دعونا نتعلم من أنقرة!

هناك توافق بين الإسلام والديموقراطية كالحال لدى الأديان الأخرى. لكن الأمر يتطلب تقوية ساعد المسلمين من ذوي النزعة الليبرالية إذا كان المطلوب تكريس إسلام حديث عصري في ألمانيا. بقلم النائبة في البرلمان الألماني لاله أكغون

لاله أكغون
النائبة من أصل تركي لاله أكغون

​​

يصح القول إن المناخ الإسلامي المثقف في ألمانيا يهيمن عليه الجفاف فهو بمثابة صحراء رملية لا تترعرع في ظلها إلا النباتات الهزيلة الشاحبة التي زرعتها محض الاتحادات الإسلامية. فصورة الإسلام تعاني سواء في ألمانيا أو في شتى أنحاء العالم من تدن في السمعة إلى حد كبير. وهذا الحال لا يعود فقط للهجمات الإرهابية التي وقعت في نيويورك.

لا شك أننا بتنا اليوم في ألمانيا في حاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى إلى سماع أصوات تعبر مجددا عن إسلام يتحلى بروح الانفتاح العالمي والليبرالية ويتمشى مع متطلبات العصر، إسلام يعطي إجابات على التساؤلات التي تطرح نفسها في سياق معطياتنا الحياتية هنا في ألمانيا. بعبارة أخرى إن الإسلام الأوروبي في حاجة إلى تكريس حركة إصلاحية بشأنه.

الإسلام والديموقراطية

لكن يخطئ أنصار الفكر المبني على الحجج التبريرية وغيرهم من نقاد الإسلام عندما يزعمون بأن هناك انعداما في التوافق بين الإسلام والديموقراطية من الناحية المبدئية. ومما يثير الاستياء أن المفكرين المعتمدين على مثل هذا النمط من الأكليشيهات يجدون منذ وقت طويل تجاوبا ملحوظا مع أفكارهم لدى الرأي العام. وهم من خلال ذلك يعيدون إحياء أحكام مسبقة أعتقد بأنها قد تلاشت كما أنهم يزحفون فوق الموجة الانفعالية المبنية على شحذ المخاوف حيال أخطار فقدان الهوية بسبب الغرباء.

من الأسباب الأخرى المثيرة للاستياء أن الافتقار في هذا البلد لأصوات جهورية معبرة عن روح إسلام ليبرالية قد أضعف من قوة ومركز الحجج العقلانية المطروحة في سياق الجدل حول الإسلام والديموقراطية. لكن السؤال هو هنا عن موقع الإسلام اليوم وعما إذا كان من الصحة أن نقول إن المسلمين أقل تهيأ لتقبل روح الديموقراطية من غيرهم.

يتوافق الإسلام أو لا يتوافق مع أنماط الديموقراطية في الحياة حاله حال سائر الأديان الأخرى. هناك تيارات إسلامية عديدة من المغرب إلى إندونيسيا ومن الولايات المتحدة إلى ألمانيا. فتركيا دولة ديموقراطية ومسلمة في آن واحد أما السعودية فهي دولة مسلمة وغير ديموقراطية. لهذا كان علينا أن نمتنع عن نهج التعميم.

لهذا أيضا أود أن يقتصر حديثي على ألمانيا وأوروبا وحدهما. أرى أن حالة الإسلام في ألمانيا لا تتمشى مع روح العصر. فنحن في حاجة إلى إسلام يعطي إجابات على المعطيات الحياتية القائمة هنا ويكون مستقل الهياكل ومنظما ويمكن قياسه وفقا للقوانين السائدة في أوروبا وألمانيا. هذا مع العلم بأنه ينبغي تطبيق تلك المتطلبات على سائر الأديان الأخرى.

الإسلام في ألمانيا

الحاصل بدلا من ذلك أن للإسلام في ألمانيا وجها له صبغة الاتحادات الإسلامية والمتولين بأمرها. الجدير بالذكر أن هؤلاء الأشخاص يتبنون مواقف محافظة بل أصولية في بعض الحالات بالإضافة لكونهم يخضعون لتعليمات من الخارج.

فأكبر هذه الاتحادات الإسلامية "ديتيب" يلتحم التحاما وثيقا من الناحيتين المالية والتنظيمية مع جهاز الدولة التركي المعني بشؤون الدين والمسمي "ديانة". فهذا الجهاز يرسل أئمة مساجد من تركيا إلى ألمانيا لا يتكلمون اللغة الألمانية جيدا إلا في حالات نادرة ولا يلمون على نحو كاف بمعطيات الحياة في ألمانيا.

كيف يسع هؤلاء الأئمة أن يقدموا العون للمسلمات والمسلمين المقيمين هنا إزاء التغلب على المشاكل التي تعترض حياتهم طالما أنهم أي الأئمة لا يملكون معرفة تستحق الذكر بألمانيا؟ هناك اتحادات أخرى ذات ارتباط وثيق بالسعودية أو بحركة الإخوان المسلمين في مصر اللتين تتبنيان تفسيرا قديما متآكلا للدين. هذا النمط من الإسلام لا يقدم إجابات على الأسئلة التي تواجه المسلمات والمسلمين المقيمين في ألمانيا والذين يتحتم عليهم التعامل مع محاسن العولمة ومساوئها ومع هياكل أنظمة الدولة على المستويين الألماني والأوروبي.

لهذا فإننا بحاجة إلى أصوات قوية وقادرة على إعطاء إجابات نابعة من صميم الحياة. ومما يؤسف له افتقاد الإسلام في ألمانيا وأوروبا للإمكانيات التطويرية التي تسمح بإعطاء تفسير عصري للدين. وما زال حتى اليوم عدد الكليات الجامعية المتخصصة بتدريس مادة علوم الدين الإسلامية ضئيلا للغاية كما يكاد أن يكون تدريس مادة الإسلام في المدارس على نحو عميق شبه معدوم. إضافة إلى ذلك فإنه لا يتم إعداد الأشخاص المناسبين في ألمانيا لتبوء مهام الإمام.

علم التفسير والحديث

يعطينا العالم الإسلامي بنفسه صورة حول إمكانية صياغة أنماط تنويرية للإسلام. ففي جامعة أنقرة يجري فريق علمي من العلماء الشباب أبحاثا في علوم الدين الإسلامية بناء على علم التفسير المستند على منهج التاريخ النقدي. هنا يتم تفسير سور القرآن في السياق التاريخي فقط أي دون تطبيقها حرفيا على الحاضر.

أما مسألة نقل المرجعية إلى العصر الحديث فإنها تترك لاختيار الفرد نفسه. هنا توجب على الأفراد الراغبين في سلوك طريق سليم دقيق أن يلجئوا إلى مصدر آخر أي للأحاديث النبوية. الأحاديث النبوية هي تفسيرات صادرة عن الرسول بهدف تحديد الأولويات الأخلاقية لمحتوى سور القرآن وتطبيقها على أرض الحاضر.

يملك الكل الحق في تفسير القرآن على هذا النحو كما يمكن الرجوع إلى أحد علماء الدين فيما لم يستطع المرء القيام بذلك بنفسه. بطبيعة الحال لم يصل حتى الآن هذا النمط التفسيري المستند على منهج التاريخ النقدي إلى أذهان كافة الأتراك المقيمين في ألمانيا. لهذا فإن الأمر يتطلب منا أن نقوي من ساعد ممثلي التفسير الليبرالي للإسلام بدلا من الاكتفاء بإبداء مظاهر الاحترام والتقدير لمن اتسموا بأفكار لا تتمشى مع روح العصر.

لا ينبغي علينا أن نهمل أمرا هاما وهو أنه لا يكفي تقوية ساعد المسلمين الليبراليين داخل أوساط المثقفين وحدهم. يتحتم علينا أن نكف على نحو أكيد ثابت عن اعتبار الأغلبية الكبيرة الصامتة للمسلمين المقيمين في ألمانيا دوما بأنها تأخذ مواقف متطابقة مع مواقف الأصوليين وأصحاب النهج القديم المتآكل.

أغلبية هؤلاء المسلمين تحدوها الرغبة في العيش والعمل في ألمانيا على نحو سلمي هادئ. أية مشاعر تساور نفوس المسلمين والمسلمات عندما يسمعون صباحا من محطات الإذاعة أثناء قيامهم بتنظيف أسنانهم بأنه قد تقرر في المستقبل القريب فرض رقابة على كل من غيروا ديانتهم واعتنقوا الإسلام، وذلك من قبل أجهزة المخابرات؟ من يتعرض لمثل هذه المعاملة يشعر بأنه يعيش على هامش المجتمع مما سيدفعه من قبيل ردود الفعل إلى التقوقع على نفسه، الأمر الذي يفرز حالة معاكسة تماما لمشروع الاندماج في المجتمع.

لا يتمشى النقد العدائي الموجه للإسلام ولا الإدعاء الخاطىء المطروح مرارا وتكرارا حول استحالة التوافق بين الديموقراطية والإسلام مع روح الواقع الذي يعيشه الناس في قراهم ومدنهم إلا بمقدار ضئيل. فمن خلال العيش سوية مع الناس هناك يدرك المرء بوضوح بأن الروابط القائمة بين طبيب تركي وطبيب ألماني تفوق كثيرا الروابط القائمة بين هذا الطبيب التركي وبين عامل البناء التركي.

فالفروق القائمة في مجتمعنا تأتي مبنية على المعايير الاجتماعية كمعدلات التعليم والرخاء وفرص تحسين مستوى المعيشة. هذه الفروق لن تتلاشى إلا بعد أن تتوفر لجميع الناس فرص متكافئة للمشاركة ولتحسين مستوى معيشتهم .

حقوق المواطنة

لا يمكن أن ينشأ الإحساس بروح التضامن الذي يشكل جسرا اجتماعيا هاما لربط أوصال المجتمع بعضها ببعض إلا على أسس قيمنا الدستورية المشتركة. وقد سبق للفيلسوف الألماني يورغين هابرماس أن أطلق على ذلك عبارة "النزعة الوطنية المبنية على الدستور". بناء على ذلك يتمتع كافة المواطنين والمواطنات بغض النظر تماما عن كونهم يدينون بالإسلام أو المسيحية أو يتبنون فكرة الإلحاد بذات الحقوق والواجبات في الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

هذا يتضمن عدة عناصر منها تقبل المواطنين لدستورنا العلماني الذي ينص على فصل الدين عن الدولة وعن كون دولة القانون وحدها تملك الحق في احتكار استعمال القوة. لكن بوسع الأديان أن تمارس في إطار هذه الحدود التي وضعتها الدولة وفي إطار توفيرها للحماية طاقاتها المكرسة للسلام والحافزة على تحقيق الاندماج إلى أكبر حد. تلك هي الديموقراطية العلمانية التي يترعرع الدين في ظلها مما يجعله قادرا على تقديم العطاء الطيب للإنسان.

بقلم لاله اكغون
ترجمة عارف حجاج
حقوق الطبع قنطرة،لاله أكغون

لاله اكغون المولودة في عام 1953 نائبة في البرلمان الألماني الاتحادي عن الحزب الاشتراكي الديموقراطي وعضو في اللجنة المعنية بشؤون الاتحاد الأوروبي، كما أنها تحتل داخل كتلة حزبها مركز المفوضة المختصة بشؤون الإسلام ونائبة الناطق في شؤون السياسة الأوروبية.

قنطرة

الإصلاح والإسلام
ما هو الدور الذي يمكن يلعبه الإسلام في إصلاح ودمقرطة المجتمعات الإسلامية؟ نقدم بعض النماذج التي يطرحها مفكرون مسلمون بارزون