العولمة والصراع في الشرق الأوسط

اجتمع أكاديميون ورجال دين وصحفيون وسياسيون من مصر وألمانيا في ورشة حوار بهدف مناقشة قضايا تؤرق أوربا والعالم العربي وتسبب العديد من الإكليشيهات تعرقل التقارب. بيتر فيليب حضر اللقاء

حوار لم يستثن الماوضيع الساخنة، لا سيما مسألة العنف والقضية الفلسطينية، الصورة: بيتر فيليب
حوار لم يستثن الماوضيع الساخنة، لا سيما مسألة العنف والقضية الفلسطينية

​​

لقد عقد المؤتمر هذا العام في المدينة المصرية "العين السخنة" على شاطئ البحر الأحمر. وكان منظموا المؤتمر هم الأكاديمية الإنجيلية الألمانية في لوكوم و"المنظمة الإنجيلية القبطية المصرية للخدمات الإجتماعية"، وكان الموضوع المطروح للمناقشة هو "القيم والعنف في مسار العولمة"، الذي يعد من الموضوعات الصعبة بصفة خاصة، وهذا ما قد ثبت بالفعل.

وفي بداية الإجتماع طرح الدكتور محمد نور فرحات، أستاذ القانون المصري، أسئلة حددت مسار جزء كبير من الإجتماع، مثل: ما هو العنف؟ وهل يمكن تقسيم العنف إلى ضروب مختلفة؟ وهل على المرء ألا يفرق بين الإرهاب والمقاومة؟

مفهوم العنف والصراع في الشرق الأوسط

إنها أسئلة لا تهتم بالعلاقة بين الدين والإرهاب، وهي نتاج ضجر عميق وإحباط في العالم العربي والإسلامي من التطورات السياسية التي جعلت الغرب – في طور العولمة - يتجاهل الشرق ويضطهده ويسيء معاملته.

ويرى فرحات أنه ليس من قبيل الصدفة أن يقوض الغرب القانون الدولي تجاه العالم العربي والإسلامي- من خلال شن بعض الحروب الوقائية - وأن تعتدي جيوش القوى العظمى على المنطقة.

ومن الطبيعي أن فرحات كان يلمح لذلك بالحرب على العراق، ومن قبل على أفغانستان, أضف إلى ذلك نقده في نفس الوقت للغرب بسبب موقفه المتحيز تجاه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. وأصبحت القضية الفلسطينية موضوعا للنقاش، ومما فاجأ كثيرا من المشاركين الألمان عصبية المصريين المشاركين في الحوار وتمسكهم الراديكالي المتحيز بهذه النقطة، حيث كانوا يتهمون الغرب – في المقام الأول – بأنه متحيز في سياسته وإعلامه إلى إسرائيل.

حوار ذات احترام وتسامح متبادل

وفي البداية كانت السيدة ريتا زوسموت Rita Süssmuth - الرئيس سابقا لمجلس النواب الألماني على ثقة أن المرء يمكنه أن "يتعلم من الآخر" أثناء الحوار، فليس هناك من يقدم أكثر من الآخر، بل كل مرء يحتاج إلى الآخر في رأيه وخبراته.

وذكرت زوسموت أنها كثيرا ما سمعت لوما في العالم العربي أن الغرب متكبر ولا يحترم الثقافة العربية والإسلامية. ومن المهم أن يتعرف المرء على الآخر معرفة جيدة، خاصة وأن عدد الأقلية المسلمة في أوروبا قد بلغ 20 مليون. وهذا التعارف قد أهمل حتى الآن لدرجة كبيرة، فقد عاش الناس في ألمانيا بجوار بعضهم واعتبر ذلك تسامحا.

وتستطرد زوسموت قائلة: "لم نكن متعايشين مع بعضنا البعض إلا قليلا، ولم يستفد أحدنا من خبرة الآخر. وسنبدأ بهذا الآن، وأود أن أقول لكم أننا في ألمانيا قد لا نكون تعلمنا بالقدر الكافي من تاريخ القرن العشرين،إلا أننا تعلمنا بعض الشيء. وما تعلمناه هو، أولا أنه بالإمكان إيقاف العنف بالحرب أو بالعنف، ولكن هذا لا يعني حل المشكلة.

فالمشاكل لاتحل عسكريا، بل سياسيا. وثانيا أن الشعب قد يتورط تورطا كبيرا وأن يغرر به بالقيام بأعمال بربرية والقتل الجماعي وإبادة اليهود الأوروبيين وإبادة الحضارات، وهذا يتطلب منا جهدا كبيرا حتى نخرج من هذه الورطة".

وتواصل زوسموت أن السبب الرئيسي في حضور الأعضاء الألمان إلى مصر لم يكن "لفرض شيئ على الآخرين" بل للإهتداء جميعا إلى شيء والتعرف عليه. وأن المرء في ألمانيا قد لا يستطيع أحيانا أن يقدر حريته الشخصية، ولكن الأولوية لا بد أن تكون للقانون وليست للاستبداد.

وقد كان من الممكن أن نتفق على هذا المبدأ، لولا الرجوع مباشرة إلى مناقشة موضوع ثقيل كـ"الصراع الفلسطيني"، واعتراض أعضاء المؤتمر المصريين على أن مبدأ الحرية والقانون لا بد وأن يسري أيضا للفلسطينيين. واتهموا الغرب من جديد أنهم يطبقون مبادئهم على العالم الإسلامي ولا يطبقونها على إسرائيل.

كما حاول السفير الألماني في القاهرة ، السيد مارتين كوبلر Martin Kobler أن يبين طريقا مشتركا، حيث أن الإرهاب يعتبر في المفهوم الغربي اعتداء على حرية الشعب، ولهذا يفوض المرء الحكومة من أجل حماية المجتمع ضد تلك العدوانية والتهديدات.

وقد يغامر المرء هنا بتقييد الحريات التي يناضل من أجل حمايتها، وقد يغفل المرء بسهولة عن واجب التسامح تجاه الأقلية وتجاه الرأي الآخر, بينما قد يفسر "التسامح" بتفسيرات عديدة للغاية، فقد يفهم على أنه المساواة في المعاملة النابعة عن إقتناع، ولكنه قد يفهم أيضا على أنه كرم مصحوب باستخفاف – أي تكبر – من القوي تجاه الضعيف.

الإستهانة بالعولمة وتضييع فرصتها

ويرى السفير كوبلر أن هناك حاجة ماسة إلى استدراك ما فات في مجال العولمة، ويتساءل: "ما هو الدور الذي لعبته العولمة عندنا في الغرب وهنا في الدول العربية؟" إنني مع الرأي والنظرية التي تقول بأننا استهنا بالعولمة كواقع بالنسبة لحوار الثقافات أو "كيف نتعامل مع الثقافات الأخرى؟"، أو من الممكن أن أقول – من وجهة نظرنا الغربية – أن فرصة العولمة قد فاتت تماما.

وعلى الرغم من أن العالم العربي أصبحت لديه الفرصة أن يشاهد الآن العديد من القنوات الفضائية العربية، إلا أنها لا تعطي الصورة التي يود الغرب نقلها. فكثير من القنوات تعرض سفك الدماء والعنف ويساهمون بذلك في تقوية الصورة المعادية للغرب في العالم العربي.

وقد حذر السفير – الذي كان أول سفير ألماني في مناطق الحكم الذاتي الفلسطينية منذ سنوات - من صعوبة تحديد مفهوم الإرهاب والخوض فيه، وقال: " في النهاية لا يمكن فصل السؤال متى يكون العنف مشروعا و متى يكون غير مشروعا عن التقييم السياسي، وأرى أن الإرهاب لا يمكن أن يكون مشروعا بأي حال من الأحوال، لأن مصطلح "الإرهاب" له معان سلبية.

ميكدونالدز وسياسة السوق العدوانية

وقد حذر الدكتور جلال أمين بطريقة غير مألوفة تماما من فوضى التعريفات ووجهات النظر الخاصة، ويقول العالم الاقتصادي متهكما أن العنف في العولمة لا يمكن تفسيرهما بأي حال من الأحوال بالإرهاب أو بالغطرسة الغربية. فالعنف يبدأ أصلا عند ميكدونالدز وسياسة السوق العدوانية التي جعلت العالم العربي والإسلامي يصبح تابعا للغرب.

وكان من الوصايا التي أوصى بها المؤتمر للمشاركين هي الارادة والاستعداد للنقد الذاتي، وقد يبدو ذلك قليلا، إلا أنه كافيا لوصف المؤتمر بالنجاح.

أما السيدة أمينة شفيق " فإنها على يقين أن مغزى الحوار لا يكمن في الوصول إلى وجهة نظر موحدة. وترى أن الحوار يكون مفيدا عندما يساعد على التخلص من الانحيازات وعلى توسيع الرؤية الشخصية.

وتستطرد: "إننا لا نستطيع أن نعيش دائما بوجهة نظر واحدة، وهي أن الغرب ضدنا. لا، فالغرب ليس بلدا واحدا. وحتى في البلد الواحد لا يوجد رأي الحكومة فقط، فهناك آراء لكثير من الناس ولكثير من المنظمات, وسوف تساعد طريقة التفاهم تلك على تحسين العلاقات في المستقبل".

بقلم بيتر فيليب
ترجمة عبد اللطيف شعيب
حقوق طبع النسخة العربية قنطرة 2005