منفّذ عملية انتحارية إسمه يوهان، المناضل المتشدد من أجل قناعاته النباتية والإبن المبجل لصاحبة المطعم، حيث تودي العملية الانتحارية بحياة ستة أشخاص آخرين من بينهم دافيد الأخ التوأم ليوهان وإحدى العاملات.

في القبر يتحادث دافيد المشرف على تسيير المطعم مع النمل ومع العاملة التي كانت ضحية لاعتداءاته الجنسية. في حوض الغسيل تقوم الأم بغسل جثة ابنها يوهان التي أخرجتها للتو من القبر، ثم تضع الجثة في سريرها فوق كمية من الثلج. بعدها، وهي تتمدد إلى جانبه في السرير تشرع في الكلام عن حاجاتها الجنسية وتعبر عن هلوسات رغبتها في مضاجعته.

أما أنّ ميلاد التوأمين قد جاء من باب المصادفة غير المرغوبة فذلك ما ستبوح به الأم في اللحظة التي قررت فيها الحفر لإستخراج جثمان إبنها المبجّل، ذلك الذي اختار لنفسه طريقا مهنية غير موفقة.

الشعور بالذنب

والغريب في الأمر أنها لم تخص ابنها الثاني دافيد "المستقيم والجدي" الذي ذهب ضحية العملية الانتحارية ولو بكلمة واحدة. والأم لم تذرف على أية حال دمعة واحدة على إبنيها الهالكين، ولم تصدر عنها ولو كلمة عتاب ليوهان على الجريمة التي اقترفها.

بعد ذلك ستعيش حدادها بطريقة مدروسة وباردة وذلك بالشروع في إيلاء اعتبار لمبادئ إبنها الذي لم يكن يحظ منها بأي اهتمام فيما مضى، مع تبني قناعاته البيئوية وحرصه على صيانة الحيوانات. وهكذا صارت تمتنع عن استعمال أية أدوية مبيدة ضد الحشرات والصراصير، كما أدخلت بعض الوجبات النباتية على لائحة مأكولات مطعمها.

ليس بدافع من قناعة ما، بل كتعبير عن ندمها وشعورها بالذنب تجاه إبنها اختارت الأم أن تواصل النهج الذي كان يسير عليه يوهان. ذلك أن شعوره بالإهمال وعدم العناية به هو الذي دفع به إلى التحول إلى إرهابي انتحاري كما يُبرز ذلك كوهستاني بصورة جلية في مسرحيته. ولأنه كان يشعر بنفسه "مهملا" من قبل الجميع ومن كل النواحي يقرر أن يفجر نفسه والآخرين معه.

"لعلني كنت سأعدل عن إشعال فتيل القنبلة لو أنك التفتّ إليّ عندما ناديتك"، هكذا يقول لأخيه التوأم. وقبل هذا الاعتراف كان المناضل النباتي قد عبر عن شكواه من الجهل المغرور لأمه، وهو يقرأ الرسالة التي وجهها إليها، داعيا إياها الى "التوقف عن قتل الخرفان."

خلافات سياسية

وبالرغم من التشابه الكبير الذي تمنحه صورة يوهان وسلوكاته مع النمط النموذجي لـ"الإرهابي الانتحاري الإسلامي" فإن المؤلف يحرص على عدم استقاء أية موازاة استعارية من خلال هذا التشابه. بل إنه يحذر المتفرج من عدم الوقوع في ما يمكن أن تحدثه حادثة العملية الانتحارية من إغراء في هذا الاتجاه.

وفي نص عقد العمل الذي قدمه له مارك غونتر متعهد مسرح كولونيا، يعلن بأن الأمر يتعلق بموضوع "خلافات سياسية" في هذه المسرحية التي تمثل إلى حد الآن العمل الثالث لهذا المخرج الموهوب الذي لم يدخل مسرحا قبل سن الثامنة عشرة. لكن ينبغي أن يتم تجسيد هذا الوجه السياسي للعمل ضمن "إطار عائلي".

ومسرحية "غرفة لشخص واحد" تتناول بالفعل موضوع عائلة غربية حديثة محددة بعلاقات أمومية تطمح إلى حياة في كنف السلام والتناغم والتعاضد.

أما أن يكون هذا المطمح مستحيل التحقق فذلك ما يشير إليه المخرج منذ المشهد الأول عند ظهور صاحب قاعة عروض يطرح أمام المتفرج القوانين التي تتحكم في نظام محكوم بآليات العولمة، وهو ما يقود حتما إلى الاغتراب وإلى عقلانية صارمة وفتور في الهمّة تصيب الروح الإنسانية بالتجمد. وليس من باب الصدفة أن تموت الأم بثلج جثة إبنها الذي "هشم عظامها".

حول مائدة واحدة في الجنة

وبالرغم من كل شيء يجمع كوهستاني في آخر مسرحيته، ونزولا عند الرغبة الملحة للأم، كل أفراد العائلة حول مائدة واحدة في الجنة. والأمر لا يتعلق هنا برغبة المخرج في التمسك بأفكار إحيائية حنينية وما بعد حداثية يعبر عنها هنا. بل إن طريقة عمله الخاصة هي التي تقتضي أن يتم إدخال تحويرات على النص في كل مشهد تقريبا وأن لا يكتب المشهد الأخير للمسرحية إلا أثناء التمارين التمثيلية.

ثم إن الإطار الحدثي الدقيق للمسرحية الذي تم حبك نسيجه من خلال واقعة الموت أكثر من وقائع الحياة هو الذي يلعب دورا محددا هنا. ففي مملكة الموت تفلت كل الأشياء تقريبا من قبضة سيادة النظام الدنيوي:

"لعل الحلم وذلك الذي يحدث بعد الموت شيء واحد في النهاية"، هكذا يقول كوهستاني. ولكي يجد تعبيرا عن كل هذا بالكلمات كان عليه أن يعتمد على ما يمنحه لأذنه الجرس النغمي للغة الألمانية، فهو ليس متمكنا من اللغة الألمانية والممثلون لا يستطيعون الكلام باللغة الفارسية. ولذلك يتم التواصل باللغة الأنكليزية. وهكذا يقيّم كوهستاني نتيجة هذا العمل :"إنه مثل سباغيتي بصلصة إيرانية!" وقد جاءت الوجبة شهيّة على أية حال.

بقلم فهيمة فرساي
ترجمة علي مصباح
حقوق الطبع قنطرة 2006