صراع حول انتخابات رئيس الجمهورية

تشهد تركيا حاليا صراعا حول منصب رئيس الجمهورية الذي يعكس حقيقة التصادم الفعلي بين القوى الدينية والقوى العلمانية التي تتصدى لها بدعم واضح من الجيش. حوار مع الصحفي آرطغرل كوركجو، المنسق في موقع بيانت

الصحفي التركي كوركجو، الصورة: www.bianat.org
الصحفي التركي كوركجو

​​

هل عاشت تركيا في حياتها السياسية مرحلة تشبه المرحلة التي تمر بها الآن؟ أم انها تعيش انتخابات مثيرة للجدل لأول مرة؟

أرطغرل كوركجو: في حقيقة الأمر عاشت تركيا عموما مرحلة الشد والجذب في كل فترة قامت فيها بانتخاب رئيس الجمهورية. ولو قمنا بتقييم هذه المرحلة على المدى البعيد، بعد أتاتورك وعصمت اينونو وجلال بايار الذين تولوا رئاسة تركيا، للاحظنا أن انتخابات رئاسة الجمهورية صارت مسرحا للصراعات الداخلية أو أن ثمة من تولى هذا المنصب بموافقة الجمعية الوطنية التركية بعد الانقلابات العسكرية.

عندما نقيم الموضوع من هذه الزاوية ستواجهنا مسألة حدوث انتخابات في ظل ظروف سياسية حرجة، حيث أدلى الزعماء السياسيون خلالها بتصريحات تشبه تصريحاتهم الحالية. فعند فترة اختيار تورغوت أوزال لرئاسة الجمهورية لم يتردد زعيم حزب الشعب الجمهوري الحالي دنيز بايكال في القول "سنرغمه على ترك كرسيه بطريقة مهينة" وهو الشخص نفسه الذي يردد اليوم "لن ادعه ( يقصد أردوغان) يستلم هذا المنصب"، ويواصل قائلا " كيف تزعمون أن عبدالله كول هو الشخص المناسب لهذا المنصب؟"

من أين يستقي رئيس الجمهورية أهميته إلى هذا الحد؟

كوركجو: بالنسبة لي يعد منصب رئيس الجمهورية منصبا غير ديمقراطي إلى درجة كبيرة. وأعده منصبا ديكتاتوريا بحكم الصلاحيات القانونية الممنوحة له. لا يمكن لمن يشغل هذا المنصب أن يقوم بأي عمل فيه خير ورفاهية المجتمع. ولا مفر بالنسبة لكل من يشغل هذا المنصب في ان يتصرف بصورة عامة مثل رئيس محكمة العقوبات.

انطلاقا من هذا الواقع فلا مفر من قيام النظام الدستوري بإجراء تغييرات جذرية على هذا المنصب. وشخصيا اعتقد أن وجود رئيس جمهورية بصلاحيات رمزية هو الأفضل، وتمتعه بصلاحيات تنفيذية مجردة عبث لا غير، حيث تتطلب الضرورة أن يكون هناك برلمان قوي، بعلاقة متوازنة مع السلطتين التنفيذية والتشريعية. عندما نقيم الدستور التركي سنرى تشابه السلطة التنفيذية مع السلطة التشريعية حيث يبدو القضاء خاضعا لسيطرة هاتين السلطتين (التشريعية والتنفيذية)، الأمر الذي يساعد على تكوين نظام ديكتاتوري واوليغاركي.

رئيس الوزراء إردوغان ووزير الخارجية والمرشح لرئاسة الدولة عبد الله غول، الصورة: أ ب
رئيس الوزراء إردوغان ووزير الخارجية والمرشح لرئاسة الدولة عبد الله غول

​​لقد تم ترسيخ هذا النهج في الدستور بعد انقلاب 12 أيلول العسكري، في محاولة لتنصيب شخصية مثل قائد الانقلاب كنعان اورهن في قمة الدولة. أما القوة التي كانت تقف خلف نظام 12 أيلول، أي الجيش فتبدو اليوم مصابة بسلاحها الذي طالما شهرته في وجه الآخرين سابقا إزاء تصاعد نفوذ القوى الاجتماعية والأحزاب السياسية.

فلو كان البرلمان التركي قد تشكل بموجب انتخابات عادلة وليس على ضوء قوانين 12 أيلول لما كان بامكان حزب العدالة والتنمية اليوم أن يتمتع بالأغلبية فيه.

كيف تقيمون إعلان رئاسة أركان الجيش التركي وقرار المحكمة الدستورية عقب الإعلان المذكور؟

كوركجو: في رأيي لو لم تقم المحكمة الدستورية بإعلان قرارها لقام الجيش بالاستيلاء على السلطة، وقد جاء قرار المحكمة الدستورية لقطع الطريق أمام الجيش للقيام بمثل هذه الحركة. وكان رئيس حزب الشعب الجمهوري يقصد ذلك بقوله " إذا لم يصدر قرار إلغاء جلسة البرلمان فستحدث أزمات مستفحلة".

لقد أصدرت المحكمة الدستورية التركية قرارا شاذا لا علاقة له بروح الدستور تحت ضغط العسكر في سبيل إنقاذ البلاد من الأزمات والعواصف المنتظرة. وسوف يكون لهذا القرار تعقيدات كبيرة، حيث ستكون مصداقية انتخابات رئيس الجمهورية محل نقاش وجدل.

في المحصلة النهائية ، يمكننا القول ان النظام الدستوري يرغب بمواصلة طريقه الذي يعمل على الوصول إلى ضفة ساحل هاديء، لكنه يواصل طريقه هذا بتناول حبوب مهدئة تخفف من أزمته وتعينه على مواصلة السير.

جرت مسيرات جماهيرية حاشدة في أنقرة أولا ثم في استانبول، ماذا سيكون تأثير الجماهير على انتخابات رئاسة الجمهورية؟

كوركجو: ردود الفعل الشعبية مؤثرة وكبيرة، وهي ستقلل من حدة الأزمة. ان تطلع البعض إلى رئيس جمهورية قوي يكشف عن حاجة البعض إلى الديكتاتورية. إننا نعيش كل هذه الأزمات بسبب اختيار قلة من الناحبين للكثرة في البرلمان التركي.

ما الذي يتحتم عمله لتغيير هذا الواقع؟

كوركجو: ثمة حاجة إلى إرادة شعبية لتغيير ما تقدم الحديث عنه. لقد كنت أتوقع من حزب الشعب الجمهوري باعتباره حزبا رئيسيا للمعارضة في البرلمان ان يبادر إلى جمع كافة القوى اليسارية إلى جانبه للبدء منذ بداية هذه المرحلة بالإصلاحات المقترحة من قبل الاتحاد الأوربي والالتزام بشروط معاهدة كوبنهاغن، والقيام بدور رائد في إجراء الإصلاحات الدستورية.

كان من الممكن لتركيا أن تقوم بكل ذلك، إلا أن حزب الشعب الجمهوري اختار أن يكون لسان حال القوى التي تريد المحافظة على الأوضاع الراهنة. وفي الحقيقة ان الحزب اليمني الديني الحاكم يقوم بشكل نسبي بتطبيق الإصلاحات التي تتلاءم مع مصالحه. بينما تعمل الأحزاب اليسارية إلى الحد من هذه التطبيقات. موقف يدعو للسخرية إلى درجة كبيرة. ثمة أزمة تعيشها تركيا في هذا الجانب.

وشخصيا اشك في أن يتم الحد من ذلك في الانتخابات. المشهد التركي الحالي، يعكس أن ثمة تمردا للعلمانيين ضد مخاطر الدولة الدينية، بينما يبدو مثل هذا الخطر بعيدا حاليا. بطبيعة الحال هنالك دفع لتطبيق سياسة إسلامية، إلا أن الخطوات التي سيتم تنفيذها في هذا الجانب تبدو محدودة أمام الإرادة الشعبية القوية، لذلك تبدو خطوات الحكومة في هذا المجال محدودة للغاية.

لولا خوف الفئة العلمانية من الأكراد، لما استطاع حزب العدالة والتنمية الحاكم الحصول على 40 من نوابه من المنطقة الجنوبية الشرقية.

متظاهرون أتراك يرفعون صورة مؤسس الدولة أتاتورك، الصورة: أ ب
متظاهرون أتراك يرفعون صورة مؤسس الدولة أتاتورك

​​يتم اليوم الإصرار على ضرورة حصول الأحزاب التي ستخوض الانتخابات على نسبة 10% من مجموع أصوات الناخبين كحد أدنى. ويؤدي ذلك بطبيعة الحال بكل أسف إلى عدم انعكاس إرادة وتطلعات الشعب على مجلس النواب. وهو ما يقف حائلا أمام عدم قيام العديد من الأحزاب بدورها من خلال عدم دخولها البرلمان. ولست متأكدا من تغير هذا المنظر والمشهد في الانتخابات العامة المنتظرة.

هل ترشيح عبدالله كول من قبل اردوغان له دلالة في هذا الاتجاه؟

كوركجو: بشكل جازم نعم .بالنسبة لي فان أمام جميع القوى التقدمية والمسحوقة والباحثة عن العدالة الاجتماعية مشكلة مستعصية. فالبرلمان ورئاسته ورئاسة الوزراء تنظر إلى الأحداث من وجهة نظر ميتافيزيقية، وتعمل على إبراز العناصر والعوامل الدينية إلى المقدمة دائما. ففي التعليم والتربية يتم إبراز نظرية الخلق والاهتمام بها، إضافة إلى تحديد الحياة الاجتماعية للمرأة، وهذا مما يؤدي إلى التأثير بشكل سلبي على قطاع التربية والعمل في تركيا.

وقد بدأ من الآن إهمال تشغيل المرأة وتفضيل الرجل عليها، بشكل مقصود ومتعمد، حيث لا يشجع عمل العنصر النسوي، كما يتم تلقين النساء بأن البيت هو مكان المرأة الطبيعي ، ودورها المهم في الحياة هو الإنجاب. ان عدم اكتمال جميع عناصر هذا النمط من الإدارة يخلق للجميع مشاكل بالغة.

ولإزالة كل ما تقدم ذكره من سلبيات ، تعتبر دعوة الجيش إلى التحرك خيارا خطيرا على اقل تقدير. لأننا سبق وأن عانينا من مثل هذه الخطورة عندما تحرك الجيش للنضال ضد الشيوعية.

ماهي التغييرات المنتظرة في المنظر السياسي في تركيا بعد الانتخابات؟

كوركجو: لا أنتظر تغييرا جذريا. ربما سيحدث انفتاح في السياسة الخارجية، وتغييرات في التقييم بالنسبة لهذا الموضوع. مثلا: هل يمكن قبول الطالباني من قبل الحكومة التركية؟ هل سيتم التعمق في قضية قبرص؟ وفي موضوع التعاون مع الاتحاد الأوربي هل سيتم تعميق صلات التعاون أم لا؟ قد تحمل الانتخابات نوعا من الرد على هذه التساؤلات بعد الانتخابات المرتقبة.

ولعل أهم ما يمكن توقعه أيضا تخفيف حدة الصراع بين الجيش والحكومة. كما أن ثمة تناقضا بين القوة التي يمتلكها اليوم حزب العدالة والتنمية وبين حجمها كقوة اجتماعية، وتجاوز ذلك مرتبط بعدم اختلاقه المشاكل مع الجيش وحصوله على ثقة المجتمع الدولي.

أجرى الحوار أتيلا أزرق
ترجمة نصرت مردان
حقوق الطبع قنطرة 2007

قنطرة

مخاطر تواجه الإعلام المستقل
لا يزال الصحفيون في تركيا يخشون من التعرَّض لأحكام جنائية، ذلك أنَّ القانون الجزائي يعتبر "إهانة كلِّ ما هو تركي" عملاً يعاقب عليه القانون. على الرغم من ذلك هناك صحفيون يتحدثون بصراحة عن مواضيع حسَّاسة مثل العاملين في منتدى الإنترنت الإعلامي "بيانت" Bianet. أنكه هاغدورن وهوليا كويلو زارتا مكتب "بيانت" وأعدَّتا هذا التقرير

ملف تركيا والاتحاد الأوربي
ملف شامل يناقش العلاقة بين تركيا والاتحاد الأوربي من جهة والعلاقة بين تركيا والعالم الإسلامي من جهة أخرى، نشأ في إطار مبادرة إرنست رويتر