تحدّيات الإقتصاديّات الضعيفة و"تصدير" الديمقراطيّة

سجّل المؤتمر الأورومتوسّطي السادس المُنعقد مؤخّرا في تونس بالتعاون مع مؤسّسة "البيت العربي" بمدريد، ما يُمكن إعتباره "إقرارا" لأوّل مرّة بأنّ مشروع الإتحاد المتوسّطي الذي طرحه الرئيس الفرنسي، إنّما هو "مفهوم جديد غير مُكتمل" إلى الآن. تقرير سليم بوخذير

تلوث الساحل المتوسطي في جنوب فرنسا
تلوث البيئة، إحدى القضايا المشتركة بين دول الاتحاد المتوسطي

​​

قالها السيد سارج ديغالي بصراحة في المؤتمر، مُتابعا أنّ السيد ساركوزي إنّما طرح المشروع للنّقاش خلال زيارته إلى كلّ من الجزائر و تونس يوليو/تموز الماضي وأيضا خلال لقاءاته المُختلفة بباريس مع وزراء عرب، و ذلك على خلاف ما تداولته عديد التقارير من قبل من أنّ ساركوزي قد أتى إلى المنطقة المغاربية و معه مشروع جاهز و مُُكتمل الملامح.

وتابع أنّ الدعوة الفرنسية إلى إنشاء إتّحاد متوسّطي تعكس الأهمّية التي تُوليها فرنسا للمنطقة المتوسّطية بإعتبارها الشريك الأوّل لدولها، و لكنّها أيضا دعوة نابعة من وجاهة الفكرة وفائدتها لكلّ دول الضفتيْن في مجالات التنمية والأمن والحضارة وغيرها، لو سارت الفكرة إلى أهدافها بسرعة.

ولم يعتبر السيد ديغالي أنّ المشروع منافسا لمسار برشلونة و إنّما هو يراه "إستكمالا له" كما لم يعتبره تغييرا بأيّ حال في سياسة الجوار وإنّما تفعيلا كبيرا منتظرا لهذا الجوار.

مثلما ذكر السفير الفرنسي ، فإنّ فكرة الإتحاد المتوسّطي تطرح في ما تطرح ،المُراهنة على الشراكة الإقتصادية البينية بين بلدان الضفتيْن كركيزة من الركائز الأساسية لضمان النماء لبلدان الجنوب وأيضا لتعزيز إقتصاديّات نظرائها في الشمال.

وفي الواقع التعاون الإقتصادي بين بلدان الضفتيْن موجود حاليا ويتطوّر من عام لآخر و لكنّه دون آمال المسؤولين على الإقتصاديّات المحليّة، فالأرقام تقول أنّ نحو 26 بالمائة من الصادرات العربية هي خاصّة بالإتحاد الأوروبي، فضلا عن تواتر إتفاقيات أبرمت لقليل من دول الجنوب مع الإتحاد الأوروبي وكذلك ما سُجّل من تنام لعدد إتفاقيات ثنائية دول أخرى بالجنوب مع نظيراتها بالشمال في مجالات الطاقة والتكنولوجيا والعمالة والفلاحة والصناعة وغيرها.

إقتصاديّات ضعيفة و"تصدير" الديمقراطية

غير أنّ ضعف ميزان إقتصاديّات عديد دول الجنوب يطرح الكثير من التحدّيات في وجه تعزيز تنمية شراكاتها مع دول تفوقها تقدّما.

قال الأستاذ أحمد الجويلي الوزير المصري السابق وأمين عام مجلس الوحدة الإقتصاديّة في مؤتمر تونس في هذا الإطار، إنّ حاجة الدول العربية كبيرة إلى مساعدة الإتحاد الأوروبي في الظفر بأسباب التقدّم الإقتصادي، مُذكّرا بنسب هامّة تتسبّب في خفض معدّلات التنمية من ذلك إرتفاع نسب البطالة بها إلى 15 بالمائة.

وإعتبر أنّ هذه النّسب ليس لها دلالة إقتصادية فقط، بل ينسحب تأثيرها إلى خلق مشاكل سياسية وإجتماعية أوّلها إرتفاع نسب المهاجرين وإرتفاع الراغبين فيها وهو ما عكسه تنامي خطر الهجرة السريّة من هذه الدول مثلا.

وإعتبر أنّ تنمية البحث العلمي وتوطين التكنولوجيا بهذه البلدان ضرورة لتحقيق شراكة أورومتوسطية فاعلة مُنتقدا الدور المحدود للشراكة الأورومتوسّطية في إنعاش أداء المؤسسات العامة بالجنوب وقطاع البنية التحتية والخدمات وغيرها ،معتبرا أن الدول الأوروبيّة مُطالبة بأن تتحمّل مع دول الجنوب أعباء مشوارها الشاقّ نحو التنمية الفاعلة والسليمة مع عدم إهمال دور القطاع الخاص في ذلك وكذلك منظمات المجتمع المدني.

من جهته ذكّر السيد جواد كردودي رئيس المعهد المغربي للعلاقات الدولية في المؤتمر بإخفاق مسار برشلونة في تحقيق أهدافه من بينها السلام وإيقاف النزاعات في المنطقة وإرتفاع خطر الإرهاب والهجرة غير الشرعية، مُشدّدا على ضعف المجهودات في نقل الديمقراطية وحقوق الإنسان من الشمال إلى الجنوب وهو ما كان له الأثر السلبي في إخفاقات برشلونة وكذلك في تزايد الهوّة بين الضفتيْن.

ووجّه السيد جواد كردودي "الإتهام" إلى الإتحاد الأوروبي بالمساهمة في إفشال مسار برشلونة بسبب إعطاء الأولوية الكبيرة في الشراكة إلى بلدان أوروبا الشرقية مع إهمال العلاقات مع بلدان الجنوب.
فيما رأى السيد سنان فلورنزا المدير العام للمعهد الأورومتوسّطي أنّ فشل مسار برشلونة كان راجعا لأسباب خارجة عن المسار نفسه وعن مدوّناته من ذلك ضعف مجهود دول الجنوب في السير بقطار برشلونة بالسرعة المطلوب.

ومهما يكن من أمر، لا شكّ أن مؤتمر الرؤساء المقرّر خلال الأشهر الأولى من عام 2008 ستكون خير فرصة لمزيد ضمان الحظوظ في الرفع من سرعة التقارب المتوسّطي وتقريب وجهات النظر من أجل ضمان مدوّنة جوار أكثر فعالية وديمومة من مسار برشلونة، والأهمّ أكثر تطابقا مع طموحات الشعوب في تقريب الهوّة بين الضفتيْن في مختلف المجالات بما في ذلك مجال حقوق الإنسان والديمقراطية لا أن يكون منحصرا في مجالات بعيْنها بشكل يتجنّب إحراج حكومات الجنوب على حساب شعوبها.

سليم بوخذير
حقوق الطبع قنطرة 2007

قنطرة

فرصة لمراجعة الشراكة الأورو-متوسطية
طرح الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي خلال زيارته الأخيرة إلى الجزائر وتونس فكرة إنشاء اتحاد متوسطي، يشكل بديلا لاتفاق برشلونة. سليم بوخذير عن التحديات التي تواجه هذا المشروع.

أوروبا في صدد فتح بوابتها
التحول السكاني في أوروبا والعولمة يجبران الاتحاد الأوروبي على طرح مشاريع لاستقطاب يد عاملة من دول الجنوب. الاقتراح الأخير طرحه المفوض فرانكو فراتيني. تقرير دانييلا شرودر من بركسل