الاعتدال مطلوب

تسير المساعي الدبلوماسية مع إيران فيما يتعلق بمشكلة الطاقة الذرية على قدم وساق، على الرغم من عدم وجود قرائن تثبت سعي إيران لامتلاك سلاح نووي. يرى ذلك بيتر فيليب في تعليقه التالي.

الصورة: أ ب
البينة على من ادَّعى

​​

ليس مسؤولو الوكالة الدولية للطاقة الذرية في فيينا هم الذين يعطون الانطباع بعدم وجود موقف حازم تجاه إيران, بل الدول الأوروبية الثلاث ألمانيا وفرنسا وبريطانيا هي من يعطي هذا الانطباع المتسم بالضعف, لأنها أي الدول الثلاث لم تقدم أي دليل أو برهان على ما تدعيه القدس وواشنطن بأن إيران تسعى حقا لامتلاك السلاح النووي.

وكلمة حق هنا, يجب على من يدعي أن يأتي ببراهين وحجج تثبت ما يذهب إليه وأن لا يكتفي بما يدعيه سياسيون إيرانيون منفيون يُشك بما يرمون إليه, وهذه البراهين غير موجودة ومن المستبعد أن توجد.

ومثل هذه التكهنات وإن كانت تؤثر على صناع القرار السياسي إلا أنها لا تكفي لإقناع الوكالة الدولية للطاقة الذرية, لأن مفتشيها يتعاملون مع الحقائق الموثقة التي لا ينالها الشك.

صحيح أن مفتشي الوكالة في حالة العراق فشلوا في مواجهة الولايات المتحدة, لكنهم عازمون في حالة إيران على الاحتكام الى الحقائق فقط. وهذا حسن, فماذا سيحل بالعالم لو خلى الميدان للادعاءات والاتهامات وصارت هي التي يُتخذ القرارُ السياسي على أساسها وما قد يتبعُه من تهديداتٍ وفي بعض الأحيان إلى عنف ٍوحروب؟

ثم إن لموقف الوكالة الدولية المتسم بالتروي أثر ايجابي على مواقف بعض العواصم ومنها حتى واشنطن التي اعتدلت لهجتها نسبيا. ويا حبذا لو يتعظ المفاوضون الأوروبيون المسؤولون عن المفاوضات مع إيران بموقف الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

صحيح أن هناك مؤشرات كثيرة على أن إيران لا تجري أبحاثها النووية لأغراض الطاقة فقط, لكن أيران لبت معظم بنود إتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية, وما قامت به إيران حتى الآن وما تقوم به في اصفهان ليس ممنوعا حسب معاهدة انتشار الأسلحة النووية.

لذا ينظر الإيرانيون الى الطلب الأوروبي على أنه استفزاز, إذ يطلب الأوروبيون ما لا تطلبه حتى المعاهدات ُالدولية, كما أنهم لم يطلبوا الشيء نفسه من دول نووية أخرى لأنها لم توقع على هذه الإتفاقيات.

وهذا الطلب يعيد إلى أذهان الإيرانيين تلك الحقبة التي كانت تُصنع فيها السياسة الإيرانية في أمريكا وأوروبا, وهم يشعرون بالإهانة حين يُعرض ُعليهم الدعم الاقتصادي مقابل التخلي عن برنامجهم النووي.

قد يبدو الأمر وكأن الإيرانيين يبالغون في الاعتزاز بكرامتهم الوطنية, ولكن الإيرانيين حساسون جدا في هذا المجال, وقد آن الأوان لأن يُفهم هذا الجانب من قبل الأمريكيين والأوروبيين.ويجب أن يخلوَ التعامل مع دولٍ كإيران من المسحة الاستعمارية.

وحتى لا يفهمَ هذا الموقف على غير وجهه الصحيح يجب على إيران أن تتحمل تبعات أي خرق للإتفاقيات. ولكن يجب التثبت أولا من حدوث خرق لهذه المعاهدات. ولم يحدث هذا حتى هذه اللحظة.

بيتر فيليب
حقوق الطبع دويتشه فيلله 2005